في شهادته أمام لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ، الأسبوع الماضي، سُئل وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، عن قرار الرئيس دونالد ترامب المفاجئ إقالة المفتش العام لوزارة الخارجيّة، ستيف لينيك، في شهر أيار/ مايو الماضي، بينما كان الأخير يحقّق في إعلان حالة طوارئ وطنيّة لتعجيل إتمام صفقة أسلحة لمصلحة السعودية، ليجدّد الوزير نفيَه ارتكاب أيّ مخالفة، ويكرِّر تأكيداته السابقة بأنّ لينيك إنّما سرّب معلومات على نحوٍ غير ملائم. كانت تلك شهادته العلنيّة الأولى منذ نيسان/ أبريل 2019 لبحث موازنة وزارته، والتي أعقبت إصدار اللجنة تقريراً ينتقد بشدّة أداء بومبيو كوزير للخارجية، إذ أضرّ، وفق ما خلص إليه التقرير، بقدرة الوزارة على تنفيذ مهام دبلوماسية (من بينها تعليق شغل الوظائف والترويج لثقافة الانتقام).إقالة المفتّش العام لوزارة الخارجية الأميركية منتصف أيار/ مايو الماضي، عادت مجدّداً إلى الواجهة، على مسافة أشهر ثلاثة من موعد الانتخابات الرئاسية. فأسباب إصدار ترامب قراراً بعزل لينيك، بناءً على توصية مِن بومبيو، لم توضحها الإدارة، مكتفيةً بمسألة «تسريب المعلومات» التي تحدّث عنها بومبيو مراراً. وعليه، فإن التحقيق لا يزال متواصلاً.
مسؤولون في وزارة الخارجية، عبّروا، أخيراً، عن القلق إزاء المخاطر على المدنيين قبل تمرير بومبيو صفقة أسلحة بقيمة 8,1 مليارات دولار للسعودية والإمارات، بحسب ما نُقل عن مساعد سابق قوله أمام النواب، أول من أمس. ووجّه أعضاء ديمقراطيون في الكونغرس مذكّرات استدعاء إلى أربعة مسؤولين في وزارة الخارجية، في إطار التحقيق في إقالة المفتش السابق في الوزارة. قرار الاستدعاء، بحسب بيان المشرّعين، جاء بناءً على معلومات كشفها أواخر تموز/ يوليو الماضي تشارلز فولكنر، الذي كان مكلّفاً علاقات الوزارة مع الكونغرس، في شأن قرار إدارة ترامب بيع أسلحة إلى الرياض وأبو ظبي بموجب إعلان حالة طوارئ زائفة لإتمام الصفقة. وقال فوكنر أمام النواب، الأسبوع الماضي، إن مخاوف الكونغرس إزاء بيع أسلحة للمملكة «مشروعة»، وإن موظّفي وزارة الخارجية ناقشوا المخاوف في شأن سقوط ضحايا مدنيين، ولا سيّما في اليمن حيث يتواصل العدوان السعودي. وجاء في بيان مشترك لثلاثة من كبار القادة الديمقراطيين، هم: النائب إليوت إنغل والسناتور روبرت منينديز والنائبة كارولين مالوني، إنّ «الإدارة تستمرّ في التعتيم على الأسباب الحقيقية لإقالة السيد لينيك من خلال عرقلة تحقيق اللجنة ورفض الانخراط بحسن نيّة». وقالوا أيضاً إن «شهادة السيد فوكنر تصوّر مجموعة صغيرة من كبار مسؤولي وزارة الخارجية عازمين على تجاهل المخاوف الإنسانية المشروعة بين صفوفهم وفي الكابيتول هيل». ومِن بين المسؤولين الذين تمّ استدعاؤهم ماريك سترينغ، الذي تمّت ترقيته إلى منصب مستشار قانوني في وزارة الخارجية في اليوم الذي أعلن فيه بومبيو حال طوارئ على خلفية «التوترات مع إيران»، وبرايان بولاتاو، مساعد بومبيو منذ فترة طويلة.
يعارض الكونغرس تمرير بومبيو صفقة أسلحة بقيمة 8,1 مليارات دولار للسعودية والإمارات


الفعل بذاته لا شكّ كان انتقامياً، وفق ما اعتبر رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب، إليوت إنغل. لكن الإقالة التي جاءت في فترة طوارئ عالميّة، كان يفترض أن تمرّ بسلاسة لكون الجميع مشغولين بوضع سياسات لمكافحة وباء «كورونا»؛ ذلك لم يحصل. فلينيك الذي عيّنته إدارة باراك أوباما في عام 2013 للإشراف على موازنة الدبلوماسية الأميركية البالغة 70 مليار دولار، أكّد ابتداءً من حزيران/ يونيو الماضي، أن عزله جاء مدفوعاً بتحقيق كان يجريه في شأن قرار ترامب إعلان حالة طوارئ وطنيّة العام الماضي، عبر تطبيق «قانون مراقبة تصدير السلاح»، بهدف إنفاذ 22 صفقة لبيع أسلحة تشمل ذخائر موجّهة، معظمها إلى السعودية، بقيمة 8.1 مليارات دولار، وتجنيبها المرور بمراجعات الكونغرس المعارض لصفقات من تلك النوع. حينها، استندت الإدارة الأميركية إلى بند في قوانين بيع الأسلحة يتيح تجاوز تصويت الكونغرس عبر إعلان حالة طوارئ وطنية، متحدثةً عن وجود توتّرات مع إيران. في الإطار ذاته، كتب بومبيو رسالة إلى الكونغرس جاء فيها أنه «خلص إلى وجود حالة طارئة تتطلّب البيع الفوري لمعدات وخدمات دفاعية» إلى السعودية والإمارات والأردن، لمواجهة النفوذ الإيراني في أنحاء المنطقة. وبحسب تقرير لـ«سي إن إن»، فإن الإدارة الأميركية كانت تسعى من وراء الإعلان، إلى طيّ صفحة الأزمة التي أثارها اغتيال جمال خاشقجي، والحملة المناوئة للمملكة داخل أروقة الكونغرس في أعقاب تقييم وكالة الاستخبارات المركزية، الذي خلص إلى أن التصفية تمّت بأمرٍ مِن وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان. عن قرار «الطوارئ»، يقول السناتور الديمقراطي، كريس ميرفي، إن بومبيو «اصطنع حالة طوارئ وهميّة ليمرّر الصفقة»، وإن إقالة ترامب للمفتّش العام ربّما أخفت العلاقات المالية التي تجمع إدارته مع النظام السعودي.