بعد ثلاث سنوات من ولايته الأولى، وقف باراك أوباما أمام البرلمان الأوسترالي، حيث رسم رؤيته لميل الولايات المتحدة نحو آسيا. بدت لهجته متفائلة: الصراعات في أفغانستان والعراق كانت على وشك الانتهاء، والحرب تنحسر، قال أمام المشرّعين في كانبيرا. وهي تطورات ستسمح لواشنطن بتحويل تركيزها. «بعد عقدٍ خضنا فيه حربَين كلَّفَتا الكثير من الدماء والأموال، تُحوِّل الولايات المتحدة انتباهنا إلى الإمكانات الهائلة لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ». تعهّد بأن تركّز أميركا على الجهود المبذولة «لتعزيز الأمن والازدهار والكرامة الإنسانية» في تلك المنطقة.الاستدارة، كما بات معروفاً، لقيت ترحيباً كبيراً من قِبَل القادة الإقليميين. ثبت، في الوقت نفسه، أن ثقة أوباما في قدرته على تحويل عمل جهاز السياسة الخارجية مبالغ فيها. كانت هناك إنجازات ملحوظة، منها إعادة الارتباط مع ميانمار، وتحسين العلاقات مع العديد من دول جنوب شرق آسيا، والتأكيد على اصطفاف الولايات المتحدة مع اليابان في خلافها مع الصين. لكنّ التزاماً كاملاً تجاه المنطقة، لم يتحقّق أبداً، نظراً إلى سلسلة عقبات ومشتِّتات خارجية وداخلية. لم تكن الولايات المتحدة قادرة على انتزاع نفسها بالكامل من العراق وأفغانستان.
أخبرني السكرتير الدائم السابق في وزارة الخارجية السنغافورية، بيلهاري كوسيكان، أن «الاستدارة نحو آسيا كانت فكرة جيّدة، لكن تنفيذها لم يكن» بالصورة نفسها.
في حملته الانتخابية، تبنّى جو بايدن إرث رئيسه السابق. وفي حين أن العديد من الشركاء الأجانب سيرحّبون بالعودة إلى ما يشبه الحياة الطبيعية بعد أربع سنوات من عقيدة ترامب الفوضوية «أميركا أولاً»، ثمّة حذر في أجزاء من آسيا في شأن العودة المحتملة إلى سياسات عهد أوباما، ولا سيما تلك المتعلّقة بمواجهة قوّة الصين المتنامية. يعتقد كوسيكان أن أوباما برع في الدبلوماسية، لكنّه «لم يكن مرتاحاً لممارسة السلطة». ونتيجة لذلك، «سيخضع بايدن لاختبار عميق بحثاً عن أيّ علامة ضعف، وسيتم اختباره من قِبَل الأصدقاء والأعداء على السواء... هذه حقيقة لن يستطيع الهروب منها».
تمثّل المنطقة آسيا ــــ المحيط الهادئ جملة تحدّيات، التجارة أحدها، فضلاً عن استمرار كوريا الشمالية في التسلُّح النووي، وتغيّر المناخ. تحدّيات يتّصل معظمها بالصين التي تحرّكت، في السنوات الأربع الماضية، لتثبيت هيمنتها على المنطقة؛ تحدّت الهند على طول الحدود المشتركة، ورفعت من منسوب تهديداتها ضدّ تايوان، ووسعت سلوكها المزعزع في بحر الصين الجنوبي. كتب بايدن هذا العام في مجلة «فورين أفيرز» أن بكين مثّلت «تحدّياً خاصاً» بالنسبة إلى واشنطن. بذل نائب الرئيس السابق جهوداً لـ»بناء جبهة موحّدة تضمّ حلفاء الولايات المتحدة وشركائها لمواجهة السلوكيات التعسفية للصين».
لدى بايدن، بحسب إريك سايرز، وهو زميل مساعد في برنامج أمن آسيا ــــ المحيط الهادئ في «مركز الأمن الأميركي الجديد»، «سجلّ طويل يعكس وجهة النظر الوسطيّة تجاه الصين»، لكنه يشير إلى أن الوضع «تغيَّر بسرعة في السنوات الخمس الماضية، وكذلك تغيَّر خطاب بايدن».
مفهوم الاستدارة نحو آسيا كان جيداً، لكن الإخراج لم يكن بالصورة نفسها

والجدير ذكره أن متحدثاً باسم حملة الرئيس المنتخَب وصف هذا العام قمع أقلية الإيغور في منطقة شينجيانغ الصينية بأنه «إبادة جماعية». شهدت واشنطن أيضاً تحوّلاً عميقاً في السنوات الأخيرة في كيفية النظر إلى الصين. تحوُّلٌ تجلّى خصوصاً في عدد كبير من التشريعات التي استهدفت البلد الآسيوي، والتي جرى إمرار بعضها بدعم شبه جماعي، وهو اتجاه من المحتمل أن يستمر. يقول سايرز إن الجمهوريين، في الوقت الحالي، لا يزالون مسيطرين على مجلس الشيوخ، ما يعني أن من المحتمل إجراء «اختبار أساسي في شأن مسألة الصين». قد يجبر ذلك بايدن على استبعاد بعض الخيارات التي يُنظر إليها على أنها ناعمة للغاية تجاه بكين. خذ على سبيل المثال سوزان رايس، مستشارة الأمن القومي السابقة في عهد أوباما، والتي طرح اسمها لمنصبٍ في إدارة بايدن. تجسّد رايس نوع المسؤول الذي يتردّد البعض في المنطقة إلى عودته إلى الحكومة الأميركية. في منشور جرت مشاركته على نطاق واسع على «فايسبوك» في آب/ أغسطس، كتب كوسيكان أن رايس ستكون «كارثة»، عندما انتشر طرح اسمها للمشاركة في حكومة بايدن، بحجّة أنها لا تهتم كثيراً بآسيا ولا تتطلّع إلى المنافسة مع الصين.
بقدر ما أثار الخطاب العدواني المناهض للصين استياء الزعماء الإقليميين، فإن الإجراءات التي صاحبت ذلك، حظيت ببعض الثناء من أولئك الذين شعروا بأن أوباما كان يعتمد، بشكل مفرط، على القوة الناعمة، وغير راغب في ممارسة القوّة. أنطونيو كاربيو، قاضي المحكمة العليا السابق في الفيليبين الذي أشاد بجهود أوباما الأولية في مساعدة مانيلا على صدّ محاولات الصين للمطالبة ببحر الصين الجنوبي، أعرب عن أسفه لأن «مفهوم (الاستدارة) كان جيداً، لكن الإخراج لم يكن». أخبرني أن الجهد يفتقر إلى العنصر العسكري الذي كان ترامب أكثر استعداداً لنشره. وقال كاربيو إنه من دون خطوط حمر واضحة ــــ وخصوصاً في ظلّ عسكرة الصين للمياه الإقليمية ــــ يخاطر بايدن بمواجهة مأزق مشابه لمأزق أوباما. وفي هذه الحالة، «ستعاني سمعة الولايات المتحدة في الفيليبين وجنوب شرق آسيا وشمال شرق آسيا من ضربة مروّعة».
(تيموثي ماكلوغلِن ــــ مجلّة «ذي أتلانتك» ــــ بتصرّف)

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا