يرى جون بولتون أن «أميركا تأخّرت لإدراك الأخطاء الأساسية التي ارتكبت منذ عقود (حيال الصين). لقد أصبنا بأضرار كبيرة اقتصادية وسياسية لكن، ولحسن الحظ، لم تنته المباراة بعد. ومع انتشار الاقتناع بأن الصين لم تلتزم بقواعد اللعبة التي وضعناها نحن، وأنها لا تنوي ذلك أبداً، ما زلنا قادرين على الرد بالشكل المناسب. للقيام بذلك، من الضروري أن يفهم عدد كاف من الأميركيين طبيعة التحدي الصيني، وأن نبادر في التوقيت المناسب. إذا حصل ذلك، فعلينا ألا نقلق. فكما قال الأدميرال الياباني إيسوروكو ياماموتو، بعد بيرل هاربور: أخشى أن جلّ ما فعلناه هو إيقاظ العملاق النائم ومنحناه تصميماً رهيباً على الرد».يشاطر مستشار الأمن القومي السابق اعتقاداً واسع الانتشار في أوساط النخبة السياسية الأميركية بأن الصين نجحت في خداع الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين بأنها باتت شريكاً لهم، لأن «الرفاه الناجم عن اعتماد سياسات محكومة بمنطق السوق، والاستثمارات الخارجية الضخمة فيها، وارتباطها العميق مع السوق العالمي، وقبولها الإجمالي بالأعراف الاقتصادية العالمية، جميعها عوامل ستحولها إلى صاحب مصلحة مسؤول في الشؤون الدولية. وصلت هذه الفرضية إلى ذروتها مع إدخال الصين إلى منظمة التجارة العالمية سنة 2001».
عكس خطاب ترامب، خلال حملته الانتخابية وبعد توليه الرئاسة، موقفاً فائق التشدد تجاه الصين، لكن تعامله الفعلي مع رئيسها شي جين بينغ، بحسب جون بولتون، والعروض والاقتراحات التي قدّمها له، أظهرت مرونة مفرطة، محكومة أوّلاً بحساباته الانتخابية. قد يكون هذا الاتهام، أي طغيان الحسابات الانتخابية لديه قبل أي اعتبار آخر، كالمصالح الاستراتيجية لبلاده، بين أبرز الاتهامات التي يوجّهها بولتون لترامب في كتابه. هي دفعته إلى إبداء «تفهّمه» للحجج التي قدّمها إليه الرئيس الصيني شي جين بينغ، خلال قمّة أوساكا للدول العشرين في حزيران 2019، لتبرير قيام الصين ببناء معسكرات اعتقال جماعية للإيغور، إلى درجة تأكيده لنظيره الصيني أن «ما يفعله هو الأمر الذي ينبغي فعله». في مقابل هذا الموقف الودّي، شرح له الأهمية القصوى لشراء الصين المنتجات الزراعية الأميركية لزيادة فرص إعادة انتخابه، خاصة أن المزارعين يشكّلون قسماً وازناً من قاعدته الانتخابية.
يقول بولتون إن «ترامب أجرى مكالمة هاتفية مع شي جين بينغ في 18 حزيران، قبل انعقاد قمة أوساكا، حيث من المقرّر أن يلتقيا. بدأ ترامب بالتأكيد أنه مشتاق لشي، وأضاف بعدها أن بين أكثر المسائل شعبية التي يجد نفسه معنياً بها هي التوصل إلى اتفاق تجاري مع الصين، ستكون له قيمة مضافة كبرى على المستوى السياسي. اتفق الرئيسان على أن فريقيهما الاقتصاديين يستطيعان متابعة الاجتماع. وفي بداية انعقاد القمة، خلال الفوضى الإعلامية المعتادة التي تسود مثل هذه المناسبات، أعلن ترامب أنه والرئيس الصيني أصبحا صديقين وأن زيارته مع عائلته لبكين كانت بين الأروع في حياته. ومع خروج وسائل الإعلام، اعتبر شي جين بينغ أن العلاقات الثنائية بين البلدين هي الأهم في العالم. ورأى أن بعض الرموز السياسية التي لم يسمّها في الولايات المتحدة تأخذ بخيارات خاطئة عند دعوتها إلى حرب باردة جديدة بين الصين والولايات المتحدة. لا أعرف إن كان شي يشير إلى الديمقراطيين أو إلى بعضنا الجالسين من الجانب الأميركي للطاولة، لكن ترامب جزم بأنه يقصد الديمقراطيين، ووافق على أن هناك عداءً شديداً في أوساطهم للصين. ومن ثم، وبشكل مفاجئ، انتقل إلى الحديث عن الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، ملمّحاً إلى قدرة الصين الاقتصادية على التأثير في الحملات الجارية، وطالباً من شي مساعدته على الفوز. وهو ركّز على أهمية المزارعين، وزيادة مشتريات الصين من الصويا والطحين، مع ما يترتب عليها من نتائج انتخابية».
يكشف بولتون أيضاً أن ترامب عرض تخفيف العقوبات على شركة «زد. تي. اي» الصينية للاتصالات التي كانت قد اعترفت بانتهاكها العقوبات على إيران وكوريا الشمالية لتوطيد صلته بنظيره الصيني. وللتنبيه إلى إعجاب ترامب بـ«الأنظمة السلطوية»، يذكر بولتون أن الرئيس الصيني لاحظ، خلال قمة الدول الـ20 في بيونس آيرس في كانون الأول/ديسمبر 2018، أن هناك انتخابات كثيرة في أميركا، وأنه لا يفضّل التعامل مع شخص غير ترامب، فهزّ الأخير رأسه موافقاً. وهو أخبر نظيره بأن الأميركيين يسألونه تغيير الدستور، على غرار ما تمّ في الصين، ليستطيع البقاء في موقعه لأكثر من ولايتين رئاسيتين.