لا تتوانى أنقرة عن استعمال مسلّحي الفصائل التي تدعمها في سوريا في أيّ معارك خارجية تحتاج فيها إلى مقاتلين لدعم أحد طرفَي النزاع. بعد ليبيا، حيث تولّت إمداد قوات حكومة «الوفاق» بالمقاتلين السوريين، ها هي تعيد الكرّة في المعارك الدائرة بين آذربيجان وأرمينيا في إقليم ناغورني كراباخ المتنازع عليه. إذ جهّزت تركيا مئات المسلّحين في الشمال السوري قبل أسبوع تقريباً، وعمدت الى إرسالهم إلى منطقة النزاع، للمشاركة في القتال إلى جانب القوات الآذربيجانية التي تدعمها أنقرة في وجه أرمينيا.وتحدّث «المرصد السوري» المعارض، قبل يومين، عن وصول دفعة من مقاتلي الفصائل إلى آذربيجان، بعدما نقلتهم الحكومة التركية من أراضيها إلى هناك. وكانت الدفعة هذه قد وصلت إلى الأراضي التركية قبل أيام، قادمة من منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي الغربي. وأضاف «المرصد» إن دفعة أخرى تستعدّ للخروج إلى أذربيجان. وقبل أسبوع، نقلت مواقع كردية عن مصادر في مدينة عفرين أن مسلّحين من فرقة «السلطان مراد - الجيش الحر» الموالية لأنقرة «يستعدّون للذهاب برفقة مسلّحين تركمان إلى آذربيجان للقتال ضدّ الأرمن بجانب الآذربيجانيين». وقالت المصادر إن «القوات التركية جهّزت أكثر من 750 مسلحاً من كتائب التركمان وفرقة السلطان مراد في مدينة عفرين لإرسالهم إلى آذربيجان». وبحسب المعلومات المتداولة، فإن أنقرة عرضت على كلّ من المسلحين مبلغاً بقيمة 2500 دولار أميركي مقابل الذهاب للقتال. وتفيد المعلومات بأن المقاتلين المجنّدين يتجمّعون في مراكز حَدّدها الجيش التركي، منها قرية حوار كلس في ريف حلب الشمالي، قرب الحدود السورية - التركية، وبأن عقد التجنيد مدّته ثلاثة أشهر.
لكن في المقابل، ثمّة، مِن الفصائل المسلّحة التي تدور في فلك أنقرة، مَن يرفض الانصياع للأوامر التركية القاضية بالتوجّه للقتال في آذربيجان. وفي هذا السياق، تناقلت تنسيقيات المسلّحين بياناً لفصيل «الجبهة الشامية» الموالي لتركيا، جاء فيه أنه «في حال حدوث أيّ تواصل أو تنسيق لأيّ شخص بخصوص الذهاب إلى ليبيا أو آذربيجان (للقتال مع القوات التركية) سوف يتعرّض لأشدّ العقوبات، فنرجو منكم عدم الانحياز إلى هذا الموضوع ولن نتساهل أبداً مع أيّ شخص كان». وفي خلفيات ذلك الموقف، نقلت تنسيقيات المسلّحين عن مصدر خاص قوله إن فصيل «الجبهة الشامية» استطاع تأمين مصادر مالية أخرى «جعلته يتمرّد على القرارات التركية، ويمنع مسلّحيه من الذهاب خارج حدود سوريا». وأوضح المصدر أن من بين تلك الموارد المالية، المعابر التي يشرف عليها الفصيل، ومنها معبر باب السلامة ومعابر أخرى مع مناطق سيطرة الجيش السوري.
رفضت بعض الفصائل إرسال مقاتليها الى آذربيجان رغم الإغراءات التركية


وتعتمد تركيا أسلوبَي الترهيب والترغيب في سعيها إلى تجنيد المقاتلين إلى كلّ من ليبيا وآذربيجان؛ إذ إنها تفرض على الفصائل التي تسيطر عليها تأمين عدد من مسلّحيها لهذه الغاية، أو تغري المسلحين بمبالغ مالية كبيرة، في ظلّ أوضاع اقتصادية قاسية تعيشها منطقة إدلب. وتنقسم آراء قادة الفصائل ما بين مؤيّد للذهاب للقتال إلى آذربيجان، ورافض لذلك. وتختلف أسباب القبول والرفض بين مَن ينصاعون لأيّ رغبة تركية، ومَن يرفضون القتال إلى جانب الآذربيجانيين «الشيعة». ويبدو أن أغلب الملتحقين بالجبهة الآذربيجانية فعلوا ذلك مدفوعين بالإغراءات المالية التركية الكبيرة.
وتندّد أرمينيا وناغورني كراباخ، من جهتهما، بـ»التدخّل التركي»، متّهمتَين أنقرة بتوفير السلاح وخبراء عسكريين وطيارين وطائرات مسيّرة لباكو. وفيما أعلنت يريفان أن «أنقرة أرسلت آلاف المرتزقة من سوريا إلى المنطقة»، رفضت وزارة الدفاع الآذربيجانية تلك الاتهامات، متحدّثة عن أن «مرتزقة من الإثنية الأرمنية من الشرق الأوسط يقاتلون إلى جانب الانفصاليين». واتهمت وزارة الخارجية الأرمينية، رسمياً، أنقرة، بدخول الحرب إلى جانب آذربيجان. وقالت الوزارة، في بيان أمس، إن «عسكريين أتراكاً يشاركون في المعارك إلى جانب القوات الآذربيجانية في إقليم ناغورني كراباخ، باستخدام مقاتلات وطائرات مسيّرة». جاء هذا في وقت تداول فيه عدد من الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي ومواقع تركية لقطات جوّية تظهر استهداف طائرات من طراز «بيرقدار» لدفاعات أرمينية أول من أمس.
في المقابل، نفى مساعد لرئيس أذربيجان إلهام علييف، أمس، «مزاعم إرسال تركيا مقاتلين من سوريا إلى بلاده»، واصفاً تلك الأنباء بأنها «استفزاز آخر من الجانب الأرميني ومحض هراء». وكانت وكالة «إنترفاكس» الروسية قد نقلت، في وقت سابق، عن سفير أرمينيا لدى روسيا قوله إن «تركيا أرسلت حوالى 4000 مقاتل من شمال سوريا إلى أذربيجان، وهم يشاركون في القتال».

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا