مع اقتراب مطلع الشهر المقبل، يتفاوت التقدير حول السيناريو الذي سيتحقّق: الشروع في ضمّ العدوّ الإسرائيلي 30% من الضفة المحتلة طبقاً لـ«صفقة القرن»، أو الامتناع عن أي خطوة، وما بينهما سيناريوات تندرج في الوسط، وكلها تتمحور حول مساحة الضم ومناطقه: الأغوار، أو الكتل الاستيطانية الكبرى، أو مستوطنات خارجهما، مع الإشارة إلى أن ضم مساحات أكبر مما هو مقرر في «الصفقة» يبقى قائماً نظرياً، كونه مطلب اليمين المتطرف، لكنه لا يملك حظوظاً حالياً. ينطلق اليمين المتطرف في موقفه المعارض من أن «خطة ترامب» تتضمن اسماً لدولة فلسطينية، رغم أنها ستكون سلطة حكم ذاتي موسعة، وفي إطار الدور الوظيفي الذي تحدده المصالح الإسرائيلية. إذاً، لا خلاف على مبدأ الضم، لا في تل أبيب ولا في واشنطن، لكن يدور التجاذب حول توقيته وحجمه وسياقات تنفيذه وطريقة إخراجه: هل يكون ضمن سلة متكاملة تتضمن مفاوضات شاملة، وإلى أيّ حد سيؤخذ بالحسبان مخاوف الأردن والسلطة الفلسطينية؟ أم ستقرّ استراتيجية فرض الوقائع تدريجياً، على أن يضع ذلك السلطة أمام خيارين: الجلوس على طاولة المفاوضات انطلاقاً من التسليم بالوقائع المستجدة، أو الرفض ليكون هذا ذريعة لتوسيع نطاق الضم مع تحميل المسؤولية لرام الله بتهمة تفويت فرصة التوصل إلى حل دائم، كما هي الاستراتيجية الإسرائيلية الأكثر ملاءمة لمنطق المساومة على الحقوق.
لا تزال السيناريوات تتراوح بين ضمّ كلّي وفوري أو تأجيل كامل

المستجد الذي أربك رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، هو اشتراط البيت الأبيض الإجماع الإسرائيلي، فاستعاد رئيس الحكومة البديل، بيني غانتس، حق الفيتو الذي سلبه إياه نتنياهو خلال الاتفاق الائتلافي، ما وفر له هامشاً مهماً من الندية. اللافت أن كبار المعلقين في كيان العدو مترددون في حسم تقديرهم إزاء السيناريو المرجح، ويعود ذلك إلى سرعة المستجدات الداخلية والأميركية، وتداخلها مع عوامل اقتصادية وصحية وسياسية. وفي مواجهة هذا الواقع المركّب، ينتهج نتنياهو تكتيك التلويح بالانتخابات للضغط على غانتس، فإن نجح الأول في تمرير ضمّ، ولو جزئي، يكون قد أسَّس لمسار يُعزِّز به موقعه مع أنه سيتعرض لانتقادات من اليمين المتطرف. وإن نفذ وعيده بانتخابات مبكرة على خلفية الموقف من الضم، يكون قد حدَّد عنوان الانتخابات ومحور التنافس فيها، على أمل أن ينجح بذلك في التفاف جمهور اليمين حوله لتحقيق ما يطمح إليه في الضفة. ووفق استطلاعات الرأي الحالية، يحرز «الليكود» ومعسكر اليمين الحليف له تقدماً ملحوظاً يمنحه تشكيل حكومة يمينية من حلفائه التقليديين، ما سيمنحه فرصاً إضافية على المستوى الشخصي والسياسي. وبطبيعة الحال، الذهاب إلى انتخابات مبكرة يعني أن تنفيذ الضم سيتأخر.
رغم ما سبق، يبقى سيناريو التأجيل حاضراً، وهو ما تناولته صحيفة «معاريف» التي لفتت إلى الخلافات داخل الحكومة، والأمر ينسحب على إدارة ترامب. كما رأت الصحيفة أن الضم سيؤجل ولن يبدأ بحلول الشهر المقبل مثلما تعهد نتنياهو. في هذه الأجواء الملبدة بالتقديرات والسيناريوات المفتوحة، نقلت تقارير إعلامية إسرائيلية عن مساعد وزير الخارجية الأميركي، ديفيد شينكر، أن إسرائيل «ستأخذ بالاعتبار تحذيرات مسؤولين عرب من تنفيذ ضم واسع»، وأن هذه التحذيرات تشكل جزءاً من الاعتبارات الإسرائيلية. بلحاظ العبارات المنتقاة في كلام شينكر، من الواضح أن السيناريو الذي يلمّح إليه هو الضم الجزئي الهادف إلى تلبية مطلب نتنياهو، بالاستناد إلى اقتناع بأن حلفاء واشنطن في المنطقة سيعملون على تحويل ذلك إلى إنجاز لهم، كما هو نهجهم في العقود الماضية. ويرتكز هذا الخيار على اقتناع في واشنطن وتل أبيب بأن عرب المساومة انتهجوا على الدوام سياسة شرعنة الوقائع التي يفرضها الاحتلال، والانطلاق منها كمسلّمات تحت شعار الواقعية السياسية. مع ذلك، تبقى الكلمة الفصل للشعب الفلسطيني الذي أعربت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية عن تخوفها من ردة فعله، وحذَّرت من أن يشكل الضم شرارة لاشتعال الضفة الآن أو في مرحلة لاحقة، ما يؤدي إلى تغيير المشهد الداخلي والإقليمي.