تُصوّر بعض دوائر الحكم والنخب الإثيوبية آبي أحمد قائداً لـ«النزعة الإثيوبيانية» (Ethiopianism) الحالية، التي تستند إلى تراث قوامه النضال السياسي والديني المشترك لجميع الأفارقة، وهو الأمر الذي عزّزته مواقفه «القوية» في عرض القضايا الأفريقية بجرأة كبيرة في المحافل الدولية، وانتقاؤه لتمثيل القارة الأفريقية في هذه المحافل مع تهميش بعض القادة المهمّين أو حتى رؤساء الاتحاد الأفريقي، كما تم في «تيكاد 7» باليابان في أغسطس 2019. وربما ليس آخرها مطالبته دول العالم المتقدّم في قمّة «G20» بتقديم دعم سخي للدول الأفريقية لمواجهة جائحة «كوفيد-19» وصل في تقديره إلى 150 بليون دولار، الأمر الذي حظي بردود فعل إعلامية صاخبة عزّزت صورة آبي أحمد كقائد أفريقي شاب قادر على معالجة جميع الأزمات بحنكة وخبرة لافتة.
لا يختلف عن أغلب القادة الأفارقة من جهة القفز فوق المشكلات وتأجيلها
وبالفعل، فقد نجح آبي أحمد فيما يصفه مراقبون بتصفير مشكلات بلاده الإقليمية، ولا سيما مع إريتريا، وإحكام نفوذ أديس أبابا في المرحلة الانتقالية التي يمر بها السودان حالياً، واحتواء الصومال وحكومته الفيدرالية. كما نجح آبي أحمد، حتى اللحظة، في مراوغة دولة كبيرة مثل مصر في ملف سد النهضة، وتهديد مكانتها الإقليمية بشكل كبير حال مضيّه قدماً في ملء السد دون أي اتفاقات ملزمة أو حاكمة لقواعد ملء السد وتشغيله مع مصر (والسودان)، وكذلك في استمرار توظيف «الهيئة الحكومية للتنمية ــــ إيجاد» كأداة نافذة لخدمة سياسات إثيوبيا الخارجية إقليمياً، وخفوت اسم رئيسها الحالي عبد الله حمدوك (رئيس وزراء السودان)، الذي مثّل توليه خروجاً على قاعدة تولي إثيوبي رئاسة الهيئة.
لكن، يظل آبي أحمد ناجحاً بشكل أكبر في القفز فوق المشكلات الحقيقية، كما في الأزمة السياسية والاجتماعية الطاحنة التي تضرب أقاليم جمهورية إثيوبيا الفيدرالية، وتأجيل الانتخابات بشكل متكرر وبحجج مختلفة ودون وضع جدول زمني محدد هذه المرة عقب التأجيل الأخير بسبب جائحة «كوفيد-19». كما تتجدد التوترات الحدودية مع السودان بسبب عدم ضبط سيطرة الحكومة الفيدرالية على الميليشيات والقوات المسلحة بإقليم الأمهرا المجاور للسودان، وهشاشة عملية تطبيق اتفاق السلام مع إريتريا ومخرجاته، والتوتر المكتوم في العلاقات مع جيبوتي. ويواجه آبي أحمد مشكلة تعطّل مشروع المصالحة الوطنية على خلفية تصعيد أزمات خارجية كما في ملف «النهضة» مع القاهرة. بينما تؤكد المعارضة الإثيوبية، التي تفسح فضاءات أكبر أمام منافس آبي أحمد اللدود وحليفه السابق جوار محمد، أن الأوّل يستغل جائحة «كوفيد ــ19» لإحكام سلطته، فيما يتجاوز المواعيد التي يحددها الدستور الإثيوبي. ويتخوف المحلل البارز في الشأن الإثيوبي لودجر تشادومسكي من أنّ تعمّق التوتر الإثني في إثيوبيا في الوقت الحالي، والتهديد بمقاطعة الانتخابات المزمعة في عام 2021، وتفشّي أنشطة الميليشيات قد يؤدي في النهاية، وعلى نحو متسارع، إلى وقوع البلاد في فخ العنف مجدداً.
واقعياً، فإن إثيوبيا تواجه، في ظل قيادة آبي أحمد، تحديات حقيقية في ظل الأزمة الاقتصادية التي بدأت تضربها بقوة، ولا سيما في قطاع النقل الجوي (قدّرت الخسائر في الفترة كانون الثاني/ يناير - نيسان/ أبريل 2020 بأكثر من 550 مليون دولار، أو أكثر من ثلث العائدات التي يحققها القطاع سنوياً). كما أن الصراعات الإقليمية التي تم «تصفيرها» مرشّحة لتصدّر المشهد من جديد من بوابة إريتريا في ضوء دلائل على ذلك في الخلاف الإريتري مع الإمارات باستبعاد القيادة الإريترية تقديم قاعدة عسكرية لأبو ظبي، حليفة إثيوبيا الإقليمية في ملفات القرن الأفريقي كافة، والتي تبنت ــــ بدورها ــــ موقفاً متخاذلاً إزاء مصر في ملف سد النهضة أصاب مراقبين في القاهرة بالذهول التام، وإن اتسمت ردود فعلهم بعدم القدرة على انتقاده إلا مبطناً.
وبالتأكيد فإن آبي أحمد واحد من أبرز القادة الأفارقة وأكثرهم دينامية، غير أنه لا يختلف، عند التحليل الدقيق لمخرجات سياساته، عن أغلب هؤلاء القادة من جهة القفز فوق المشكلات الداخلية وتأجيلها، والاستعاضة بمواجهات خارجية لتعبئة المواطنين خلف أجنداتهم، وعدم تقديم اقترابات حقيقية لمشكلات التنمية والإصلاح السياسي، وتجاهل تبني خطاب سياسي خارجي معتدل وواقعي، ربما لا يقود في النهاية إلا إلى مسار وحيد يبدو حقيقياً حتى الآن: إعادة إنتاج نظام «الجبهة الثورية» تحت مظلة حزب «الرخاء» الذي أعلن عنه آبي أحمد بعد فوزه بجائزة «نوبل للسلام» في أكتوبر 2019، في توقيت لا يخلو من دلالة على الجانب الدعائي لشخصية آبي أحمد، وفروسيته المنقوصة في واقع الأمر.