ينتمي الشهيد قاسم سليماني إلى «الجيل الثاني» في قيادة «حرس الثورة الإسلامية»، الذي ترعرع في جبهات القتال ضدّ جيش الرئيس العراقي المخلوع صدّام حسين، تلبية لنداء قائد الثورة في إيران، الإمام روح الله الخميني، أواخر 1980، بعد عام واحد على انتصار الثورة. كما ينتمي سليماني إلى المجموعات العسكرية الأولى التي تَشكَّل منها الحرس. كان واحداً من الشباب الثوريّين الذين هبّوا للدفاع عن بلدهم وتجمّعوا حول النواة الأولى للحرس، التي كانت لها مساهمة فعّالة في زمن الثورة ضد الشاه. سليماني الشاب كان له دور في الثورة، في مدينته كرمان، وسط إيران، التي صار في سنواته الأخيرة يتردّد إليها باستمرار (من 4 إلى 6 مرات سنوياً)، ويتعمّد إحياء بعض المناسبات الدينية فيها. «الحاج» كان قائد كتيبة في سنوات «الحرب المفروضة»، وعُرف على الجبهات وبين المقاتلين بشجاعته والـ«كاريزما» الفريدة. بعدها، تدرّج إلى مستويات قيادية حتى تجديد الهيكلية العسكرية لـ«حرس الثورة» منتصف التسعينيات وتشكيل «قوّة مساعدة حركات التحرّر في العالم» (سُمّيت لاحقاً «قوة القدس»)، فعيّنه مرشد الثورة، آية الله علي الخامنئي مسؤولاً عن القوة الجديدة، ومهماتها الخارجية، بعد أحمد وحيدي، وزير الدفاع الأسبق.أولاًبدأت علاقات سليماني تتوطّد مع «القوى المناهضة للأميركيين والإسرائيليين» وعلى رأسهم حزب الله. من البداية، هو أصلاً صديق للقائد الأسبق في القوة البحرية في الحرس الشهيد عبد الله رودَكي الذي تربطه علاقات بقيادة الحزب، فسمع منه «الحاج» كثيراً عن تجربة المقاومة الإسلامية. في 1997، قدِم سليماني للمرة الأولى إلى لبنان قبل تسلّم منصبه في «القدس»، وتعرّف إلى عدد من مسؤولي الحزب بطريقة شخصية غير رسمية. مع تسلمه منصبه عام 1998، استشعر قياديو المقاومة تغيّراً واضحاً في آليات التواصل مع «حرس الثورة»، إذ كان «الحاج» سريعاً في تلبية أي طروحات أو حاجات، بل سرعان ما تفتّحت أمام قيادة المقاومة آفاق أوسع من ذي قبل، على المستويات العملياتية والاستراتيجية، نتيجة ما أحدثه سليماني في تأمين القدرات العسكرية واللوجستية. استمرّ هذا التعاون المطّرد في سائر الملفات حتى السنوات الأخيرة، حين استفاد الشهيد من تجربة حزب الله لدعم قوى أخرى في ساحات المواجهة.

فلسطين المركز
بين الساحات كانت فلسطين تتجاوز البعد السياسي إلى الأبعاد العقدية والإنسانية. يقول أحد الذين واكبوا عمل سليماني مع القوى الفلسطينية المتنوّعة إنه كان ينطلق في هذا الملف من نظرة الإمام الخميني والسيد الخامنئي بوصف فلسطين «القضية الثابتة التي لا يمكن أن يتغير الموقف منها مهما تبدّلت الظروف». ومن لبنان، عمل بالتعاون مع الشهيد عماد مغنية على دعم الانتفاضة الثانية (2000) التي انطلقت عقب تحرير الجنوب من الاحتلال الاسرائيلي. ثم توسّعت دائرة التعاون لتشمل فصائل المقاومة كافة التي كانت ترتبط بعلاقات «عامة» مع طهران قبل قدوم «الحاج». الأهم أنه «لم يكن يميّز بين الفصائل الإسلامية وغيرها، فكان يتعامل مع فتح أول الانتفاضة ثم حركات أخرى كالجهاد الإسلامي وحماس والجبهة الشعبية والشعبية - القيادة العامة. يضيف محدّثنا: «بعض الفصائل، كالجهاد وحماس، تمكّن من أن يستفيد من الدعم على أعلى مستوى، فيما اختارت فصائل أخرى قصر العلاقات على المستويات السياسية، ومنهم من تراجع في الميدان العسكري».
عندما كانت تتباين الرؤى بين قوى «حلف المقاومة»، مثلما حدث في موقف «حماس» من الأحداث في سوريا، يسارع «الحاج» إلى ضبط النفوس. يقول مصدر مقرّب من الشهيد إنه «رغم ما جرى في سوريا، لم تتأثر علاقة الحاج بفصائل المقاومة الفلسطينية، ولم يحاول إلزامها بأي موقف محدد». في السنتين الأخيرتين، سعى سليماني باهتمام كبير إلى «ترميم» العلاقة بين «حماس» وباقي القوى، خصوصاً القيادة السورية، وبقي ينقل إلى دمشق «المتغيّرات الإيجابية» في قيادة «حماس» التي لاقته في الطريق، لكن الأمر «لم يصل إلى خواتيمه السعيدة في حياة الحاج».

سوريا... «يجب أن نصل قبل الأميركيين»
مع اندلاع الأحداث في سوريا عام 2011، بدأت تتوطّد علاقة سليماني مع دمشق، بل كان حاضراً إلى جانب القيادتين السياسية والعسكرية في وقت مبكر جداً. يقول أحد من عملوا معه في دمشق: «كان يأتي إلى سوريا ويطيل مكوثه فيها. حين يغيب تراه سرعان ما يعود». وفي الشهور الأولى للمعارك، كان يصل إلى دمشق ويجتمع مع العسكريين السوريين والإيرانيين وحزب الله، وحين يُنهي الجلسات، يتوجه للقاء الرئيس بشار الأسد، فيضعه في آخر التطوّرات ويبحث معه الخطوات المطلوبة، ثم يتوصّلان إلى اتّفاق محدّد ينتقل به سليماني إلى وزارة الدفاع وقيادة أركان الجيش والأجهزة الأمنية، ثم قادة الفيالق في الجيش المعنيين بالمهام المطلوبة، وبعد ذلك إلى الميدان لوضع الخطط موضع التنفيذ، مع حرص شديد على تأمين الاحتياجات كافة لإنجاح المهام. «لم يكن قائداً ينظّر ويرسم الخطوط العريضة من دون التدخل في التفاصيل، بل يؤمّن المستلزمات اللوجستية والعسكرية والمالية، ويجعل نفسه حلقة الربط والتنسيق بين الأطراف كافة»، يقول المصدر العارف بالحاج.
في الشهر السابع من عام 2012، أجرى الشهيد أولى جولاته الميدانية في دمشق وريفها ومنطقتي الجنوب والشرق. كانت المرّة الأولى التي يُشاهد فيها يتنقّل بين خطوط التماس. يقول المصدر نفسه: «قلّة من يعرفونه... الباقون يعتقدون أنه مستشار عسكري إيراني عادي، حتى ضبّاط كبار في الجيش السوري». وبين تموز/يوليو وكانون الأول/ديسمبر 2012، لما كان المخطّط لدى الفصائل المسلحة المختلفة إسقاط العاصمة لإطاحة النظام، وحقّق المسلحون تقدماً كبيراً على الأرض، في ليلة من ليالي الأيام «العصيبة» تلك، هبطت طائرة «الحاج» في مطار دمشق. فوراً توجّه إلى قيادة الأركان السورية وعلى رأس أولوياته تجميع القوات المنتشرة في طول البلاد وعرضها وسحبها إلى المناطق الأكثر حساسية (العاصمة والجنوب والوسط والساحل). جُمّعت القوات، وطلب الحاج من حزب الله إرسال تشكيلات كاملة من لبنان بعدما كان وجود الحزب يقتصر على القادة والضبّاط. وبقليل من الإجراءات الجديدة، استكمل الحاج الدفاعات لمنع سقوط العاصمة أو قطع طريق لبنان - دمشق.
«كان الوضع في غاية الصعوبة والتعقيد، والتقديرات أن النظام لن يصمد كثيراً. قال الحاج إن علينا أخذ خطوات تمنع الانهيار الكبير، فبدأ العمل على تأسيس قوّات الدفاع الوطني لتكون رديفة إلى جانب الجيش المشتّت والمنهك»، يروي المصدر، «تولّى الحاج بنفسه إقناع الرئاسة بتشكيلها، وتكفّل بإعداد هذه القوة من التجهيز إلى التدريب والتمويل والإدارة... فعلاً بدأنا نسترجع زمام المبادرة، خصوصاً في محيط العاصمة». أما بين 2013 و2014، فأعدّت غرفة «الموك» (تحوي ضباطاً أميركيين وبريطانيين وأردنيين وسعوديين وغيرهم) خطّة «H» لإسقاط دمشق بعدما تتوغّل الفصائل من الجنوب إلى أطراف العاصمة. التفت سليماني إلى المخطط ورأى أنه «خطير جداً» ويتطلّب إجراءات مضادّة سريعة، فأسّس فوراً الفرق التي سُمّيت لاحقاً «المغاوير» التي أحبطت الخطة، وتولّى إعداد هذه القوات من الألف إلى الياء، طالباً من ضباط المقاومة تدريبها وتجهيزها (قادها أولاً الشهيد علي فيّاض، «علاء البوسنة»).
رأيُ «الحاج» أن وجود قوى المقاومة جنوب سوريا يجب أن يصير علنياً مستقبلاً كما في الجنوب اللبناني


أواخر 2015، زار الجنرال موسكو والتقى الرئيس فلاديمير بوتين مساهماً في إقناع الروس بالتدخل، خاصة مع التوسع في نشاط تنظيم «داعش» الذي صار على مشارف حمص، ناوياً وصلها بـ«ولايات العراق». بعد ساعتين قال له بوتين: «سنشارك في سوريا». لم يطلب سليماني سوى دعم جوي، قائلاً إن المنطقة الساحلية «آمنة» ويمكن للروس إنشاء قواعد جوّية فيها، بما يضمن لهم أمانها برّياً. بهذه الخطوة، انقلبت المعادلة ميدانياً، ثم صارت القوات الروسية تنخرط في المصالحات والتسويات.
بعد التدخل الروسي، بقي سليماني يصرّ على الحضور بنفسه في المعارك المفصلية على الخط الأمامي. مثلاً في معركة حلب (2016) بقي سليماني هناك أربعة أشهر يتنقل خلالها بين الخطوط الأولى ويجوب السواتر في الليل والنهار. يروي مصدر عسكري شارك في حلب، وكان يرافق سليماني، أن الأخير «وصل نقاط التماس في الميدان مرات عديدة، ولا تفصله عن المسلحين سوى أمتار. رغم إصرارنا على ألا يقترب إلى هذا الحد، كان يقول إننا إذا لم ننزل إلى السواتر الأمامية، فقد يضعف المقاتلون، بل يجب أن نكون أمامهم».
ولما بدأت تلوح معالم تدخّل أميركي مباشر على الأرض (2017)، مع حضور قوات إلى شرق سوريا والسيطرة على منطقة التنف لقطع التواصل بين أطراف حلف المقاومة، ومنع فتح الحدود بين سوريا والعراق في البوكمال، تنبّه قائد «قوة القدس» إلى خطورة التدخل الجديد، ليردّ فوراً بخطوات «كبيرة» تقضي بالتسابق مع الأميركيين والوصول إلى الحدود التي يسيطر عليها «داعش» قبلهم. آنذاك، كان رأيه الذي عبّر عنه للقيادة السورية وللقيادة العسكرية الروسية، أن «منع الأميركيين من تحقيق هدف السيطرة على الحدود بين سوريا والعراق يجب أن يكون هدفنا الأول». فشرع في العمل ميدانياً وأشرك قوات «فاطميون» الأفغان، و«زينبيون» الباكستانيين، و«حيدريون» من العراق، إلى جانب حزب الله والجيش السوري و«الدفاع الوطني، كما كان يعمل على نحو متواز من الجهة العراقية. ينقل أحد الذين رافقوا الحاج في تلك العمليات أنه كان يقول: «كل حلف المقاومة مستهدف في خطة الأميركيين هذه، وعلى الجميع أن يعملوا على إفشالها للحفاظ على مصيرهم، لأن هذه الخطوة للأميركيين هي الأهم من أجل أن يلتفّوا على كل الإنجازات» التي تحقّقت في سوريا بين 2012 و2017.
انطلقت العمليات، وفي آخر يومين قبل انتهائها، كانت القوات السورية والحليفة تتقدّم من المحطة الثانية في البادية باتجاه البوكمال. وفي حين أن المخطّط هو وصول القوات خلال عشرة أيام إلى الحدود العراقية - السورية، وصلت إلى «الحاج» معلومات تفيد بأن الأميركيين قد جهّزوا تشكيلاتهم مع حلفائهم للوصول إلى معبر البوكمال قبلاً. في تلك الليلة، عند الفجر، يروي ضبّاط ميدانيون من المقاومة أن سليماني استنفر جميع القوات وركب سيارة «بيك آب» وانطلق في مقدمة الركب باتجاه الحدود، وأشار للقوّات خلفه أن تتبعه. «فليحدث ما يحدث، يجب أن نصل قبل الأميركيين»، قال ومشى، وفي غضون ساعات كان بنفسه واقفاً على مشارف العراق حيث التقى قوات «الحشد الشعبي».
أما عن التهديد الذي تمثّله سوريا للعدو الإسرائيلي، فكان الشهيد مقتنعاً بأن الجبهة الجنوبية لا يمكن أن تكون خالية من المقاومة. يقول أحد القياديين الذين تابعوا شؤون المنطقة الجنوبية إن «الحاج قاسم أعطى أولوية للمنطقة الجنوبية لأهميتها في المواجهة مع العدو، وهو زارها مراراً رغم المخاطر، بل اقترب من الحدود مع الجولان المحتل واستطلع المنطقة بنفسه». ويضيف: «رأي الحاج أن وجود قوى المقاومة في تلك الجبهة يجب أن يصير في المستقبل علنياً كجبهة الجنوب اللبناني». بهذا الجهد وتلك الإنجازات، كانت أيام سليماني في سوريا مزدحمة. «من لحظة نزوله من الطائرة إلى حين عودته يعمل بلا توقّف، إلا عند نومه من الواحدة بعد منتصف الليل إلى صلاة الفجر فقط»، يروي أحد المقرّبين منه. وخلال الساعات في الطائرة كان يعمد إلى تلخيص كتيّبات للشهيد مطهّري وآخرين.

العراق «عبوة سليماني»!
منذ مشاركته الفعالة في حرب «الدفاع المقدس»، تعرّف سليماني إلى عدد من القوى العراقية التي قاتلت جيش صدام إلى جانب الإيرانيين، وأبرزها «منظّمة بدر»، إضافة إلى حركة «حزب الله» - العراق. وحين تسلم قيادة «القدس»، صار يتابع الملف العراقي عبر اتصالات وتعاون مع القوى المناهضة لنظام صدام، حتى جاء الحدث المفصليّ وهو الغزو الأميركي عام 2003. آنذاك تواصلت معه مجموعات عراقية في غالبيتها غير منظّمة، لكنهم اجتمعوا على قتال الأميركيين، وبدؤوا البحث عمّن يدعمهم، وأطلقوا الشرارة الأولى للمقاومة. من هنا، انطلق نشاط الحاج بدعم هذه المجموعات بالتدريب والتمويل وتأمين القدرات. وكان الشهيد «أبو مهدي» المهندس أحد الوسطاء الأساسيين بين تلك المجموعات و«الحاج». وسرعان ما ظهرت نتائج هذه العلاقة في القدرات المتنامية للمقاومة العراقية تحديداً بين 2006 و2007، حين بدأ الأميركيون يتحدّثون عن عبوات وألغام أرضية تشكل أذيّة جدّية للمركبات المصفّحة مثل «هامر». حتى دبابات «أبرامز» وعربات «برادلي»، الموصوفة بأنها «فخر الصناعة الأميركية»، باتت تدمّر بشكل شبه كامل بالعبوات التي سمّاها الأميركيون لاحقاً «عبوة سليماني».
كان سليماني يشارك في توجيه الفصائل والمساعدة في بناء تشكيلاتها وهيكليّاتها. وتزايد الدعم إلى أن تحقق الانتصار، عندما أعلن الأميركيون انسحابهم أواخر 2011. لكن أبرز ما استطاع «الحاج» فعله أنه نجح في دفع العراقيين إلى «تقبّل» الإيرانيين كشركاء ومتعاونين، بعدما صُبغت العلاقة بالعداوة نتيجة الحرب. ومع ظهور «داعش» في 2014 واقتراب الخطر من بغداد، بدأت فصائل المقاومة التي تشكّلت لقتال الأميركيين نشر حراسات وتسيير دوريات عند الأطراف الغربية للعاصمة بمتابعة مباشرة منه شخصياً، بل حضر بنفسه وأشرف على توزيع بعض القوات في خطوط التماس. في حزيران/يونيو سقطت الموصل، وبعد يومين وقعت مجزرة «سبايكر»، وسقطت الفلوجة وأجزاء من الرمادي وصلاح الدين وديالا، ووصل التنظيم إلى المنطقة بين كربلاء وبغداد.
يقول مصدر واكب حركة الشهيد في تلك الأيام إنه كان أسبوعياً في العراق ويلتقي قيادات المقاومة ورئيس الحكومة آنذاك، نوري المالكي، ويحذّرهم من أن القادم سيّئ جداً. وبينما طلبت الدولة العراقية المساعدة من روسيا و«التحالف الدولي» والأوروبيين، ولم يلبِّها أحد، كان وحده سليماني المستعدّ. وفي الليلة نفسها التي أُعلنت فيها فتوى النجف المؤسسة لانطلاقة «الحشد الشعبي»، حضر بنفسه إلى مطار بغداد، ووصلت بعده بساعات قليلة طائرات إيرانية تحمل السلاح والعتاد والذخيرة، لينطلق القتال ضد «داعش». سريعاً رأى العراقيون «الحاج» في الميادين مع «الحشد الشعبي» والجيش، وباتوا يرون فيه «القائد الذي تجاوز كل الخلافات والتعقيدات ووصل إلى قلوب الشعب العراقي، وتمكّن من جمع الفصائل المختلفة التي تعجّ بينها الخلافات، ووحّد بندقيتها في اتجاه واحد»، يقول المصدر. وشيئاً فشيئاً بنى بينهم انسجاماً قوياً، وصار يحضّهم على تنفيذ مهمات مشتركة تجعلهم مجبرين على التعاون حتى يزيل الأجواء السلبية.

اليمن... «الكل سواسية في الجهاد»
في بداية الألفية الثانية، منذ أعلن الشهيد حسين بدر الدين الحوثي شعاراته الواضحة المناهضة لأميركا وإسرائيل، التفَت سليماني إلى هذه الحركة التي يشتدّ عودها. فتقرّر تكثيف التواصل مع قيادة «أنصار الله» وزعيمها الذي استُشهِد في «الحرب الأولى» مع جيش علي عبد الله صالح عام 2004. ولما انتقلت زعامة الحركة إلى أخيه عبد الملك، عمل الحاج على توطيد العلاقة معه، ودعمه في تجميع عناصر الحركة وإحيائها، كما كان شديد الرفض لأي حديث عن «الفروق» المذهبية مع اليمنيين «الزيديين». ينقل عنه أحد الذين أوفدهم إلى اليمن من ضباط المقاومة أنه شدّد على «القيمة الكبيرة لمقاومة اليمنيين»، ومعياره أن «الكل سواسية في الجهاد». ولصعوبة حضوره هناك خلال الحرب، عمل سليماني على تعويض غيابه عبر التواصل الدائم والمباشر مع السيد عبد الملك الحوثي والقيادات العسكرية والسياسية للحركة وإرسال مندوبين عنه إلى صنعاء ليكونوا بجانب القيادة، آخذاً في عين الاعتبار أيضاً الاستقلالية الكبيرة التي تتمتّع بها قيادة «أنصار الله». كما كان يرسل رسائل إلى المقاتلين، في غالبيتها رسائل ودّية وتوصيات عامة وأخرى محدّدة قبل انطلاق العمليات. يروي أحد الذين واكبوا تعاونه مع اليمنيين أنه «كان متأثراً جداً بالمظلومية التي يعيشونها منذ سنوات، ويبكي بكاءً شديداً عند وقوع مجازر، وكان فخوراً جداً بالإنجازات العسكرية، ويتحدّث عن التجربة اليمنية بحفاوة ملحوظة واهتمام شديد».