يكاد يُجمع معظم المحلّلين العسكريين الإسرائيليين على أن الانفجارات التي هزّت إيران في الأيام الماضية، والتي استهدف بعضها البرنامجين النووي والصاروخي، لن تمنع طهران من الوصول إلى هدفها، بل يرون أن ما يمكن لهذه الضربات هو التأخير فقط، فمنفذو هذه العمليات يدركون أنهم لن يستطيعوا إيقاف تخصيب اليورانيوم، بل لا يملكون القدرة على ذلك لأن إيران تمتلك آلاف أجهزة الطرد من الجيل الأول التي يمكنها الوصول إلى المستوى المطلوب. لذلك، ما يسعون إليه هو زيادة الضغط على «النظام»، وخاصة في ظل الأزمة الاقتصادية والانشغال في مواجهة جائحة كورونا، وأيضاً محاولة منعها من دعم محور المقاومة الممتدّ من العراق، وصولاً إلى غزة... حتى فنزويلا.يقول المحلل العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت» أليكس فيشمان، إن منفذي التفجيرات يرون أن هناك «نافذة فرص فتحت، وإيران في أزمة، وهذا هو الوقت لضربها حيثما يمكن... لهدم المعنويات، وكشف هشاشة الحكم أمام السكان، وخلق عبء اقتصادي على النظام». في رأيه، إنْ كانت إيران في «أزمة هائلة، فهذه فرصة لمحاولة ضعضعة النظام، وتشجيع المعارضين من الداخل، وإلزامه (النظام) باستثمار المال في الدفاع وإعادة بناء البنى التحتية على حساب مشاريع عسكرية». ويرى فيشمان أن هذه النافذة ستبقى مفتوحة حتى تشرين الثاني/ نوفمبر، «الموعد الذي تتجه إليه صلوات آيات الله برحيل (الرئيس الأميركي دونالد) ترامب. ثمة من يعتقد أنه حتى ذلك الحين سيمتنع الإيرانيون عن مواجهة مكشوفة وشاملة مع الشيطان الكبير والصغير»، في إشارة إلى واشنطن وتل أبيب. كما ربط المحلل العسكري بين التفجيرات بقوله إن القاسم المشترك لسلسلة الأهداف أنها بنى تحتية قومية، واثنان منها للمشروع النووي: مختبر لتطوير أجهزة طرد مركزي من نوع متطور في نطنز، ومنشأة لإنتاج الصواريخ الباليستية في بارشين. لكن فيشمان، المعروف بقربه من المؤسسة العسكرية، أكد أن «المهاجم يعرف أن الهجوم لن يوقف المشروع النووي... الضرر الذي لحق بمختبر تطوير أجهزة الطرد يمكنه أن يؤخر قليلاً الوصول إلى هذه الدرجة، إذ بحوزة إيران آلاف أجهزة الطرد القديمة التي تعرف كيف تقوم بالعمل».
يدرك منفّذو هذه العمليّات أنّهم لن يستطيعوا إيقاف تخصيب اليورانيوم


من الذي نفذ؟ طوال الأيام الماضية تلمح وسائل إعلام العدو إلى مسؤولية إسرائيل، بل تحدثت بعض القيادات العسكرية إلى الإعلام عن تفاصيل الهجوم وأنه نُفذ بتفجير عبوة زرعت داخل منشأة نطنز، علماً بأن هذا التصريح صدر قبل أي كشف إيراني عن الموضوع. كما تولت صحيفة «نيويورك تايمز» نشر تفاصيل الهجوم نقلاً عن مصدر استخباري شرق أوسطي، وهي الصفة التي تعطى لضباط العدو عندما يتحدثون إلى وسائل أجنبية بسبب منع الرقابة الإسرائيلية. وقالت الصحيفة الأميركية إن ما جرى في نطنز هو هجوم هدفه «منع إيران من امتلاك القنبلة النووية»، ثم نشرت منذ أيام مقالة شارك في إعدادها الصحافي الإسرائيلي رونين بيرغمان (معروف بقربه من رؤساء جهاز «الموساد» من مائير داغان، وصولاً إلى يوسي كوهين)، وفيها أن تل أبيب هي المسؤولة عن زرع هذه العبوة التي حدد نوعها بأنها شديدة الانفجار. ولاحقاً تبيّن أن مصدر الصحيفة هو كوهين الذي اتهمه وزير الأمن الأسبق أفيغدور ليبرمان بصورة غير مباشرة بتسريب المعلومات، قائلاً خلال مقابلة مع «إذاعة الجيش»، إن «القيادة الأمنية بأكملها في البلاد تعرف من هو»، مطالباً رئيس الوزراء بـ«غلق فم المسرب».
في غضون ذلك، قال الرئيس السابق لفرع الأبحاث حول إيران في شعبة الاستخبارات العسكرية والباحث حالياً في «مركز القدس للشؤون العامة»، ميكي سيغال، إن إيران توجه أصابع الاتهام إلى الولايات المتحدة وإسرائيل، لكنها ربما تفكر في الوقت المتبقي حتى انتهاء ولاية ترامب، ولذلك لن تتخذ إجراءً من شأنه أن يؤدي إلى رد إسرائيلي ــ أميركي قوي. ونقلت القناة السابعة عن سيغال، أن «إيران يمكنها تفعيل أذرعها في العراق وسوريا ولبنان واليمن لضرب المصالح الإسرائيلية والأميركية، لكن الأزمة الاقتصادية المستمرة في إيران ولبنان بدأت تؤثر في قطع الشطرنج الإيرانية هذه أيضاً».
لكن برغم فرضية عدم الرد، وهي مرفوضة مع قول قيادات إيرانية إن الرد حتمي في حال ثبت تورط جهات أجنبية في التفجيرات، رفع العدو الإسرائيلي، وفق القناة الـ13، استعداده شمال فلسطين المحتلة، بعد ورود معلومات عن نية طهران الثأر.