في قراءة الإعلام الأميركي لحادثة اغتيال العالم النووي الإيراني البارز، محسن فخري زاده، ثمّة ثلاث ثوابت؛ تخلص الأولى، وفقاً لمسؤولي الاستخبارات الأميركية، إلى أن بصمات «الموساد»، بمباركة إدارة دونالد ترامب، واضحة في العملية، وإن فضّلت إسرائيل الركون إلى التزام الصمت رسميّاً، وتوازياً عدم تبديد روايات ضلوعها في الاغتيال؛ والثانية أن حجم العمل وتوقيته يُهدِّدان بشلّ جهود إدارة جو بايدن لإحياء الاتفاق النووي الإيراني، إلا إذا جاء بنتيجةٍ عكسيّة وأسّس، نتيجة الضغوط، لاتفاق جديد؛ والثالثة أن الاغتيال لن يؤدّي، والحال هذه، إلى تعطيل أو إبطاء البرنامج النووي الإيراني.
إذا انتقمت إيران ستعطي ترامب ذريعة لشنّ ضربة قبل أن يترك منصبه (أ ف ب )

أيّاً كان مزيج الدوافع وراء عملية الجمعة، فالسؤال، بحسب «نيويورك تايمز»، هو عما إذا كان قد تمّ تدمير الصفقة التي رسم معالمها الرئيس المنتخَب باغتيال فخري زاده (إسقاط العقوبات المتعلّقة في المجال النووي التي فرضها ترامب على مدار العامين الماضيين إذا عادت إيران إلى الامتثال بشكل صارم بالاتفاق الدولي لعام 2015). تكمن الإجابة، إلى حدّ كبير، في كيفية ردّ إيران. ربّما يراهن الإسرائيليون على الفوز في كلتا الحالتين. فإذا لم تنتقم إيران، تكون «الخطوة الجريئة» لإبعاد العالم النووي البارز قد آتت أكلها، حتى لو دفع الاغتيال البرنامج إلى مزيد من السرّية. وإذا انتقم الإيرانيون، وأعطوا ترامب ذريعة لشنّ ضربة قبل أن يترك منصبه، سيرث بايدن مشاكل ستكون أكبر من مجرّد حطام وثيقة دبلوماسية عمرها خمس سنوات. وهذا بالضبط ما يراهن عليه نتنياهو وترامب. فأيّ انتقام، وفق «نيويورك تايمز»، يمكن أن يؤدي إلى عمل عسكري أميركي يبدو الرئيس ترامب في أتمّ الاستعداد للذهاب إليه، ولا سيما أنه ناقش هذا الخيار مع مستشاريه قبل أسبوعين، وأوفد وزير خارجيته، مايك بومبيو، إلى المنطقة الأسبوع الماضي.
سيكون من المفارقة أن يؤدّي اغتيال فخري زاده إلى الضغط على إيران لإبرام صفقة مع إدارة بايدن


مرَّ ما يقرب من عام على اغتيال قاسم سليماني. يعتبر ماكس بوت في مقالة لصحيفة «واشنطن بوست»، أن تداعيات ضربة الثاني من كانون الثاني/ يناير «يجب أن تجعلنا حذرين إزاء تقييم آثار مقتل فخري زاده». ففي بداية العام الجاري، أعرب الصقور، مثل مستشار الأمن القومي الأميركي السابق، جون بولتون، عن أملهم في أن يؤدّي اغتيال سليماني إلى «إجبار إيران على تقليص عدوانها الإقليمي»، وربّما يؤدي إلى «تغيير النظام في طهران». من ناحية أخرى، أعرب العديد من منتقدي إدارة ترامب عن مخاوفهم من أن العملية ربّما تجرّ المنطقة بأكملها إلى الحرب. لم تنته أيّ من النبوءتَين إلى التحقُّق. اقتصر ردّ إيران على ضربة محسوبة استهدفت قاعدتين أميركيتين في العراق، ولم تؤدِّ إلى مقتل جنود أميركيين. أُعطي كلا الجانبين مخرجاً لتجنّب المزيد من التصعيد. لكن لا يوجد دليل على أن اغتيال سليماني أعاق تحرّكات إيران الإقليمية. باختصار، يقول ماكس بوت، «تصدّر اغتيال سليماني عناوين الصحف لكنه لم يغيّر الكثير». وينطبق الشيء نفسه - على الأرجح - على اغتيال فخري زاده، على رغم تعهّد طهران بالانتقام. فاغتيال هذا الأخير لن يمثّل ضربة لبرنامج إيران النووي.
وفي ظلّ التقديرات التي تشير إلى مسؤولية إسرائيل عن العملية بهدف تخريب محاولات إدارة بايدن العودة إلى الاتفاق النووي، ينبغي، بحسب الكاتب نفسه، تذكّر عمليات اغتيال العلماء النوويين الإيرانيين الأربعة بين عامَي 2010 و 2012. اغتيالات يقول إنها ساعدت في جعل الحلّ الدبلوماسي أكثر، وليس أقلّ، احتمالاً، وأدت إلى جانب نظام عقوبات دولي صارم وهجمات إلكترونية أميركية - إسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية، إلى زيادة الضغط على الجمهورية الإسلامية، وأنتجت اختراقاً دبلوماسياً لإدارة أوباما في عام 2015 على شكل اتفاق. سيكون من المفارقة أن «يزيد مصير فخري زاده من الضغط على إيران لإبرام صفقة مع إدارة بايدن التي يعمل فيها المسؤولون الذين فاوضوا على الاتفاق السابق. قد يكون هذا هو آخر ما يريده نتنياهو أو ترامب».
يقول روبرت مالي، رئيس منظمة «مجموعة الأزمات الدولية» والمفاوض حول اتفاق عام 2015، إن «هدف إدارة ترامب يبدو واضحاً»؛ إذ خطّطت الإدارة لـ»الاستفادة من الوقت المتبقّي قبل رحيلها لترسيخ إرثها وجعل الأمر أكثر صعوبة على خليفتها لاستئناف الدبلوماسية مع إيران والانضمام إلى الاتفاق النووي»، لكّنه يشكِّك في أن «تنجح (هذه الخطة) في قتل الدبلوماسية» أو الصفقة.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا