يرفض دونالد ترامب الانتقادات الكثيرة في شأن دوره في إدارة الأزمة الوبائية، ويتحدّث عن «صلاحيات مطلقة» في اتخاذ أيّ قرار يراه مناسباً، ومِن ذلك: كيف ومتى يبدأ الحدّ مِن إجراءات مكافحة «كورونا»، ويُعاد فتح البلاد وتشغيل العجلة الاقتصادية؟ هذه المسألة ليست تفصيلاً، بل مقدّمة لمعركة ظاهرها دستوريّ وباطنها سياسي. مسألةٌ بدأت تتّسع لتأخذ حيّزاً كبيراً مِن نقاشٍ يطاول جوهر النظام الأميركي، ويوازي بثقله آخر يدور في فلك «نجاعة» استجابة الإدارة الأميركية للكارثة الوبائية التي تضرب الولايات المتحدة بشكلٍ كبير، حيث تجاوز عدد الإصابات عتبة الـ 600 ألف، بعد تسجيل أكثر من 16 ألف حالة جديدة أمس، وما يزيد على 1,500 وفاة، ليرتفع عدد الوفيات إلى أكثر مِن 25 ألفاً.ورغم أعداد الإصابات والوفيات المهولة، سرعان ما تحوّل النقاش ليطاول وسائل «استئناف» النشاط الاجتماعي والدورة الاقتصادية، عبر الحدّ من الإجراءات المفروضة لاحتواء الوباء. وينبئ إعلان ترامب قربَ الإفراج عن خطّةٍ مفصّلة لإعادة تشغيل العجلة الاقتصادية بأزمة وشيكة، وسط صراع الصلاحيات القائم. فمنذ أسابيع، يوجّه البيت الأبيض رسائل متضاربة: هل يتعيّن على الحكومة الفدرالية أو حكّام الولايات اتّخاذ القرار في شأن الاستجابة للفيروس؟ الحكّام مِن شرق الولايات المتحدة إلى غربها يتشاورون معاً لاتّخاذ قرارات منسّقة استجابة لتطوّر الجائحة؛ من نيويورك إلى نيوجرسي وكونتيكت ورود آيلاند وماساتشوستس وديلاوير وبنسلفانيا، إلى كاليفورنيا وأوريغون وواشنطن. لكن ترامب حذّرهم صراحةً مِن أن عليهم اتباع أوامره: «لا يمكنهم القيام بأيّ شيء مِن دون موافقة الرئيس». رغبته الجارفة في اتخاذ جميع القرارات وتعزيز سلطاته، تأتي كمحصّلة لأسابيع مِن شَحن الأجواء وتحميل حكّام الولايات مسؤولية التقصير في مواجهة الوباء. وبلهجةٍ عدائية، قال: «عندما يكون شخص ما رئيساً للولايات المتحدة، فإنه يملك سلطة مطلقة... الحكام يعرفون ذلك».
يمنح النظام الفدرالي حكّام الولايات الخمسين سلطة اتّخاذ تدابير الإغلاق الإلزامي أو رفعه


على مدى الأسبوع الفائت، مهّد ترامب لقراره إعادة تفعيل الدورة الاقتصادية، وإن تدريجيّاً، وأنه هو وحده مَن يقرّر التوقيت المناسب. على هذه الخلفية، انطلق الصراع. حاكم ولاية نيويورك، أندرو كومو، تساءل: كيف يدّعي الرئيس السلطة لإعادة فتح الاقتصاد، وهو نفسه قال في وقت سابق إنه يفتقر إلى السلطة لإغلاقه؟ وفي حديث لـ«سي إن إن»، أضاف: «أنت لا تصبح ملكاً بسبب حالة طوارئ وطنية». وفيما أشار لاحقاً إلى أنه لن يدخل في مواجهة مع ترامب، لأن «الوقت ليس للسياسة»، أكّد أنه لن يتركه «يقول إن لديه سلطة مطلقة على الأمة، دون تصحيح. هناك أشياء كثيرة غامضة في الدستور، إلّا هذه». ورغبةً منه في الدفاع عن سلطاته، كان حاكم نيويورك أكثر وضوحاً في شأن الوزن الذي سيعطيه لأمر يحتمل أن يصدره الرئيس الأميركي: «إذا أصدر لي أمراً بإنهاء الإغلاق بطريقة من شأنها أن تعرّض الصحة العامة في ولايتي للخطر، فلن أنفذه»، مشيراً إلى أن ذلك قد يتطوّر إلى معركة أمام القضاء لا تستطيع الولايات المتحدة تحمُّلها في الظروف الراهنة. لكن ردّ ترامب جاء غير متوقَّع؛ وإلى قوله إن «كومو يتّصل يومياً، لا بل كل ساعة، للمطالبة بكل شيء... لقد فعلت كلّ شيء من أجله، ومن أجل الآخرين»، أضاف: «الآن يبدو أنه يريد استقلاله! لن يحدث مثل هذا!». وفي حين أنه يُتوقّع مِن ترامب قول أيّ شيء للدفاع عن نفسه، لكن الإشارة إلى استقلال ولاية في إطار صراعٍ سياسي على صلاحيات حدّدها صراحةً النظام الفدرالي، يبدو مستغرباً في توقيته وحتّى فكرته، وخصوصاً في ظلّ الكارثة التي تعيشها البلاد. إلا أن ترامب يبدو مصمِّماً على خوض مواجهة مع حكّام الولايات مِن خلال تأكيده، مجدداً، أن أمر إنهاء تدابير العزل في البلاد يعود إليه شخصياً: «إن رئيس الولايات المتحدة هو الذي يقرّر!». يمكن الرئيس بالتأكيد تحديد الوجهة والمسار، لكن النظام الفدرالي يمنح حكّام الولايات الخمسين سلطة اتّخاذ تدابير الإغلاق الإلزامي أو رفعه. وحتى الآن، لم يفعل ترامب سوى تقديم توصيات بالتباعد الاجتماعي حتى نهاية نيسان الجاري. وتعليقاً على الجدل القائم، قال أستاذ القانون في جامعة تكساس، ستيفن فلاديك: «ليس للرئيس سلطة قانونية تتيح له تجاوز قرارات العزل التي تتّخذها الولايات أو إعادة فتح المدارس والشركات الصغيرة... لا توجد أي مادّة دستورية تمنحه مثل هذه السلطة».



ترامب: الصحافة عاملتني بـ«وحشية»
بغضب واستياء كبيرين، نفى الرئيس الأميركي شائعات عن نية لديه لإقالة أبرز أعضاء الفريق الطبي لمكافحة فيروس كورونا. وعلى غير عادة، بدأ الإيجاز الصحافي لخلية أزمة فيروس «كورونا»، في البيت الأبيض ليل أول من أمس، بتصريح للطبيب أنطوني فاوتشي، بهدف تبديد الشائعات عن خلاف بينه وبين الرئيس. وفي إشارة إلى مقابلة له مع شبكة «سي إن إن»، الأحد، ذكر خلالها أن فرض تدابير في وقت مبكر كان من شأنه تخفيف تصاعد أزمة «كوفيد-19»، أوضح فاوتشي أنه كان يردّ «افتراضياً»، وأن حديثه في المقابلة عن «التصدي» لإغلاق الاقتصاد، كان «اختياراً خاطئاً للكلمات». وترامب الذي عزّز التكهنات الأحد بإعادته نشر تغريدة منتقدة مع وسم يطالب بإقالة الطبيب، سُعد لوضع حدّ للغطِ الأخير، قائلاً عن فاوتشي: «يعجبني (...) سمعت بأنّني سأقيله، لن أقيله، أعتقد أنه شخص رائع».
لكنّ ترامب شنّ بعد ذلك هجوماً على أهداف أخرى، مبدياً استياءه من اتهامات بأنّه أساء التعاطي مع الأزمة. وساخطاً على ما يعتبرها تغطية إعلامية غير ودّية، وجّه انتقادات لاذعة لـ«نيويورك تايمز» و«سي إن إن» ووسائل إعلام أخرى «عاملتني بوحشية». ونفى صحة تقرير لصحيفة «تايمز» يفيد بأن إدارته لم تتّخذ قرار الإغلاق في الوقت المناسب لمنع تفشي الوباء، قائلاً: «أتمنى ألا أرى نيويورك تايمز الفاشلة بعد 5 سنوات من الآن بسبب إفلاسها، من دوني ومن دون أخباري، لكانت قد أغلقت منذ زمن». وفي خطوة أولى من نوعها في الإيجازات الصحافية، عرض ترامب على الصحافيين فيديوات تمّ جمعها لمسؤولين رسميين وسواهم يشيدون بالعمل الذي قام به. وبعدما ألحّت مراسلة شبكة «سي بي إس نيوز» في شأن انقضاء فترة طويلة قبل اتخاذ قرار إغلاق الاقتصاد، هاجمها ترامب قائلاً: «أنتِ مشينة». وقال للصحافية التي كانت تجلس على مسافة قريبة منها: «تعلمين أنتِ مضللة»!


وفاة جماعية في دار للمسنّين
في واحدة من أسوأ حالات الوفاة الجماعية جرّاء الإصابة بفيروس «كورونا» في الولايات المتحدة، توفي 42 شخصاً في دار لرعاية المسنين في ولاية فرجينيا قرب مدينة ريتشموند، فيما توقّع المسؤولون وفاة عدد أكبر. وبحسب المدير الطبّي، جيمس رايت، فإن الفحوص أثبتت إصابة ما لا يقلّ عن 127 من بين نزلاء الدار البالغ عددهم 163 بالفيروس في الأسابيع القليلة الماضية. وتفيد التقارير بأن آخر اثنين مِن المتوفين لفظا أنفاسهما الأخيرة في الأيام الثلاثة الماضية. وقال رايت: «كان الأمر صعباً... فوجئنا بمدى سرعة ذلك»، مضيفاً في مؤتمر صحافي: «إنّها معركة نشعر أحياناً بأننا نخسرها. إنها معركة يتحتّم علينا خوضها في النهار وفي الليل... سبعة أيام في الأسبوع».
(رويترز)