مدة عقد ونصف مرّت على انطلاق سلسلة مناورات «الرسول الأعظم» الإيرانية. النسخة الـ14 منها كشفت عن قفزات تكتيكية ونوعية لقوات الحرس الثوري، بأذرعه البحرية والجوية و الصاروخية. صورة الشهيد عماد مغنية على منصة قيادة العمليات، إضافة إلى صور شهداء محور المقاومة، شكّلت رسالة واضحة أن هذه المناورة تعبّر عن قوة هذا المحور ووحدة مصيره أمام التحديات والتهديدات كافة التي تطلق هنا وهناك. بين الرسائل، رد «الحرس» على التشكيك الأميركي في قدرة القمر الاصطناعي العسكري «نور» المستقر في مدار الأرض على ارتفاع 420 كلم، على نشر صور لقاعدة العديد الأميركية في قطر، وتبيّن من الصور التي بُثّت أن القمر يحتوي على الأقل كاميرتين، بصرية وحرارية، ليعيد تأكيد القدرة الإيرانية على المراقبة من الفضاء إضافة إلى استقبال الصور وتحليلها.
المجسم الخاص بحاملة الطائرات الأميركية يعدّ الثاني في المناورات، وقد استُخدم مجسّم في مناورات سابقة، وهدَفَ إلى تأكيد أن إيران لن تتردّد في ضرب حاملات الطائرات في مياه الخليج والمحيط الهندي، وصولاً إلى باب المندب، وبالتالي تأكيد أن الجرأة على ضرب قاعدة عين الأسد في العراق لا تزال موجودة، وبجرعة أكبر، لدخول مواجهة مفتوحة مع واشنطن وإلحاق خسائر بشرية بالقوات الأميركية بلا خوف من ردّ فعل مضاد. المجسّم تمَّ استهدافه بأسلحة بر-بحر و صواريخ جو-بحر، إضافة إلى إنزال جويّ على متن المجسّم وضربه بصواريخ محمولة على زوارق سريعة من نوع «يا مهدي» و»عاشوراء».
الأهم في عملية الاستهداف يكمن في دقة إصابة مركز قيادة حاملة الطائرات المفترضة عبر الصاروخ المجنّح «سديد»، الذي أطلق من طائرات مسيّرة نفاثة من طراز «شاهد 181» و»شاهد 191»، وهي النسخة المطابقة لطائرة «RQ-170» الأميركية التي استولى عليها الحرس الثوري قبل 9 أعوام شرق إيران. وهنا تكمن إحدى الرسائل الجوية عبر النموذج الإيراني للطائرة الأميركية التي أطلقت الصاروخ المجنح وأصاب هدفه بدقة متناهية، ليلي ذلك إطلاق صاروخ «ياسين» المجنّح و المصنّع محلياً، حيث تم إطلاقه من مقاتلات سلاح الجو في «الحرس» من طراز «سوخوي 22». استطاع الصاروخ إصابة أهدافه بدقة، وهو يتمتع بمدى يراوح بين 60 إلى 100 كلم، برأس حربي يصل إلى 225 كلغ.
التحوّل التكتيكيّ الأبرز في المناورة كان في المجال البالستي؛ فهذه المناورة لم تشهد إطلاق صواريخ بعيدة المدى لأكثر من ألف كلم، واقتصرت على الصواريخ البالستية من طراز «فاتح» وأجياله المتلاحقة، بر-بر وبر-بحر، وبمديات وصلت إلى 700 كلم. من هنا، كانت الرسالة الأقوى صاروخياً، والتي وصلت فوراً إلى مسامع القوات الأميركية التي أعلنت استنفاراً على شعاع المناورة في الدول المتشاطئة على الخليج. المعسكر الإيراني كشف بعضاً من تكتيكاته العسكرية عمداً، لإفهام الأميركي و الإسرائيلي أن الإرادة على المعركة موجودة، ونماذج الرد ستكون على شاكلة استهدافات شاملة وعلى الجهات الأربع لإيران، و ليس فقط في العراق. فالقوات الأميركية منتشرة بكثافة في جغرافيا الإقليم، ما يسهّل ضربها بصواريخ بالستية لا يتعدّى مداها 700 كلم، قادرة على إحراق العديد من قواعد النيران الأميركية براً وبحراً.
إذا كان البالستي والصواريخ الدقيقة، وما توصف بالنقطوية، ستكون عنوان المواجهة مع الولايات المتحدة وإسرائيل، فما كشف عنه «الحرس» يشير إلى أن إيران زرعت أرضها بالبالستي. إذ كشفت المناورات عن تطور نوعي لصواريخ انطلقت من باطن الأرض باتجاه أهدافها: صواريخ موزعة على امتداد التراب الإيراني، مموّهة بدقة، غير موجودة في قواعد، بل هي منصات منفردة، تعمل بالوقود الصلب، جاهزة ومحددة الهدف مسبقاً، وتطلق عن بُعد. وهذا يعني إلغاء نظرية ضرب المخزون الصاروخي الإيراني، حيث لا يمكن لأي «عملية وزن نوعي» ضرب القدرة الصاروخية الإيرانية المنتشرة بعشرات الآلاف في أماكن مجهولة تماماً أمام العدو. والأهم أن هذه الصواريخ قادرة على التوجيه الذاتي باتجاه الهدف، ما يقلّل نسبة الخطأ إلى أقل من 7 أمتار بمدى قد يصل إلى 700 كلم.
كذلك تمَّ الكشف عن صاروخ باليستي من مرحلة واحدة أصاب هدفاً افتراضياً بدقة، ويعتقد أنه نوع جديد من جيل «فاتح» النقطوي. الهدف الافتراضي كان نموذجاً عن منظومة «ثاد» الأميركية المضادة للصواريخ، ومنها البالستي، ما يعني أن طهران تريد إخبار واشنطن بأن هذا النوع من الصواريخ قادر من خلال تقنيات ومواد التصنيع التملّص من الرادارات وعبور منظومات الدفاع الجوي وصولاً إلى أهدافه داخل القواعد المستهدفة. وعليه، فإن عملية الإمطار الصاروخي ستقوم بشل بعض القدرات الدفاعية للمناطق المستهدفة وتحقيق الضرر الأكبر حتى بالمنظومات الدفاعية التي تشبه القبة الحديدية لجيش العدو الإسرائيلي.
استخدمت المناورة استراتيجية الهجوم المباشر لا التدريبات الدفاعية


المناورة التي لم تشهد أي تدريب دفاعي، كشفت تقنية إيرانية جديدة في إطلاق صواريخ أرض-أرض عبر إطلاق صاروخ نقطوي من داخل صندوق إطلاق «كونيستر» (Conister). وهذا النمط كان معتمداً في إيران لمنظومات الدفاع الجوي، وحتى صواريخ كروز البحرية، إلا أنها المرة الأولى التي يطلق فيها صاروخ بالستي من داخل «كونيستر»، وهذا ما يرفع سرعة عمليات الإطلاق والتجهيز والفعالية، ويعدّ أكثر أمناً وأفعل لوجيستياً، إضافة إلى العديد من العوامل التي تدخل فيها تعقيدات تقنية هندسية عسكرية قرأها الأميركي بتمعّن.
استخدمت المناورة استراتيجية الهجوم المباشر، وأظهرت قدرة إيران على الرد، وأوصلت رسالتها الأهم، ولو بشكل غير مباشر، للكيان الصهيوني الذي يتحدث دائماً عن أن إمكانات إيران العسكرية تصل إلى محور المقاومة. وبالتالي ما شاهده العدو على شاشات التلفزة الإيرانية قد يراه أيضاً على امتداد المحور في أيّ حرب محتملة.