تُحرّك الاعتبارات السياسية الداخلية مقاربة ماكرون تجاه تركيا
وبالعودة إلى الموقف الفرنسي المتشدّد من تركيا، فإن ما يحرّكه صلته الوثيقة بالتدهور التدريجي في العلاقات بين الدولتين، على وقع القضايا الخلافية الكثيرة بينهما. كما أن المشاركة التركية الفعّالة في عدد من النزاعات، والتي قادت إلى تحوّل في موازين القوى الميدانية لمصلحة أنقرة، تُفاقم من غيظ باريس. وفي هذا السياق، يقول بيون إن "الإليزيه لم يتقبّل دور أنقرة في قلب موازين القوى في ليبيا، حيث باتت فرنسا في موقع المتفرّج ولم تعد قادرة على دعم خليفة حفتر". كذلك، يلفت إلى فشل باريس في معركة ناغورنو قرباخ، حيث دعمت أرمينيا شفهياً على رغم عضويتها في "مجموعة مينسك الدولية".
من جهة أخرى، فإن ما لا يمكن تجاهله هو أن تركيا، التي تملك ثاني أكبر جيش في "حلف شمال الأطلسي"، طوّرت صناعاتها الدفاعية، بينما تُجاهر بتوجّهها نحو المزيد من الاستقلالية في هذا الحقل. مسارٌ يتلازم مع نموّ قدرتها على التدخّل الخارجي، ما يعكس رغبة في الوصول إلى مستوى من النفوذ والتأثير موازٍ لذلك الذي تتمتّع به القوى الغربية. "بشكل عام، هناك صعوبة كبيرة لدى العديد من الدول الغربية، وفي مقدّمتها فرنسا، في التكيّف مع فكرة أنها لم تعد تستطيع فرض إملاءاتها على بقية دول العالم"، يقول بيون، مشيراً إلى أن "عدداً متعاظماً من هذه الدول، ومن بينها تركيا، يزداد استقلالية". ويضيف أنها "لم تقطع تحالفاتها مع دول الغرب لكنها ليست مستعدة لتلقّي الأوامر بخشوع. على المسؤولين الفرنسيين فَهْم هذه الحقيقة، لأنها أضحت معطى بنيوياً في الحياة الدولية".
ويلفت الخبير الجيوسياسي إلى أهمية الاعتبارات السياسية الداخلية لدى ماكرون، والتي تفسّر حزمه في مقابل إردوغان. ويشير إلى المعركة التي يشنّها الرئيس الفرنسي اليوم "ضدّ ما يسمّيه الانفصالية الاسلامية، أي الإسلام السياسي في الواقع"، مضيفاً: "نستنتج أن تكتيكه السياسي مستوحى من ذلك الذي اعتمده نيكولا ساركوزي عندما كان رئيساً". وفي هذا المجال، يوضح أن ماكرون "يحاول استقطاب جمهور اليمين المتطرّف لمضاعفة عدد ناخبيه والفوز برئاسة ثانية. يحاول توظيف كراهية الإسلام في الأوساط المشار إليها، ويُدخل الخلافات مع تركيا في هذا السياق". ويَخلُص إلى أنها "لعبة معقّدة تتداخل فيها الأبعاد السياسية الخارجية مع تلك الداخلية".
اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا