منذ اللحظة الأولى لانطلاقها من إيران، لم تُخفِ الجمهورية الاسلامية وُجهة الأسطول، خلافاً لما درجت عليه عادة السفن الناقلة للنفط ومشتقاته في تضليل مُتتبعي الأثر الأميركيين. صحيحٌ أنّ الشحنة الإيرانية تكفي فقط لأسبوعين أو ثلاثة أسابيع، ولن تُزيل الحصار المفروض على كاراكاس نهائياً، ولن تمنع البؤس الاقتصادي والاجتماعي عن الفنزويليين، ولكنّها رسالة تضامن بالغة الأهمية ويُبنى عليها في الفترة المقبلة. خاصة أنّها المرحلة الثانية من سلسلة دعم إيران لفنزويلا في «تحرير نفطها». ففي نيسان الماضي، نُظّمت رحلات جوية شغّلتها شركة «ماهان أير» الإيرانية في نقل أجزاء وقطع غيار لصيانة مصفاتي كاردون وأمواي الفنزويليتين. إصلاح المصفاتين قد يسمح بتكرير ما يصل إلى نحو 200 ألف برميل في اليوم. ما يجري في «الكاريبي»، يُعدّ استمراراً للعلاقات الفنزويلية - الإيرانية، التي ترسخت في عهد الرئيس الراحل، هوغو تشافيز. الرئيس الاشتراكي تحدّى يومها العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، مؤمّناً لها ما يُقارب الـ20 ألف برميل يومياً من البنزين.
قد تستخدم الإدارة الأميركية عقوبات أشدّ قوة لردع التجارة الإيرانية - الفنزويلية
وكان الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، قد أعلن أنّ بلاده أجرت الخميس تجربة صواريخ بانتظار وصول ناقلات النفط الإيرانية. وهدّد الرئيس الإيراني حسن روحاني من أنّ أي مشكلة قد تتعرّض لها ناقلات النفط المُتجهة إلى فنزويلا، من جانب الولايات المتحدة، «ستُقابل بردّ من قبل طهران»، وذلك بعد أن أعلن مسؤول كبير في إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب أنّ بلاده «تدرس الإجراءات التي يمكن أن تتخذها». ثمّ رُصدت أربع سفن حربية للبحرية الأميركية ترافقها طائرة حربية (بوينج بي-8 بوسيدون) تتجه نحو منطقة «الكاريبي». ولكن، مع تصريح المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، جوناثان هوفمان، بدت واشنطن كمن تراجع خطوة إلى الوراء. فهو أجاب رداً على سؤال صحافي حول نيّة بلاده التحرك، إنّ إرسال تلك السفن «انتهاك للعقوبات الدولية المفروضة على إيران وفنزويلا... ولكني لست على دراية بأي تحرك أو عملية عسكرية لاعتراضها».
خصوم الولايات المتحدة، الذين تأثّروا بعقوباتها «وتعثّروا بسبب فيروس كورونا، يعقدون شراكة استراتيجية أوثق، مما يوفر للرئيس مادورو المحاصر شريان حياة حيوي، ويُقدّم لطهران مركز جديد للتأثير عبر البحر الكاريبي»، بحسب صحيفة «واشنطن بوست»، التي كتبت أنّ السفن الإيرانية «ستُخفّف النقص في الوقود، الذي بلغ درجة أنّ المرضى لا يستطيعون الوصول إلى المستشفيات والإنتاج يتعفّن في المزارع».
ولكن، هل ستجلس واشنطن مُتفرجة على ما يحصل في ما تعتبره «حديقتها الخلفية»؟ مجلس الأمن القومي الأميركي هدّد الخميس الماضي بأنّ استيراد البنزين الإيراني «لن يوقف نقص الوقود المزمن في فنزويلا أو يخفف من المعاناة التي سبّبها مادورو لشعب بلاده الذي كان مزدهراً في السابق». ونقلت «واشنطن بوست» عن «مُحلّلين» بأنّ الإدارة الأميركية «ستستخدم على الأرجح عقوبات اقتصادية إضافية، أشدّ قوة، لردع التجارة الإيرانية - الفنزويلية».