في الوقت المناسب سنلقي القبض على غوايدو شحنات إيرانية أخرى ستصل إلى فنزويلا

جولة أخرى من «الحرب»، ربحتها فنزويلا وإيران في المعركة التي فرضتها الولايات المتحدة عليهما منذ سنوات. فبعد فشل محاولة الانقلاب الأميركية لاختراق فنزويلا، أوائل أيار الماضي، وصل الوقود الإيراني إلى كاراكاس من دون أن تنجح واشنطن في إيقاف شحنات النفط الإيرانية، ما مثّل كسراً علنياً للحصار الأميركي الخانق المفروض على الدولتين، أولاً، وكسراً لهيمنة الولايات المتحدة أمام العالم ثانياً. «في ظل هذه الحرب الهجينة التي تُخاض ضد فنزويلا على الصُعد كافة... فإنه لن يكون هناك استسلام للنيات الأميركية»، يقول السفير الفنزويلي لدى لبنان، خيسوس غريغوريو غونساليس في مقابلة مع «الأخبار». بالنسبة إلى الدبلوماسي الفنزويلي، ذهاب الناقلات الإيرانية علناً إلى كاراكاس، وعبر الطريق التي سلكتها، برهان «لكل الدول المفروضة عليها عقوبات أميركية».

أتمّت ناقلات النفط الإيرانية مهمّتها، ووصلت إلى كاراكاس من دون مشاكل. كيف هو الواقع الاقتصادي الراهن في ظل أزمة النفط؟ هل هناك خطط للنهوض بالاقتصاد؟
- لا يمكن الإنكار أنّ فنزويلا تعاني من وضع اقتصادي صعب، نتيجة قرار واشنطن تجميد الأصول الفنزويلية في المصارف، في دول العالم كافة، وبالتالي باتت الحكومة البوليفارية تواجه صعوبات كبيرة في تسديد فواتيرها وتجارتها الخارجية، الأمر الذي ألقى بظلاله على الداخل الفنزويلي. لكن بطبيعة الحال لن نقف كحكومة مكتوفي الأيدي، ولدينا حلول. الرئيس السابق هوغو تشافيز، والرئيس الحالي نيكولاس مادورو، أسّسا علاقات وطيدة مع بعض الدول، ما يسمح لنا بتخطّي العقبات التي تضعها واشنطن ودول الاتحاد الأوروبي في طريقنا، مع الدول الصديقة، مثل روسيا والصين وإيران والهند وتركيا. وهنا أود أن أُوكّد أنّ الوضع الاقتصادي في البلاد ليس سيئاً بمقدار ما يُنشر في وسائل الإعلام الأميركية والغربية، التي غالباً ما لا تنطق بحقيقة ما يجري في كاراكاس، وتُضخّم الأمور السيئة.

كيف يمكن لفنزويلا التي تملك أعلى احتياط نفط في العالم أن تستورد نفط؟
- على مدى مئة سنة، كان كل نفط فنزويلا يذهب إلى الولايات المتحدة وأوروبا، وبالتالي كلّ قطاع النفط الفنزويلي متعلق بالولايات المتحدة لأنها هي من أسّستهُ (معدّات تكرير النفط، المصافي، الشركات الملتزمة). ومع مرور الأعوام، منعت واشنطن كاراكاس من شراء القطع اللازمة لإعادة تأهيل مصافي النفط في فنزويلا، كنوع من العقوبات على البلد. كذلك، هناك مشاكل مع الدول المحيطة، كالمكسيك التي لا نستطيع شراء قطع الغيار لإعادة تأهيل المصافي منها بسبب التهديد الأميركي المباشر بفرض عقوبات قاسية على الشركات المكسيكية.
بالإضافة إلى ذلك، إنّ إحدى أهم الشركات النفطية في الولايات المتحدة، وتدعى «CITGO»، كانت هي المسؤولة عن إمرار كل المواد اللازمة لعملية إنتاج النفط من واشنطن إلى كاراكاس، وتلبية حاجات المصافي. ولكن منذ سنة ونصف سنة تقريباً، استولت الولايات المتحدة عليها، ومنعت الشركة الفنزويلية من تزويدنا بحاجتنا، وبالتالي لم يعد لدينا أي مصدر لإنتاج النفط.

هل ستعتمد فنزويلا على استيراد النفط من إيران في الأشهر المقبلة، أم أنه سيكون هناك حلول أخرى للنقص في المادة؟
- في ظل أزمتنا النفطية، اعتمدنا على إيران التي أرسلت 1.5 مليون برميل بنزين (كل برميل 200 ليتر). لكنّ هذا الوقود سينفد في نهاية المطاف، الأمر الذي يوجب علينا التفتيش عن حلّ مستدام لإعادة إنتاج النفط في بلدنا وحلّ الأزمة جذرياً. لذلك، أرسلت إيران أيضاً قطع غيار لإعادة تأهيل مصافي النفط. وقبل وصول الناقلات بثلاثة أسابيع، حطّت 14 طائرة إيرانية في كاراكاس، حملت خبراء ومهندسين مختصّين لإصلاح مصافي النفط في فنزويلا. ولكن في الولايات المتحدة، بدأت الشائعات بأنّ هذه الطائرات تحمل إرهابيين وأسلحة إيرانية وعناصر من «حزب الله» اللبناني.
ثمّة علامة فارقة هنا، وهي أنّ معظم المصافي الموجودة في إيران هي أميركية الصنع وتشبه المصافي الفنزويلية، الأمر الذي يُعتبر في مصلحتنا. إذ إنّ الإيرانيين نجحوا في ابتكار طرقهم وأدواتهم الخاصة لإنتاج النفط في ظل العقوبات. ولأن الشحنات التي وصلتنا ستنفد في غضون أشهر، فسنكون خلال هذا الوقت قد أصلحنا بعضاً من مصافينا النفطية، لإعادة إنتاج النفط. هذه هي السياسة الجديدة التي ستعتمدها الحكومة الفنزويلية.

كيف تقرأون خطوة إيران نقل النفط إلى فنزويلا في ظل التهديدات الأميركية بضرب سفنها؟
- كانت فنزويلا قد أرسلت عام 2008 شحنات نفط إلى إيران لأنّها كانت تُعاني من المشاكل نفسها التي نُعانيها اليوم. أرسلت لنا الناقلات من مبدأ ردّ الجميل. النقطة الأساسية في هذه العملية، أننا وإيران تمكّنا من هزيمة الولايات المتحدة، التي لو استطاعت إيقاف السفن لكانت فعلت ذلك. أوصلنا الناقلات، وهذا كان تحدّياً بالنسبة إلينا. أطلق المسؤولون في واشنطن تهديدات كثيرة في هذا السياق، لكنهم لم يتصرّفوا لعلمهم بأنّ الرد الأيراني سيكون حاضراً وبالمثل، بعدما جرّبوا الإيرانيين مرات عدة، آخرها في خليج عُمان، وبعد اغتيال قائد «قوة القدس» في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني.
الطريق الذي سلكته السفن من إيران إلى فنزويلا كان مقصوداً، وتفسيره أنّ الولايات المتحدة ليس لديها الحق في منع دولتين مستقلتين من ممارسة التجارة الحرّة بينهما. وبهذه الخطوة، برهنا لكل الدول المفروضة عليها عقوبات أميركية أنها تستطيع إكمال التجارة في ما بينها، لأنّ ذلك لا ينتهك أي حق دولي. ومرّت السفن الإيرانية بمضيق باب المندب وقناة السويس ومضيق جبل طارق، رغم وجود إمكانية لسلوك طرق أقصر، لتقول إنّه لا يوجد ما تُخفيه أو ما تخسره.
لم يكن لدى الأميركيين سوى خيار أن تصل السفن إلى فنزويلا، وهذا الأمر كان مُكلفاً بالنسبة إليهم. بدت واشنطن كما لو أنّها لم تعد الدولة الوحيدة المسيطرة على العالم.
واشنطن لم تعد تملك القدرة على اجتياح فنزويلا كما فعلت سابقاً في دول كبنما ونيكاراغوا


هل ستعود السفن إلى إيران فارغة؟
- من المؤكد أن السفن الإيرانية لن تعود فارغة من فنزويلا، وبما أنّها سفن نفطية، فمن المرجح أن تحمل معها النفط الفنزويلي إلى إيران، الذي يُعدّ من النوع الثقيل على عكس النفط الإيراني «الخفيف». ومن المتعارف عليه، أنّه يتم مزج النوعين معاً لتجارة النفط في العالم. ومن الممكن أن نشهد في المستقبل شحنات إيرانية تحمل منتجات أخرى تصل إلى فنزويلا، وتقديري أن تكون شحنات طبية بسبب وجود اتفاقية بين البلدين في هذا الخصوص.

كثُر الحديث في الإعلام الأميركي والغربي أن فنزويلا دفعت مقابل هذه الشحنات من احتياط الذهب لديها، فهل هذا صحيح؟
- ليس صحيحاً أنّنا دفعنا ثمن النفط من الاحتياطي، ولكن لنسلّم جدلاً بأنّ فنزويلا دفعت إلى إيران ذهباً بقيمة 43 مليون دولار (سعر الشحنات الإيرانية) فأين المشكلة؟ فنزويلا تمتلك احتياطياً هائلاً من الذهب، وهي تنتج منه أطناناً كبيرة سنوياً، لدرجة لا تعود الـ 43 مليون دولار تُساوي شيئاً. في فنزويلا، نملك بنوكاً مشتركة مع حلفائنا كافة تُخوّلنا الدفع من خلالها. مثلاً، نتعامل مع الصين باليوان الصيني، ومع روسيا بالروبل الروسي، ومع إيران بالتومان الإيراني. لكن تُصرّ الولايات المتحدة والغرب على نظريتهم، لأنهم لا يعلمون كيف ندفع بعدما جمّدوا أصولنا حول العالم، ولا يجدون تفسيراً سوى الذهب.
في السنوات الخمس الأخيرة، اشترت روسيا والصين الكثير من منتجات الذهب العالمية، علماً بأن الصين هي أكثر دولة في العالم لديها مناجم وتنتج ذهباً، فيما روسيا بدّلت جزءاً من ديونها بالذهب. لذلك، تريد الولايات المتحدة والعالم الغربي أن يعرفوا أين هو ذهب العالم وليس فقط الفنزويلي، بعدما انحدرت اقتصاداتهم. الدولار واليورو عملتان غير مدعومتين، والذهب سيكون في المستقبل عملة بديلة منهما.

لماذا لم نشهد دعماً لفنزويلا، من الدول الحليفة كروسيا والصين والدول اليسارية اللاتينية، كالذي شهدناه من إيران؟
- بخصوص النفط، رأيناً دعماً روسياً واضحاً، لكن نحن وإيران نُعاني من المستوى نفسه تقريباً من العقوبات المفروضة علينا، وبالتالي ليس لدينا ما نخسره، ونتعاون لإيجاد الحل. كل العقوبات التي تهدّد بها واشنطن أصبحت مفروضة علينا. أما الشركات النفطية في الدول الحليفة فلديها ما تخسره إذا ساعدت فنزويلا، إذ ستُمنع من تجارة النفط في أنحاء العالم. في حين أن فنزويلا وإيران لديهما المشاكل نفسها.
لكنّنا استفدنا سابقاً من دعم الكثير من الحلفاء لنا. مثلاً، في ما يخص جائحة وباء «كوفيد 19»، اعتمدنا على روسيا والصين بشكل أساسي لمواجهة الفيروس، وذلك لأن «منظمة الصحة العالمية» والمنظمة «الأميركية للصحة»، تمتثلان للعقوبات الأميركية، وحسابات فنزويلا المصرفية لديها مجمّدة.

من المعروف أن فنزويلا تمدّ كوبا بالنفط الخام، فهل ستؤثر الأزمة الفنزويلية على ذلك؟
- كوبا لديها مصفاة نفط واحدة قادرة على تكرير النفط الذي نرسله إليها، وتُساعدها على سدّ حاجاتها الداخلية. مقابل ذلك، تُصدّر لنا كوبا الأدوية، وترسل إلينا البعثات الطبية، نظراً إلى تفوقّها في هذا المجال. تقريباً، يعمل حوالى 60 ألف طبيب كوبي في فنزويلا. كذلك، فإنّ كوبا لديها حلفاء مثل روسيا تساعدها في هذا السياق، وقد أرسلت لها نفطاً مراراً رغم بُعد المسافة بين البلدين.

في الفترة الأخيرة، ومنذ تصعيد إدارة ترامب ضد فنزويلا، كثُر الحديث عن احتمالية التدخل العسكري الأميركي أو إعادة تجربة «الكونترا» في نيكاراغوا في ثمانينيات القرن الماضي. برأيكم، هل ستلجأ واشنطن إلى هكذا خيارات؟
- لا تجرؤ الولايات المتحدة على شنّ حرب على فنزويلا، لعلمها أنّها لن تستطيع تحمّلها، فالمحاربون الأميركيون جبناء، ولا يستطيعون الصمود في وجه إرادة المقاتلين الفنزويليين، كما أنهم لا يستطيعون تحمّل قصف القوات الفنزويلية لطائراتهم مثلاً، إذ إننا نملك نظاماً دفاعياً روسياً ومعدات عسكرية روسية كان الرئيس تشافيز قد اشتراها. واشنطن لم تعد تملك القدرة على اجتياح فنزويلا كما فعلت سابقاً في دولٍ كبنما ونيكاراغوا. وهي تعلم أنّ حرباً كهذه لن تدوم يوماً أو يومين فقط لقلب النظام، وستُكلّفها الكثير داخل أميركا. وبالإضافة إلى الجيش الفنزويلي، نملك قوات شعبية تتشكّل من خمسة ملايين فنزويلي مستعدين للدفاع عن فنزويلا. الإمبراطورية الأميركية لم تعد حتى قادرة على السيطرة على البحر الكاريبي والمحيط الأطلسي.
منذ عهد الرئيس تشافيز إلى الآن، حاولات واشنطن كثيراً وبشتى الطرق إسقاط النظام في فنزويلا، لو أنها قادرة على اجتياح فنزويلا عسكرياً لفعلته منذ زمن. أحد القادة الفنزويليين يقول: فليأت الأميركيون إلى فنزويلا متى يريدون، فليحددوا التاريخ والساعة، ولكن ليعلموا أنّهم إما سيدفنون في فنزويلا، وإما سيعودون جُثثاً إلى بلادهم.

داخلياً، أين أصبحت المفاوضات بين المعارضة والحكومة الفنزويلية؟
- هناك مفاوضات سارية بين المعارضة المعتدلة والحكومة الفنزويلية، من الممكن أن تصل إلى نتيجة قبل الانتخابات النيابية في نهاية العام الجاري، فإحدى النقاط التي يتم التفاوض عليها الآن هي النظام الانتخابي، ما قد يسمح لهم بالحفاظ على مقاعدهم داخل المجلس النيابي.
المعارضة في فنزويلا مُقسّمة إلى ثلاثة أجزاء. جزء مع خوان غوايدو المدعوم أميركياً، وهو الجزء الأضعف لناحية ثقة الناس. وجزء ثانٍ هو المعارضة المعتدلة التي تسمّي نفسها «وطنية» وترفض التدخل الأميركي في فنزويلا، إلا أن هذا ليس صحيحاً، فقد راسل العديد منهم في السابق الولايات المتحدة وحاولوا إقناعها بترك غوايدو ودعمهم. أما الجزء الثالث، فهو ليس مع غوايدو ولا مع «المعتدلة»، ولا يهمه ما يحدث إلا رحيل الرئيس نيكولاس مادورو عن الحكم.
رغم ذلك، ليس لدى المعارضة أي فرصة للنجاح في الانتخابات لعدم امتلاكهم الدعم الشعبي الكافي. القصة لا تتعلّق بشخص الرئيس مادورو، إنّما خطّ الثورة البوليفارية. أما بالنسبة إلى غوايدو، فكلنا نعرف أنه ورقة أميركية، وأن واشنطن لا تثق به. فرغم أنّها أعطته الأصول الفنزويلية المجمّدة لديها ومنها شركة «CITGO»، إلا أنها لا تسمح له بحرية التصرف في هذه الأموال، هي تأمره بماذا يجب أن يفعل فقط. في الوقت المناسب، سنلقي القبض على غوايدو... هذا الوقت أصبح قريباً جداً!

السفير الفنزويلي لدى لبنان