دخلت اتفاقية حظر الأسلحة النووية، المُوقَّعة في الـ7 من تموز/ يوليو 2017 من قِبَل 122 دولة بينها 52 صادقت عليها ولا تمتلك أسلحة نووية، حيّز التنفيذ في الـ22 من الشهر الجاري. تمّ التفاوض حول الاتفاقية من دون مشاركة القوى النووية، على أمل بناء ميزان قوى جديد لمصلحة خيار وقف التسلّح. وعليه، يبقى من غير الواضح ما إذا كانت أهمّيتها تكمن حصراً في بعدها الرمزي، أو أن لديها قدراً من التأثير في الدول المالكة للأسلحة النووية. اتفاقية حظر الأسلحة النووية هي أوّل اتفاقية تعدّدية لوقف التسلّح، خاصة في ميدان أسلحة الدمار الشامل غير المحظورة. تُكرِّس هذه الاتفاقية لاشرعية استخدام السلاح النووي وصناعته أيضاً. فَضّلت القوى النووية مقاطعة الحوارات حول هذا الموضوع، والتي نُظِّمت بمبادرة من المجتمعات المدنية، قبل أن تُصوِّت ضدّ الاتفاقية في الأمم المتحدة. وعلى الرغم من أن الدولة غير المُوقِّعة على اتفاقية لا تكون ملزمة بموجباتها، من منظور القانون الدولي، فإن لاتفاقية حظر الأسلحة النووية مفاعيل غير مباشرة لا يستهان بها، بحسب الدبلوماسي الفرنسي السابق والأستاذ في مركز سياسات الأمن في جنيف، مارك فينو. «الدول المُوقِّعة على الاتفاقية، وتلك التي ستقوم بذلك مستقبلاً، ملزَمة بأن تَضمّ إلى تشريعاتها جميع الموجبات التي تنصّ عليها، ومن بينها منع جميع أشكال التعاون أو الدعم أو التشجيع على إنتاج أسلحة نووية أو الاحتفاظ بها. فدولة كالنمسا مثلاً، وَقّعت على الاتفاقية وصادقت عليها، ستتبنّى تشريعات تمنع مصارفها وجامعاتها وشركاتها ومواطنيها من القيام بأيّ عمل قد يُسهم في المساعدة على صناعة أسلحة نووية. والمقصود هنا هو مساهمات من نوع البحث والتطوير في الميدان العلمي، أو في مجالَي التسويق والاستثمار. وعندما ستُطبِّق جميع الدول المصادِقة على الاتفاقية هذه الموجبات، سيُشكِّل ذلك ضغطاً جدّياً على القوى النووية لأنه قد يحرمها من مصادر للتمويل والدعم»، وفقاً لفينو.
تحرص القوى الغربية على تثبيت توازن القوى الموروث من مرحلة الاستعمار المباشر


هولندا هي الدولة الوحيدة، العضو في حلف «الناتو»، التي شاركت، بطلب من برلمانها، في المفاوضات التي سبقت التوصّل إلى الاتفاقية. لكنها صَوّتت ضدّها في عام 2017 انسجاماً مع موقف بقية أعضاء الحلف. هؤلاء يعتبرون أن الاتفاقية تتناقض مع الالتزامات التي تنصّ عليها عضوية الحلف. مارك فينو يؤكّد، من جهته، أن الاتفاقية لا تتعارض مع مثل هذه العضوية، بل حصراً مع امتلاك دوله لأسلحة نووية. «أجرت جامعة هارفرد ومركز دراسات نروجي أبحاثاً موسّعة تُثبت أن لا تناقض، على المستوى القانوني، بين عضوية الحلف ورفض المشاركة في الردع النووي. لكن هذا الأمر يتسبّب بإشكالية سياسية للدول التي وافقت على تخزين أسلحة نووية أميركية على أراضيها. وهناك حوار جارٍ حالياً في بلدان ليست أعضاء في الحلف، لكنها تتعاون معه، كالسويد وفنلندا وسويسرا، لمعرفة ما إذا كان انضمامها إلى الاتفاقية سيُفضي إلى وقف هذا التعاون. هذه البلدان المحايدة تخضع لابتزاز القوى النووية بالنسبة إلى تعاونها العسكري معها، ولتهديدات بالحدّ منه أو وقفه». غير أن الدبلوماسي السابق يعتقد أن مواقف الكثير من هذه الأطراف مرشّحة للتغير، «ففي هولندا وبلجيكا، التي لديها اليوم حكومة ائتلافية، قد ينجم التغيير عن عوامل سياسية داخلية. وفي الكثير من دول الحلف، هناك نقاش داخلي حول هذه المسألة، ويكفي تبنّي قرار رافض للاحتفاظ بمخزون الأسلحة النووية الأميركية في أحد برلمانات هذه البلدان، نتيجة لمعارضة قطاعات وازنة من رأيها العام، لإفساح المجال أمام تطوّرات مهمّة على المدى المتوسّط».
الحجّة الرئيسة التي تلجأ إليها الدول التي تمتلك أسلحة نووية هي أن اتفاقية الحظر قد تُضعِف اتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية، ما يثير سخرية مارك فينو. «بعد 50 عاماً على تبنّيه، ليس بإمكاننا الجزم ما إذا كانت الحصيلة الإجمالية لاتفاق الحدّ من انتشار الأسلحة النووية إيجابية أم سلبية. يمكننا القول، إن أردنا أن نرى الجوانب الإيجابية، إن مخاوف الرئيس كندي في بداية الستينيات من أن تمتلك من 30 إلى 35 دولة السلاح النووي لم تتحقّق. لكننا ما زلنا بعيدين جدّاً عن إنجاز هدف وقف التسلّح، على الرغم من أن فرصاً سانحة للحوار حول هذا الموضوع تَوفّرت في مناسبات عدّة. إذا أخذنا اتفاقية منع التجارب النووية مثلاً، فإن نصّها ما زال محطّ نقاش، ولم تنجح أطرافه في تجاوز العقبة المُتمثّلة في المواد الانشطارية. نعرف أن أيّ حظر مستقبلي لإنتاجها لن يكون له وقع يُذكر بالنسبة إلى وقف التسلّح نظراً إلى ضخامة المخزون المتوفّر من هذه المواد، والذي يتيح إنتاج كمّ هائل من الأسلحة النووية. يتعثّر التفاوض أيضاً عند التطرّق إلى اتفاق الحدّ من انتشار الأسلحة النووية على الرغم من أن المطروح هو استكماله وليس تجاوزه»، يختم مارك فينو.
في الواقع، فإن القوى الغربية تحرص على تثبيت توازن القوى الموروث من مرحلة الاستعمار المباشر، عبر تبرير امتلاكها للسلاح النووي انطلاقاً من اعتبارات أمنية، والسعي إلى حرمان الدول غير الغربية من ذلك. ومهما كانت المفاعيل غير المباشرة، وكذلك الضغوط، المتأتّية عن مصادقة دول لا تمتلك السلاح النووي على اتفاقية حظر الأسلحة النووية، فإن الحدّ من انتشار هذه الأسلحة يرتبط أوّلاً بمدى استعداد القوى التي تمتلك أسلحة نووية، للتخلّي عنها.