رأى وزراء خارجية فرنسا وألمانيا وبريطانيا، في بيان مشترك، أخيراً، أن قرار إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تجديد عقوبات الأمم المتحدة على إيران يفتقر إلى أيّ أساس قانوني. جاء هذا الموقف بعد شهر من الانتكاسة التي مُنيت بها واشنطن في مجلس الأمن الدولي، عند محاولتها تمديد حظر بيع الأسلحة التقليدية لطهران، والذي ينتهي مفعوله في تشرين الأول/ أكتوبر المقبل. وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، اتّهم الأوروبيّين بـ»الانسياق خلف آيات الله»، ما يظهر مدى حدّة الخلاف معهم، وتمسّكهم بالاتفاق النووي، إلا أن الأخيرين لا يملكون الأدوات الضرورية للدفاع عن مصالحهم في هذا الملف.يرى إريك اندريه مارتان، خبير السياسة الأوروبية والعلاقات الدولية في «المركز الفرنسي للعلاقات الدولية»، أن «إعادة تفعيل آليات عقوبات الأمم المتحدة لم تعد هي المشكلة، نظراً إلى أن الاتحاد الأوروبي دافع منذ البداية سياسياً عن الاتفاق النووي، من دون إيجاد حلول تسمح له بإقامة علاقات اقتصادية مع إيران، وتتيح للأخيرة جني مكاسب من هذا الاتفاق. لقد أفضى الخوف من العقوبات الأميركية إلى منع الشركات الأوروبية من استعادة نشاطها في إيران، وحَرَم هذا البلد من جميع الفوائد التي كان من المفترض أن يجنيها في مقابل موافقته على شكل من أشكال الإشراف الدولي على برنامجه النووي». يشير مارتان إلى أنه على الرغم من وجود أداة نقض قانونية تحول دون خضوع هذه الشركات لتشريعات مناقضة لتلك الأوروبية، إلا أننا «لسنا أمام إشكالية قانونية بل سياسية. لم تكن الدول الأوروبية لتتصوّر يوماً، قبل الاتفاق النووي مع إيران، أنها ستجد نفسها في حالة تجاذب حادّ مع الأميركيين، الذين لا يتورّعون عن توظيف النظام المالي الدولي ضدّها».
تييري كوفي، الخبير في شؤون إيران في «مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية»، يعتقد، من جهته، أن عجز أوروبا عن الدفاع عن القانون الدولي ومصالحها يرتبط بعدم امتلاكها أدوات قانونية ضرورية وبضعف إرادتها السياسية. «لقد أظهرت أوروبا افتقارها إلى الوسائل الكفيلة بالتصدّي لانتهاك القانون الدولي عبر عقوبات تفرضها الولايات المتحدة خارج أراضيها، وبحماية مصالحها. خرجت جميع الشركات الأوروبية من السوق الإيرانية من دون أن يفرض الأميركيون أيّ عقوبات عليها. نعرف طبعاً التبعات الوخيمة التي ستنجم عن صراع مفتوح مع واشنطن، ولكن ما يمكن أن نأمله هو أن تقوم أوروبا ببناء ترسانة قانونية، وأن تمتلك أدوات مالية لتتمتّع بصدقية أكبر على الساحة الدولية «. يُذكّر الخبير الفرنسي بأنه، إضافة إلى آلية التبادل الأوروبية التي وُضعت لتمكين إيران من بيع نفطها، كان المطروح بدايةً إنشاء وزارة أوروبية موحّدة للعدل لمواجهة الولايات المتحدة: «علينا الاعتراف بأن عدم المباشرة بمثل هذه الخطوة يعود إلى غياب الإرادة السياسية».
يحرص مارتان على التذكير بأنه باستثناء فرنسا وألمانيا وبريطانيا التي شاركت جميعها في الاتفاق مع إيران، فإن العديد من الدول الأوروبية الأخرى تميل إلى الموقف الأميركي، ما ينذر بانقسام أوروبي حقيقي حول هذا الموضوع. «هذا ما تريده إدارة ليست متأكدة من أنها ستُنتخب مجدّداً، وتسعى بأيّ ثمن إلى تدمير اتفاق نووي لم تقتنع يوماً بجدواه، لأنه لا يعالج ما تعتبره مخاطر أخرى تُمثّلها إيران، كمشروعها الصاروخي ودورها الإقليمي».
كوفي مقتنع، من جهته، بأن تنصيب الأميركيين أنفسهم مكان المنظّمة الدولية لإعادة تفعيل عقوبات الأمم المتحدة، إنما يهدف إلى دفع الإيرانيين إلى الخروج من الاتفاق النووي. «لقد فَهِم الإيرانيون أن مصلحتهم تقتضي الصبر وانتظار انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر»، حسب كوفي. السؤال الذي يبقى مطروحاً اليوم هو حول ما إذا كان تغيّر الإدارة يكفي لإنقاذ الاتفاق. سيقود ذلك بلا ريب إلى تبدّل في المناخ السائد، وانفتاح نافذة فرص لعودة الحوار بين واشنطن وطهران. هذا ما يظنّه مارتان، الذي يعتبر أنه على الرغم من «التحوّلات في السياق الإقليمي والدولي، والتي تسارعت منذ 2018 بفعل حملة الضغوط القصوى الأميركية أساساً، واتجاه النظام الإيراني نحو التشدّد، فإنّ الاتفاق ما زال يوفّر قاعدة مشتركة يمكن البناء عليها بين إيران والمجتمع الدولي. تغيير الإدارة الأميركية المحتمل سيؤمّن شروطاً أكثر صحّية لمعاودة الحوار».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا