خمسة أشهر، بالتمام، مرّت منذ توقيع «اتفاق إحلال السلام في أفغانستان» بين الولايات المتحدة وحركة «طالبان»، لتمهيد الطريق أمام اختتام أمّ الحروب الأميركية، وانسحاب قوات الاحتلال، تدريجياً، وفق جدول زمني محدّد بـ14 شهراً، يرتبط تنفيذه بمدى التقدّم المُحرز في المفاوضات السياسية الداخلية. خريطة طريق الانسحاب الأميركي، والتي فاوضت «طالبان» لعام ونصف عام لرسم خطوطها، باتت في مقام المستندات «التاريخية»، بعدما عرقلت حكومة كابول، على مدى الأشهر الماضية، تنفيذها، ساعيةً إلى تطيير المحادثات ومعها عملية السلام برمّتها، تارةً برفضها تطبيق بند تبادل الأسرى بينها وبين الحركة، وتارةً أخرى باشتراطها وقفاً دائماً لإطلاق النار، قبل الشروع في مفاوضات كان يُفترض أن تلتئم في العاشر من آذار/ مارس الماضي.انقضى الموعد المحدّد وسط سجالات سياسية زخّمها صراع الخصمَين اللدودَين، الرئيس أشرف غني ونائبه السابق عبد الله عبد الله، على السلطة في كابول، قبل توقيع الاتفاق الثاني لتقاسم السلطة بينهما برعاية واشنطن. مع ذلك، ظلّت المراوحة تطبع المشهد الأفغاني، حتى باتت البلاد تضرب مواعيد مع الأعياد، أملاً بهدنةٍ تحرِّك المياه الراكدة. بين هدنة عيد الفطر والعودة السريعة إلى ساحات القتال، والهدنة المرتقبة أيام عيد الأضحى الثلاثة بدءاً من يوم غدٍ الجمعة، لم يُحرَز أيّ تقدّم في العملية السياسية، سوى تبادل بطيء جداً للأسرى، وَضعت حكومة غني عراقيل كثيرة للحؤول دون تنفيذه، على رغم ضغوط الأميركيين المستعجلين الإعلان عن إغلاق الساحة الأفغانية، حتى يتسنّى للرئيس دونالد ترامب التحدّث طويلاً في الموضوع قبل الذهاب إلى انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
حال تطبيقها، ستكون هدنة الأيام الثلاثة ثالثَ وقفٍ رسمي لإطلاق النار، منذ غزو أفغانستان في عام 2001. هدنةٌ تأمل واشنطن معها عودة محادثات السلام التي تأجّلت طويلاً بين الحكومة الأفغانية وحركة «طالبان» إلى مسارها، ولا سيّما بعد إعلان غني احتمال انطلاقها في الأسبوع المقبل، متلقّفاً، هذه المرّة، إشارة الحركة، الأسبوع الماضي، إلى استعدادها للتفاوض بعد عطلة العيد. الولايات المتحدة، التي كانت تأمل منذ توقيع «اتفاق الدوحة» في نهاية شباط/ فبراير الماضي، إحداث خرقٍ على مستوى التعاون بين الحركة والحكومة، أبدت على لسان سفيرها في كابول، روس ويلسون، ترحيبها بالإعلان، داعيةً إلى «الإسراع» في إطلاق مفاوضات أفغانية - أفغانية.
اتّهم زعيم «طالبان» الأميركيين بتعريض عملية السلام في أفغانستان للخطر


عرضُ «طالبان» وقفاً لإطلاق النار جاء بعدما تحدّث الرئيس الأفغاني عن تحقيق تقدّم في عملية تبادل الأسرى التي عرقلت بدء المحادثات. صحوة غني المفاجئة لم تكن إلا نتيجة ضغوط الولايات المتحدة المتجدّدة، وإعلان وزارة الخارجية الأميركية، أخيراً، إيفاد المبعوث الخاص إلى أفغانستان، زلماي خليل زاد، إلى المنطقة، من أجل «الضغط في سبيل حلّ المسائل المتبقّية في المفاوضات الأفغانية الداخلية». وفي خطاب أدلى به، أول من أمس، قال غني إنه سعياً إلى «التعبير عن التزام الحكومة بالسلام، ستستكمل جمهورية أفغانستان الإسلامية قريباً إطلاق سراح 5000 سجين مِن طالبان»، محتجزين لدى سلطات كابول. وفيما لفت إلى أن الخطوة تهدف إلى «بدء المفاوضات المباشرة مع طالبان خلال نحو أسبوع»، فقد وضع الكرة «في ملعب» الحركة والمجتمع الدولي.
سبقت إعلانَ «طالبان» وقفاً لإطلاق النار، دعوةُ زعيمها، هيبة الله أخوند زاده، الولايات المتحدة، إلى احترام الاتّفاق الموقّع بينهما، واتهامُه الأميركيين بتعريض عملية السلام في أفغانستان للخطر. وفي رسالته لمناسبة عيد الأضحى، اعتبر أن «الهجمات بطائرات من دون طيار والتفجيرات والغارات والقصف المدفعي لأسباب لا مبرّر لها، لا تخدم مصلحة أحد ولا تساعد في كسب الحرب. بل على العكس، فإن هذه الأعمال تأتي بنتائج عكسية». فقوّات الاحتلال لا تزال تنفّذ ضربات جوية «دفاعاً» عن القوات الأفغانية، وهو ما جدّد الاتزام في شأنه قائد القوات الأميركية وقوات «حلف شمال الأطلسي» في أفغانستان، الجنرال سكوت ميللر، عبر مقطع فيديو نُشر عبر «تويتر»، أول من أمس. كذلك، دعا أخوند زاده واشنطن إلى «عدم وضع عقبات أمام إنهاء أطول حرب في التاريخ الأميركي عبر التصريحات غير المبرّرة والدعاية»، بعدما انتقد ميللر زيادة العنف. وعن حكومة كابول، قال إنها «تخوض صراعاً من أجل مصالح قصيرة الأجل ومن أجل السلطة»، متهماً إياها بعرقلة عملية السلام، ولا سيما من خلال إبطاء تبادل السجناء، الشرط المسبق لبدء أيّ محادثات.