قَلَب الرئيس الأميركي دونالد ترامب وجهة استهدافاته، أخيراً، إلى الكونغرس. السبب أنه يريد تثبيت قضاة وتمرير تعيينات أخرى، تستلزم اجتماع مجلس الشيوخ، الأمر الذي يتعثّر حصوله في الوقت الحالي، بسبب تفشّي فيروس «كورونا». أما الحلّ بالنسبة الى ترامب، فيتمثّل بتعليق عمل الكونغرس إذا ما تعذّر اجتماعه، وبالتالي استخدام إحدى الصلاحيات التي منحه إياها الدستور، بينما لم يلجأ إليها أيٌ من الرؤساء سابقاً.ترامب الغاضب، والذي يلقي الاتهامات يميناً ويساراً، منذ انتشار وباء «كوفيد 19» في بلاده، يبحث دائماً عن جهة يلقي عليها اللوم في تقصير إدارته. قبل يومين، كانت منظمة الصحة العالمية، ضمّ إليها الصين، التي واصل استهدافها، في مؤتمراته الصحافية اليومية، ليُعلن، أول من أمس، أنّ حكومته تحاول تحديد ما إذا كان فيروس «كورونا» قد خرج من معمل في مدينة ووهان. وهو ما وازاه وزير الخارجية مايك بومبيو ووزير الدفاع مارك إسبر، باتهامات مشابهة، مروّجين لفكرة أنّ على بكين الإفصاح عمّا تعلمه.
الجوقة السياسية، وازتها أخرى إعلامية، إذ ذكرت شبكة «فوكس نيوز»، أنّ الفيروس نشأ في معمل في ووهان، ليس كسلاح بيولوجي، وإنّما كجزء من سعي الصين إلى إظهار أنّ جهودها لرصد ومكافحة الفيروسات تكافئ أو تفوق قدرات الولايات المتحدة.
داخلياً، هدّد ترامب باستخدام صلاحيات دستورية لم يسبق أن تمّ اللجوء إليها من قبل، لفرض إقرار تثبيت قضاة وتعيينات أخرى، من قلب مجلس الشيوخ، متّهماً الديموقراطيين بشلّ إجراءات المساعدة الاقتصادية. ويملك مجلس الشيوخ، الذي يهيمن عليه الجمهوريون حالياً، صلاحية إقرار أو رفض تعيينات الرئيس في مناصب استراتيجية، من أعضاء الإدارة إلى رؤساء الوكالات الحكومية وقضاة المحكمة العليا والسفراء والقضاة الفدراليين...
لكنّ مجلس الشيوخ علّق جلساته العامّة بسبب الوباء لغاية الرابع من أيار. وهو حالياً يلتئم كل ثلاثة أيام في جلسات «إجرائية» قصيرة، لا يشارك فيها سوى عدد قليل من أعضائه. وتتيح هذه الجلسات تسيير عمل المجلس، إلاّ أنّ أيّ قرار يصدر عنها لا بدّ من أنّ يتمّ بالإجماع وليس بالأكثرية، ما يعني أنّه رهن بموافقة الأقليّة الديموقراطية عليه. وفي مؤتمره الصحافي اليومي في البيت الأبيض، قال ترامب إنّ «ما يحدث الآن من مغادرة المدينة مع عقد جلسات إجرائية وهمية، هو تقصير في الواجب حيال الأميركيين الذين لا يمكنهم تحمل ذلك خلال هذه الأزمة». ودعا زعيم الأكثرية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل إلى تعليق كل الجلسات ليتمكّن من استخدام مادة في الدستور، ويثبت تعيين مرشحيه في المناصب. ترامب أضاف إنه «إذا لم يوافق» مجلس النواب الذي يهيمن عليه الديموقراطيون «على هذا التعليق فسأمارس صلاحياتي الدستورية في تعليق عمل الكونغرس بمجلسيه». وقال: «أفضّل أن لا أستخدم هذه الصلاحية». واستبق ترامب منتقديه بالقول: «ربّما لم يسبق أن حصل هذا الأمر، لكنّنا سنفعله».
سجّلت أميركا أكثر من 30 ألف وفاة و640 ألف إصابة و5.2 ملايين طلب جديد على إعانات البطالة


من جهة أخرى، اتّهم ترامب الديموقراطيين في الكونغرس بعرقلة تخصيص 250 مليار دولار إضافية للشركات الصغيرة والمتوسطة. ويُفترض أن يضاف هذا المبلغ إلى 350 مليار دولار أُدرجت أساساً في خطة إنعاش الاقتصاد الأميركي التي تتجاوز قيمتها ألفي مليار دولار، وأُقرّت في نهاية آذار. ويقول الديموقراطيون إنهم يريدون التأكّد من أنّ هذه الأموال الإضافية ستوزّع على كل الشركات الصغيرة والمتوسطة، ويطالبون بالموافقة في الوقت نفسه على 250 ملياراً من المساعدات الإضافية المخصّصة للمستشفيات والسلطات المحلية.
في هذه الأثناء، وبينما تخطّت وفيات «كورونا» في الولايات المتّحدة عتبة الـ 30 ألفاً، ووصل عدد الإصابات الى 640 ألفاً، يصرّ الرئيس الأميركي على إعادة فتح الاقتصاد، بحلول الأول من أيار المقبل. وتعهّد بالكشف عن خريطة طريق لإعادة إطلاق عجلة الاقتصاد الأميركي بشكل تدريجي. ورجّح أن تكون الولايات المتحدة قد «اجتازت ذروة» تفشّي الوباء.
ولكن في مقابل ذلك، هناك إشارات خافتة، في بعض الأجزاء من البلاد، على أن التفشي بدأ في الانحسار. فقد أفاد مسؤول أميركي رفيع المستوى في قطاع الصحة بأنّ حكّام نحو 20 ولاية فيها أعداد قليلة من حالات فيروس «كورونا»، يعتقدون أنهم قد يكونون مستعدّين للبدء في إجراءات إعادة تشغيل الأعمال، خلال الموعد الذي يستهدفه ترامب في الأول من أيار. إلا أن حكام الولايات الأشد تضرراً ــــ وهي نيويورك وكاليفورنيا ولويزيانا ونيوجيرسي وماساتشوستس وميشيغان ــــ قالوا إنّ هناك حاجة لإجراء المزيد من الفحوص الواسعة، قبل بدء إنهاء إجراءات العزل العام.
يأتي ذلك فيما سجّلت الولايات المتحدة، الأسبوع الماضي، 5.2 ملايين طلب جديد للحصول على إعانات البطالة، بحسب أرقام أعلنتها وزارة العمل، أمس. وتشير الأرقام حتى 11 نيسان / أبريل، إلى أنّ الاقتصاد الأول في العالم خسر 22 مليون وظيفة، منذ منتصف آذار/ مارس، فيما أرغمت تدابير مكافحة الوباء العديد من الشركات والمحال التجارية والمطاعم على إغلاق أبوابها.
كذلك، دخل العديد من الأميركيين في «إضراب عن دفع الإيجارات»، بسبب «انسداد الأفق» أمامهم، في انعكاس لحركة ناشئة لدى العاطلين الجدد عن العمل. ويأتي ذلك فيما يرى العديد منهم نفسه أمام خيارين: إمّا دفع ما تبقى من مدخرات لمالك الشقة، أو الاحتفاظ بهذا المال للأكل ودفع بوليصة التأمين الصحي.