يسعى العديد من رؤساء بلديات المدن الكبرى في الولايات المتحدة إلى إعادة فرض العزل لمنع موجة إصابات جديدة بجائحة «كورونا»، لكنّ الخلافات السياسية بين المؤسّسات المختلفة في البلاد تمنع الوصول إلى موقف موحّد ومنسّق في هذا الصدد. وفيما أعيد فرض العزل، في خلال الأيام الأخيرة، في ملبورن الأسترالية وليريدا الإسبانية والعاصمة الفيليبينية مانيلا ومدينة طنجة المغربية، لا يزال اتخاذ تدابير مماثلة في أكثر بلد متضرّر في العالم من الوباء أمراً نادراً، رغم أنّ العدوى تواصل الارتفاع في الولايات المتحدة، منذ حزيران/يونيو.الخلافات الأميركية تأتي في وقت حذّرت فيه منظمة الصحة العالمية، أمس، من أنّ العالم لن يستعيد «ما كان عليه من وضع طبيعي في المستقبل المنظور». وصرّح المدير العام للمنظمة تيدروس أدانوم غبريسوس للصحافيين بأنّ «عدداً كبيراً من الدول يسلك الاتجاه الخاطئ»، مضيفاً أنّ «الرسائل المتناقضة للمسؤولين تقوّض العنصر الأكثر حيوية في أي رد: الثقة»، من دون أن يشير إلى أسماء محدّدة.
إلّا أنّ كلام كلام غبريسوس قد ينطبق على الولايات المتحدة، حيث تعتمد إدارة الرئيس دونالد ترامب، على المستوى الاتحادي، عدم فرض أي قيود، لكنّها تشجع على إجراء الفحوص ووضع الكمامات وإغلاق الحانات. وفي هذا الإطار، صرّح كبير خبراء الأمراض المعدية الأميركيين أنتوني فاوتشي، أمس، بأنّ الزيادة الكبيرة الحالية في حالات الإصابة بفيروس «كورونا» ترجع إلى أنّ الولايات المتحدة لم تطبّق العزل العام كاملاً للقضاء على تفشي المرض.
وقد تزامن ذلك مع تصريح حاكم ولاية نيويورك، أندرو كومو، بأنّه يتعيّن على ترامب إصدار أمر تنفيذي يلزم الناس بوضع كمامات في الأماكن العامة، كما يجب عليه «أن يكون قدوة» بأن يضع هو نفسه كمامة. وانتقد كومو، في إفادة صحافية، طريقة تعامل الحكومة الاتحادية مع جائحة «كورونا»، قائلاً إنّ البيت الأبيض ظلّ في حالة إنكار في بداية تلك الأزمة الصحية العامة، وإنه لم يفعل ما يكفي لمعالجة زيادة حالات الإصابة بمرض «كوفيد ـــــ 19» في العديد من الولايات الأميركية، والتي ظهرت خلال الأسابيع القليلة الماضية. من جهة أخرى، أعلن كومو أنّ الولاية ستسمح بإعادة فتح المدارس، إذا كانت المناطق التي توجد فيها في المرحلة الأخيرة من إنهاء العمل بقيود العزل العام، وإذا كان في المنطقة معدّل إصابة يومياً أقل من خمسة في المئة من جميع فحوص فيروس «كورونا». وأضاف: «لن نستخدم أطفالنا حقول تجارب»، منتقداً ترامب بشدّة لما وصفه بأنه ضغط أعمى لإعادة فتح المدارس، من دون تقيّد صارم بالتوجيهات الإرشادية الصحية.
في هذه الأثناء، دعا مسؤولون في هيوستن، أكبر مدن تكساس، التي يساوي عدد سكانها تقريباً عدد سكان ملبورن (4,7 ملايين نسمة)، إلى فرض العزل من جديد بعد رصد 1600 إصابة جديدة خلال 24 ساعة. إلّا أنّ حاكم تكساس الجمهوري غريغ أبوت، لم يستسلم أمام هذا الضغط، على الأقل حتى الآن. وقال لقناة تلفزيونية محلية بشأن قراره فرض وضع كمامات في الأماكن العامة، رغم مقاومته تطبيق هذا الإجراء لوقت طويل: «كانت تلك فرصتنا الفضلى الأخيرة لإبطاء تفشي وباء كوفيد ــــــ 19»، مضيفاً أنّ «الخطوة التالية ستكون العزل».
كذلك، سجّلت ولاية فلوريدا أكثر من 15 ألف إصابة جديدة، أوّل من أمس، وهو رقم غير مسبوق، كما بدأ عدد الوفيات أيضاً بالارتفاع. وأمر رئيس حكومة الولاية الجمهوري رون دي سانتيس حتى الآن بإعادة إغلاق الحانات، لكنّه رفض جعل وضع الكمامة إلزامياً، أو فرض قيود إغلاق جديدة، تاركاً الأمر في عهدة مسؤولي المدن والبلدات. وفي ميامي، ارتفع عدد مرضى العناية المركزة سبعة أضعاف عمّا كان عليه في آذار/مارس ونيسان/أبريل، وفق رئيس بلديتها فرانسيس سواريز. وفي مقاطعة ميامي داد (2,7 مليون نسمة)، جاءت نتائج ثلث فحوص «كورونا» التي أجريت إيجابية، وفق رئيسها الجمهوري، الذي أعاد فرض إغلاق النوادي الرياضية والمطاعم الداخلية.
(رويترز، أ ف ب)