مجموعة من الهجمات العنيفة، وبينها تفجيرات وحرائق، وقعت في إيران، بوتيرة وكثافة، ما يدفع لاستبعاد كونها مجرد حوادث. هي جزء من جهد منظّم. الحذر ضروري جداً عند توجيه الاتهام حول المسؤولية عن مثل هذه الأعمال التي لم يتبنَها أحد، وخاصة بالنسبة إلى أمثالنا المتواجدين خارج الدوائر الرسمية، والذي يُحتمل أن يمتلكوا معلومات أدقّ عما يجري. غير أن الشبهات تحوم بقوة، كما تظهر الملابسات التي عكستها بعض تقارير وسائل الإعلام السائدة، حول طرفين: حكومة نتنياهو في إسرائيل وإدارة ترامب في الولايات المتحدة.لدى كل من هذين الطرفين سجل يعزز الشبهات. أبرز الأعمال الواردة فيه بالنسبة إلى إدارة ترامب هو اغتيالها لقاسم سليماني، أحد أهم الرموز السياسيين والعسكريين في إيران. السجل الإسرائيلي للعمليات العدوانية ضد هذا البلد يتضمن سلسلة اغتيالات لعلماء نوويّين إيرانيين. هذه الجرائم كانت جزءاً من حملة اغتيالات إسرائيلية ممتدّة زمنياً في أنحاء الشرق الأوسط. والحملة بدورها تندرج في إطار أوسع من السياسة العدوانية في المنطقة، وبينها، في خلال السنوات الأخيرة، عدد كبير جداً من الغارات الجوية في سوريا.
لم تعلن الحكومة الإسرائيلية ولا إدارة ترامب رسمياً الحرب على إيران، لكن خطاب كل منهما حيالها يقف على حافة مثل هذا الإعلان. جاهرت إدارة ترامب بنيّتها إيلام إيران إلى أبعد الدرجات، عبر أدوات كالعقوبات الاقتصادية وغيرها. لهجة نتنياهو النارية تجاه إيران كانت تساوي في حدتها تلك الأميركية. لكن علينا ألا نخطئ في تقدير ما يجري. لسنا أمام مجموعة من عمليات ما دون الحرب، كما يوصفها البعض. إنها الحرب. علينا بكل تأكيد أن نقلق بأن يتطور الصراع إلى مستوى يحدو بالجميع إلى اعتباره حرباً. وفي هذا السياق، ينبغي عدم الانخداع باستخفاف النظام الإيراني بالهجمات وامتناعه حتى الآن عن الرد. يستطيع الإيرانيون قراءة استطلاعات الرأي الأميركية والتوجه الرئيس بينهم هو التحمّل حتى حصول تغيير الإدارة في واشنطن. القادة الإيرانيون يريدون تجنب التورط في مواجهة مفاجئة تفضي إلى تعبئة وطنية في أميركا قد تنقذ دونالد ترامب، مع إدراكهم أن عدم الرد يظهرهم بمظهر الضعفاء.
مشروع إيران النووي كان في مركز الاهتمام في السنوات الماضية وإحدى أبرز الهجمات التي حظيت بتغطية إعلامية هي تلك التي استهدفت منشأة نطنز النووية. لقد سمح الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني، الذي فرض قيوداً مشدّدة عليه، بجعل إمكانية إنتاج سلاح نووي إيراني بعيدة المنال أكثر من مجمل ما قامت به إدارة ترامب بعد انسحابها من هذا الاتفاق، والذي أدى إلى تسريع إيران لنشاطها النووي. وكما لاحظ مارك فيتزباتريك، الباحث في «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية»، فإن الاتفاق المشار إليه أدّى وظيفة أفضل من الهجمات الشبيهة بتلك التي تمّت ضد منشأة نطنز.
إضافة إلى ذلك، فإن الهجمات لم تردع إيران عن القيام بأعمال عدائية. الردع يفترض المشروطية: العقاب يتم بعد سلوك سيّئ حصراً. لكنّ الحكومتين الأميركية والإسرائيلية مصمّمتان على معاقبة إيران مهما فعلت، وهو ما قامت به إدارة ترامب عندما انسحبت من الاتفاق النووي وأطلقت حملة «الضغوط القصوى» بينما كانت إيران تلتزم بجميع بنود هذا الاتفاق. في الواقع، فإن إيران تدفع للرد وليس للسلوك الجيّد. الرد المحتمل، على الرغم من امتناع إيران عن ذلك حتى اللحظة، هو أحد المخاطر الناجمة عن الحرب غير المعلنة الحالية. تدحرجها نحو حرب مفتوحة وأشد تدميراً هو كذلك بين المخاطر. لا يوجد أي حصيلة إيجابية لهذه الهجمات إذا كانت غايتها إضعاف إيران أو تغيير ميزان القوى الإقليمي لمصلحة الولايات المتحدة. على العكس من ذلك، هي تشكّل حافزاً إضافياً لإيران للبحث عن الدعم عند أمثال روسيا والصين وتزيد نفوذهما في المنطقة نتيجة لذلك.

أهداف إسرائيلية
تواطؤ إدارة ترامب مع الهجمات الإسرائيلية ضد إيران، أو غضّ النظر عنها، هو خبر سيّئ بالنسبة إلى المصالح الأميركية. المصالح الأميركية مختلفة عن تلك الإسرائيلية، وخاصة مصالح الحكومة الراهنة. لهذه الحكومة مصلحة في استمرار توتر متصاعد مع إيران لتبقى متهمة بجميع الشرور في الشرق الأوسط، ولقطع الطريق على تقارب ما بين واشنطن وطهران، ولتعزيز علاقات إسرائيل بدول الخليج، ولحرف الأنظار عن القضايا التي تثير نقداً دولياً متزايداً لسياسات إسرائيل. وخلال الفترة الحالية، فإن توقيت الهجمات المتتالية وثيق الارتباط بحسابات نتنياهو. فهو قد يسعى لتوظيف الصراع مع إيران كوسيلة للتعمية على مشروعه لضم أجزاء من الضفة الغربية، والإدانة الدولية التي ستنتج عنه.
نتنياهو، تماماً كالإيرانيين، مدرك للأجندة الانتخابية الأميركية ولاستطلاعات الرأي. هو قد يعتبر أن الأشهر القليلة المقبلة هي نافذة الفرص الباقية، طالما أن صديقه ترامب في السلطة، التي تستطيع إسرائيل الإفادة منها لتحريك الأوضاع في الإقليم، وخاصة إذا خدم هذا الأمر المصالح الانتخابية للصديق المذكور.
من المستبعد أن يخشى نتنياهو بأن تتدحرج الأوضاع نحو حرب أوسع، وهو ما قد يخدم أهدافه بطريقة أكثر دراماتيكية. قد يكون استفزاز إيران لرد يشعل شرارة حرب كهذه بين أهداف الهجمات المشار إليها سابقاً. ولن يكون حساب الخسائر الأميركية الناتجة عنها شأن نتنياهو.

(ذا ناشيونال إنترست)
* بول بيلار، تقاعد سنة 2005 بعد 28 سنة من الخدمة في الأجهزة الأمنية الأميركية المختلفة، وبينها الاستخبارات المركزية ومجلس الاستخبارات الوطني. وهو كان قبل تقاعده ضابط الاستخبارات الوطني للشرق الأدنى وجنوب آسيا