تواجه المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، ضغوطاً متزايدة، لتشديد موقفها المتأرجح تجاه روسيا، بعد إعلانها أن لدى برلين «أدلّة قاطعة» على أن زعيم المعارضة الروسية، أليكسي نافالني (44 عاماً)، تعرّض للتسميم بغاز أعصاب مميت. وكان نافالني قد تدهورت صحّته بعدما صعد على متن طائرة في سيبيريا الشهر الماضي. وأشار مقرّبون منه، آنذاك، إلى اشتباههم في أنه تناول كوب شاي احتوى على مادة سامّة في المطار. وخضع نافالني، في البداية، للعلاج في مستشفى محلّي، قال الأطباء فيه إنهم لم يعثروا على أيّ مواد سامّة في دمه، قبل أن يُنقل إلى برلين في 22 آب/ أغسطس، حيث لا يزال يخضع للعلاج في قسم العناية المشدّدة في مستشفى «شاريتيه» في برلين. وأثار ادّعاء ألمانيا تعرّض نافالني للتسمّم بنوفيتشوك، المادّة ذاتها التي قيل إنها استُخدمت سابقاً ضدّ العميل الروسي المزدوج سيرغي سكريبال وابنته في بلدة سالزبري الإنكليزية قبل عامين، إدانات واسعة من قِبَل القادة الغربيين ودعوات إلى فتح تحقيق في القضية. وفي هذا الإطار، اعتبرت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أن النتائج التي تمّ التوصل إليها تثير «أسئلة جدّية للغاية بإمكان روسيا وحدها، بل ويتعيّن عليها، الإجابة عنها». بدورها، أعربت كلّ من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والاتحاد الأوروبي و"حلف شمال الأطلسي" عن "صدمتها حيال الحادثة". كذلك، أعرب المدير العام لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية، فرناندو أرياس، عن «قلقه البالغ»، لافتاً إلى أن الهيئة الدولية على استعداد لمساعدة أيّ بلد يطلب منها ذلك.
في المقابل، نفت روسيا وجود أيّ أدلة على أنّ نافالني تعرّض للتسميم، بينما أعلن المتحدث باسم الكرملن، ديميتري بيسكوف، أن برلين لم تقدّم أيّ إثباتات لموسكو. وقال: «ليس هناك أي مبرّر لاتهام الدولة الروسية»، رافضاً الحديث عن احتمال فرض عقوبات اقتصادية على موسكو، وداعياً الغرب إلى تجنّب إطلاق «أحكام متسرّعة». وتسعى موسكو، التي تعاني أساساً من عقوبات غربية واسعة النطاق فُرضت عليها على خلفية ضمّها شبه جزيرة القرم وتداعيات تفشي «كوفيد - 19» وانخفاض أسعار النفط، إلى تجنّب أي ضغط إضافي على اقتصادها. وفي هذا السياق، أجاب المتحدث باسم شؤون الاتحاد الأوروبي الخارجية، بيتر ستانو، على سؤال في شأن العقوبات بـ«(أننا) لم نصل إلى هذه المرحلة بعد»، مشدّداً في الوقت نفسه على ضرورة إجراء تحقيق «شاملٍ وشفاف» لتحديد المسؤولين.
وكان قد تسبّب إعلان ألمانيا، الأربعاء، في انخفاض الروبل إلى أدنى مستوياته مقابل اليورو منذ عام 2016، بينما تراجع مؤشّر «أر تي إس» في موسكو أكثر من ثلاثة في المئة. وقالت صحيفة «كوميرسانت» المتخصّصة في المال والأعمال إن «علاقات روسيا بالغرب تَسمّمت مجدّداً بواسطة نوفيتشوك»، مضيفة أنه بات من الواضح أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يفكّران جدّياً في فرض عقوبات إضافية. وتابعت: «السؤال الرئيسي هو إلى أيّ مدى سيمضيان قدماً في ذلك». وفي شوارع موسكو، أعرب البعض عن قلقِهم من احتمال تعرّض الاقتصاد الروسي لضربة جديدة.
أعلن لوكاشنكو أن مينسك اعترضت اتصالات تكشف «تزييف» تسميم نافالني


على الضفة المقابِلة، قلّل آخرون من أهمية التهديد الذي تتعرّض له روسيا، مشيرين إلى تأكيدات الحكومة المتكرّرة أن العقوبات ساعدت على تنويع الاقتصاد ودفعه إلى عدم الاعتماد كلياً على النفط والغاز. ولكن من شأن أيّ أزمة جديدة في العلاقات مع الغرب أن تهدّد، كذلك، مشروع «نورد ستريم 2» لمدّ خط أنابيب غاز بكلفة عشرة مليارات يورو (11 مليار دولار) على وشك أن يتمّ استكماله في قاع بحر البلطيق، ويُتوقع أن يضاعف شحنات الغاز الطبيعي الروسية إلى ألمانيا. وتأجّل المشروع لأشهر، بعدما تحرّكت واشنطن لفرض عقوبات جديدة على الشركات المنضوية فيه على خلفية المخاوف من تزايد النفوذ الروسي. وكانت ألمانيا قد أعربت عن غضبها حيال الخطوات الأميركية، معتبرة أن واشنطن تتدخّل في شؤونها الداخلية. لكن صحيفة «بيلد»، الأكبر في البلاد، دعت أمس إلى تعليق المشروع، زاعمة أنه «ما لم تتوقّف الحكومة (الألمانية) عن أعمال بناء نورد ستريم 2، فسينتهي بنا الأمر قريباً إلى تمويل هجمات نوفيتشوك التي يقوم بها بوتين». كذلك، كتب رئيس لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الألماني، نوربرت رويتغن، على موقع «تويتر»، أن هذه «الطقوس الدبلوماسية لم تعد كافية». وتابع رويتغن، المرشح ليكون الزعيم المقبل لحزب «الاتحاد الديموقراطي المسيحي»، بزعامة ميركل: «بعد تسميم نافالني، نحتاج إلى ردّ أوروبي قوي يفهمه بوتين: يجب أن يقرّر الاتحاد الأوروبي بشكل مشترك وقف نورد ستريم 2». إلا أن بيسكوف رفض تلك الدعوات، التي وصفها بأنها «تصريحات عاطفية»، مشيراً إلى أن المشروع «يصبّ في مصلحة روسيا وألمانيا والقارة الأوروبية بأكملها».
في غضون ذلك، أعلن رئيس بيلاروسيا، ألكساندر لوكاشنكو، أن قوات الأمن في بلده اعترضت اتصالات ألمانية تكشف أنه تمّ "تزييف" عملية تسميم نافالني. وقال لوكاشنكو لرئيس الوزراء الروسي، ميخائيل ميشوستين، إن الاتصال الذي تمّ اعتراضه بين برلين ووارسو يكشف أنه تمّ «تزييف» الحادثة. وأضاف لوكاشنكو، الذي يواجه ضغوطاً من المتظاهرين الذين يطالبون باستقالته، خلال لقائه ميشوستين في مينسك: «لم يتمّ تسميم نافالني. قاموا بالأمر على حدّ قولهم لثنيِ بوتين عن التدخّل في شؤون بيلاروسيا».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا