بعد 60 جولة محادثات بين عامَي 2002 و2016، وبعد توقُّف دام خمس سنوات، أعيد تشغيل عجلة التواصل التركية ــــ اليونانية، بانعقاد أولى جولات التفاوض بين البلدين، أوّل من أمس. وكونها حملت صفة «الاستكشافية»، اقتصرت الجولة التي حملت الرقم 61، على جلسة واحدة ضمّت أعضاء الوفدين في قصر دولما باهتشه في إسطنبول. من الجهة التركية، ضمّ الوفد، إلى رئيسه مساعد وزير الخارجية سادات أونال، كلّاً من المدير العام للشؤون السياسية ومدير الحدود تشاغاتاي أرجياس، ونائبه باريش قلقافان، والناطق باسم رئاسة الجمهورية والمساعد الأيمن للرئيس التركي رجب طيب إردوغان، إبراهيم قالين، الذي بدا حضوره لافتاً. وشارك من الجانب اليوناني كلّ من المدير العام لوزارة الخارجية ألكسندر قويو، ومديرة مكتب الوزير إيفيغينيا كانارا، والسفير المتقاعد بافلوس أبوستوليديس. وإذ لم يرشح شيء عمّا جرى أثناء الاجتماع، فقد عُلم أن الجانبين اتّفقا على عقد الجلسة المقبلة في أثينا، من دون تحديد موعد لها، في وقت ذكرت فيه معلومات صحافية أن الجولة ستنعقد في 25 آذار/ مارس المقبل.مشاركة قالين المفاجِئة في المفاوضات فُسِّرت على أنها رغبة تركية في إعطاء المحادثات دفعاً قوياً، واهتمام شخصي من جانب إردوغان. وفي تغريدة للمناسبة، كتب الناطق الرئاسي: «لقد بدأت اليوم في إسطنبول لقاءات استكشافية بين تركيا واليونان للمرّة الأولى منذ أربع سنوات ونصف سنة. وفي ظلّ الزعامة القويّة لرئيس جمهوريتنا، في الإمكان حلّ كل المشكلات بما فيها إيجه، وإرادتنا في هذا الاتجاه كاملة. إن السلام والاستقرار الإقليمي مصلحة للجميع». اليونان، من جانبها، كانت قد أعلنت أنها تريد للمحادثات أن تقتصر على مسألة تحديد مناطق السيادة البحرية في شرقي المتوسط، حيث تختلف أنقرة وأثينا على نطاقها، وهي نقطة تسبّبت بتوترات حادّة بينهما، في الأشهر الأخيرة، وصلت إلى حافّة الحرب. لكن تركيا تريد أن تشمل المحادثات قضايا أخرى، مثل حدود الجرف القاري في بحر إيجه، والمجال الجوي والإبلاغ عن الطلعات الجوية وعمليات البحث والإنقاذ، ومسألة مسار سفن التنقيب عن الطاقة. كذلك، تريد بحث مسألة الجزر اليونانية المنزوعة السلاح وفقاً لاتفاقيات تاريخية، والتي تقول أنقرة إن أثينا عادت وسلّحتها.
ووجه قرار استئناف المفاوضات اليونانية ـــ التركية بمعارضة شديدة من جانب أحزاب المعارضة في أثينا


وإذا كانت الحكومة التركية والمعارضة في خندق واحد إزاء المفاوضات، إلّا أن الأمر مختلف في اليونان، حيث ووجه قرار استئناف المحادثات بمعارضة شديدة من جانب أحزاب المعارضة، إلى درجة اضطرّت مسؤولاً حكومياً إلى وصف ما يجري بـ»النقاش» وليس «التفاوض»، للتخفيف من حدّة الضغوط. وجاء الانتقاد الأكبر على لسان رئيس حكومة اليونان الأسبق، أنتونيس ساماراس، الذي يتزعّم الاتّجاه القومي في حزب الديموقراطية الجديدة. وكتب ساماراس، في صحيفة «كاثيميريني»، أن بدء المحادثات الاستكشافية بين البلدين يعطّل أيّ بحث في فرض عقوبات على تركيا، ذلك أن المجتمع الدولي لن يعاقب دولة تُجرى معها محادثات رسمية. وأضاف: «تركيا لا تقبل قانون البحار الدولي. وتهدّد باستخدام القوّة الذي تمنعه مواثيق الأمم المتحدة، وتتجاهل تحذيرات المجتمع الدولي وتَخرج أمامنا بمشكلات جديدة، وتعترض على حقّنا السيادي على جزرنا، وتدعو إلى جعل جزرنا في إيجه منزوعة من السلاح. وفي قبرص، تحتلّ وتستوطن منطقة مراش وتطالب بدولتَين في الجزيرة. وتقوم بالتنقيب في منطقتنا الاقتصادية الخالصة، وتعمل على خلق تحالف مع ليبيا موجّه ضدّ اليونان». وخاطب ساماراس، رئيس الحكومة الحالية كيرياكوس ميتسوتاكيس، قائلاً: «لا يمكن أن تذهب بسياسة تهدئة في مواجهة مَن يهرع خلف أحلام توسّعية، لأنه في هذه الحالة سيصبح أكثر توحّشاً. المفهوم التوسّعي يمكن عرقلته فقط بإجراءات ردعية. ما نحن بحاجة إليه في مواجهة تركيا العدوانية، هو تقوية ردعنا تجاهها. كيف يمكن ذلك؟ اليوم توجد قاعدة صالحة تؤسس لتحالفات قوية». كما انتقد ساماراس موقف ألمانيا من العلاقات التركية ــــ اليونانية، معتبراً أن أنقرة ستعمل، في المرحلة المقبلة، على خلق مشكلات في تراقيا الغربية (مقاطعة في شمال شرق اليونان غالبيتها من المسلمين الأتراك).
واعترض نائب وزير الخارجية السابق والخبير في العلاقات الدولية، يانيس فاليناكيس، على بدء المفاوضات من دون شروط مسبقة، متسائلاً: «لِمَ العجلة في بدء هكذا محادثات؟ وهل الوقت مناسب لنا؟ نحن لا نريد التصعيد، لكن تقليص حدود سيادتنا أمر لا نقبل به. ونحن ندخل محادثات من دون أيّ ضمانات مسبقة مع بلد عدواني ينتهك سيادتنا ويهدّد السلم الدولي، ومثل هذه الضمانة يجب أن تكون في إطار الاتحاد الأوروبي». وادّعى نائب رئيس البرلمان اليوناني السابق، ألكسيس متروبولوس، بأن المحادثات مع أنقرة تمّت بضغط من برلين، وهي بلا معنى، بل ستعزّز الموقف العدواني لتركيا الممتدّ من شرق المتوسط وإيجه إلى سوريا والعراق والقوقاز. ورأى بيان لـ»الحزب الشيوعي» اليوناني أن بدء المفاوضات لا يخدم سوى «حلف شمالي الأطلسي» ومخطّطات الاتحاد الأوروبي، معلناً اعتراضه عليها.
وفي إطار تعزيز قدراتها القتالية، وقّعت أثينا، قبل يوم واحد من لقاء إسطنبول، عقداً مع باريس لشراء 18 مقاتلة من طراز «رافال». ووَقّع وزيرا دفاع فرنسا واليونان في العاصمة اليونانية أثينا على الصفقة التي بلغت قيمتها مليارين و300 مليون يورو. ورأى وزير الدفاع اليوناني، نيكوس بانايوتوبولوس، أن الصفقة تعزّز الدفاعات اليونانية والتعاون العسكري بين الجانبين، وهي خطوة أولى في برنامج تسليح متنوّع وشامل، فيما أملت وزيرة الدفاع الفرنسية، فلورانس بارلي، أن تساهم بلادها في تعزيز الأسطول الحربي اليوناني بسفن حربية فرنسية. وتحدّثت عن مناورات عسكرية مشتركة مع أثينا في شهر نيسان/ أبريل، على أن تكون حاملة الطائرات الفرنسية «شارل ديغول»، بمعيّة فرقاطة يونانية/ في شرق المتوسط في نهاية شباط/ فبراير المقبل.