ساعات قليلة تفصل العالم عن انتهاء ولاية دونالد ترامب، وتنصيب جو بايدن خلفاً له في عاصمةٍ استحالت ثُكنة عسكرية، مخافةَ وقوع حوادث مشابهة لغزوة الـ»كابيتول»، تطغى على حفل «الوحدة» المرتقب. وعلى رغم التدابير الأمنية غير الاعتيادية، والتي يضاعف حجمها حجمَ القلق المتصاعد إزاء انفلاش الأزمة على امتداد الخريطة الأميركية، لا يزال «الكابوس» الأمني المتأثّر بالانقسام العميق يرخي بثقله على البلاد عامة، والإدارة المقبلة بصورةٍ خاصة. على هذه الخلفية، ستجري مراسم التنصيب، يوم غدٍ الأربعاء، تحت عنوان «وحدة الأميركيين»، في حدثٍ سيكون ترامب أبرز الغائبين عنه، في ظلّ عزمه على مغادرة واشنطن صباح الأربعاء، والانتقال للعيش في فلوريدا.وعشيّة انتهاء ولاية ترامب، فرضت السلطات الأميركية طوقاً أمنياً حول العاصمة واشنطن، ضمن إجراءات تأمين تنصيب جو بايدن. فأُغلق العديد من الأحياء والشوارع الرئيسة، حيث نُشر آلاف من أفراد الحرس الوطني والشرطة والخدمة السرية، في أعقاب كشف «مكتب التحقيقات الفدرالي» عن بدء تحقيق في شأن دور أجنبي محتمل في دعم اقتحام الكونغرس وتمويله. ومع تحوّل العاصمة إلى معسكر حصين يحرسه نحو 25 ألف فرد مسلّح، وتعلوه حواجز وكتل إسمنتية لحماية المقار الحكومية، ضاعفت الشرطة الأميركية تحذيراتها، وأكّدت أن التهديد بمزيد من الهجمات المسلّحة من الجماعات اليمينية المتطرفة فعليّ. يتساوق ذلك مع عودة مجلس الشيوخ إلى استئناف دورته اليوم، لمراجعة قرار مساءلة ترامب والمباشرة في محاكمته بعد إدانته، الأسبوع الماضي، من قِبَل مجلس النواب بـ»التحريض على التمرّد»، في أعقاب اقتحام الـ»كابيتول» في السادس من الشهر الحالي. إلّا أن المساءلة قد تتأجّل إلى ما بعد الانتهاء من مراسم تسلُّم الرئيس الجديد مهمّاته يوم الأربعاء، والذي سيضطر، في مرحلة أولى، إلى ممارسة حكمه بموجب مراسيم رئاسية لتجنّب المرور بالكونغرس المشغول بإجراءات عزل ترامب، والتي يقول المعسكر الجمهوري إنها «ستؤخّر إلى ما لا نهاية، وإلى الأبد ربّما، شفاء هذه الأمة العظيمة».
المخاطر الأمنية لا تفتأ تحيط بالحدثين، إذ تولّدت خشية من أن يقوم أفراد من الحرس الوطني بهجوم أثناء حفل التنصيب، لا سيما بعدما جرى التعرف إلى أفراد من الشرطة ورجال الإطفاء وعدد من العسكريين المتقاعدين الذين شاركوا في اقتحام الـ»كابيتول»، ما عزّز الشكوك إزاء احتمال وجود اختراقات واسعة في صفوف الجهات الأمنية المنتشرة في الولايات الخمسين. في ضوء ذلك، حذّر «مكتب التحقيقات الفدرالي» ووكالات اتحادية أخرى من احتمال وقوع أعمال عنف قبل موعد التنصيب، إذ «يتطلّع المتعصّبون البيض وغيرهم من المتطرّفين إلى استغلال الإحباط بين مؤيّدي ترامب الذين صدّقوا الأكاذيب حول تزوير الانتخابات». وذكرت وكالة «أسوشيتد برس» أن «إف بي آي» سيقوم بفحص قوّات الحرس الوطني في واشنطن للتأكّد من أنهم لا يمثّلون مخاطر أمنية خلال مراسم التنصيب. ونقلت الوكالة عن مسؤولين في وزارة الدفاع قولهم إن «البنتاغون» قلق من وقوع هجوم داخلي، أو تهديد من طرف أفراد على صلة بتأمين المراسم. في هذا السياق، أعرب كبير موظفي البيت الأبيض المقبل، رون كلين، عن قلقه من التهديدات الأمنية التي قد تصاحب حفل التنصيب، إلّا أنه أبدى ثقته بقدرة الأجهزة الأمنية على تأمين الحفل. وقال، في مقابلة مع شبكة «سي إن إن»، إن الفريق الانتقالي لبايدن يتلقّى إحاطات من قِبَل الإدارة الحالية في شأن التهديدات المحتملة، مضيفاً: «(إننا) نرث فوضى كبيرة، لكن لدينا خطّة لإصلاح الوضع». الأمر نفسه ينطبق على عمدة واشنطن، موريل باوزر، التي تخشى وقوع اعتداءات في أحياء سكنية في العاصمة بعيداً عن المقار الحكومية. وقالت، في حديث إلى شبكة «إن بي سي»، إنها ليست قلقة في شأن المقار التشريعية في الولايات الأخرى فحسب، بل أيضاً حيال الأحياء السكنية في العاصمة. وأكّدت، في السياق ذاته، أن شرطة المدينة تعمل مع القوّات الفدرالية، ولديها خطط للتعامل في حال وقوع مثل هذه الهجمات. كذلك، أشار رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس النواب، النائب الديموقراطي آدم شيف، في حديث إلى «سي بي إس»، إلى أن المخاوف الأمنية مرتفعة، وأن ما يحدث يذكّره «بزيارة المنطقة الخضراء في بغداد ورؤية كثير من الجنود والحواجز». وأضاف: «لم أعتقد أبداً أنني سأرى ذلك في عاصمتنا، أو أنه سيكون ضرورياً، فهناك تهديد من المتطرفين المحليّين من طبيعة ما رأيناه في السادس من كانون الثاني/ يناير»، كاشفاً عن أن هناك أشخاصاً يأتون إلى منطقة واشنطن العاصمة ويجلبون أسلحة، فضلاً عن وجود تهديدات في جميع عواصم الولايات الخمسين.
وفي ظل الاستعدادات الكبيرة، يبدو أن عدد مسؤولي إنفاذ القانون الأميركيين تجاوز عددَ المحتجين بفارق كبير في مباني الكونغرس المحلية في أنحاء البلاد، بعدما تجمّع عدد محدود من مؤيّدي ترامب للمشاركة في تظاهرات حذّرت السلطات من أنها قد تشهد أعمال عنف. وعبّأت أكثر من 12 ولاية حرسها الوطني للمساعدة في تأمين أبنية الكونغرس في كل ولاية، في أعقاب تحذيرات الـ»إف بي آي». وكان حاكم ولاية إيلينوي، جيه بي بريتزكر، قال: «بعد الحصار المفروض على مبنى الكونغرس في ولايتنا، والتقارير عن التهديدات الموجّهة لعواصم الولايات، قرّرت حشد كل الموارد لحماية سكاننا والعملية الديموقراطية»، مضيفاً أنه بصدد تعبئة شرطة الولاية وحرسها الوطني لحماية العاصمة سبرينغفيلد. كما أن عواصم الولايات المتأرجحة، التي يقول ترامب إنها شهدت تزويراً لنتائج الانتخابات، في حالة تأهّب قصوى، حيث ينتشر المئات من مسؤولي إنفاذ القانون وقوات الحرس الوطني حول مبنى الكونغرس في أتلانتا/ جورجيا، فيما جرى تطويق المنطقة بالأسلاك الشائكة والحواجز الإسمنتية. وفي لانسينغ/ ميشيغن، وضعت قوات الأمن متاريس لإغلاق الشوارع المحيطة بمبنى كونغرس الولاية. وإضافة إلى تعبئة الشرطة، اتّخذت ولايات، منها بنسلفانيا وتكساس وكنتاكي، المزيد من الإجراءات لإغلاق المناطق التي يوجد فيها مبنى المجلس التشريعي للولاية.