كما كان مُقرّراً، وصل وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إلى موسكو، يوم أمس، من دون أن تُؤثّر التوترات الأخيرة بين الجانبين، على موعد الزيارة. ويعتزم المسؤول الأوروبي مناقشة قضايا كثيرة مع المسؤولين الروس، وعلى رأسهم وزير الخارجية سيرغي لافروف، قبل مشاورات استراتيجية من المقرَّر أن يجريها المجلس الأوروبي الشهر المقبل لبحث مستقبل العلاقات مع روسيا، أبرزها: خطوات هذه الأخيرة في أوكرانيا ودول الجوار، وأهمية استمرار الاتفاق النووي مع إيران، إضافةً إلى قضية المعارض أليكسي نافالني، التي سخّنت الأجواء أخيراً بين الطرفين.الزيارة التي تعدّ الأولى من نوعها لمسؤول أوروبي منذ عام 2017، تأتي في خضمّ سلسلة من الخلافات بين الروس والأوروبيين. وعلى رغم التحفّظات التي أبدَتها دول أعضاء في الاتحاد والبرلمان الأوروبيين في شأن جدوى الزيارة، إلا أنها كوّنت انطباعاً عن نية أوروبية للتهدئة مع روسيا. نيةٌ ترجمَها الحرص الذي أبداه بوريل على أن تضع المهمّة الموكلة إليه حداً للجمود في الاتصالات الدبلوماسية على المستوى الأوروبي منذ أربع سنوات، إذ كان قد أكّد، أكثر من مرّة، أن «العلاقة مع موسكو معقّدة، وهناك الكثير من القضايا الأمنية التي يجب مناقشتها»، مشدداً، في كلمة أمام مؤسسة «روبرت شومال» التي نشرت على «موقع الدائرة الأوروبية للشؤون الخارجية»، أمس، على أن «روسيا لا تزال جارة وشريكة رئيسية يتعيّن علينا مواصلة حوار حازم معها، إذا أردنا أن نصبح لاعباً عالمياً ونكون قادرين على التأثير في المسائل المهمّة لأمننا، مثل سوريا وليبيا وناغورنو قره باغ وبيلاروسيا وأوكرانيا. وهذا هو هدف زيارتي». هذا الانطباع قابله تخوّف في أوساط المراقبين الغربيين الذين اعتبروا أن الكرملين «سيستغلّ الزيارة ليصوّر الاتحاد على أنه لاعب ضعيف يعاني الكثير من المشاكل الداخلية».
كوّنت زيارة بوريل لموسكو انطباعاً عن نية أوروبية للتهدئة مع روسيا


ويبدو الانقسام الأوروبي تجاه قضيّة التعامل مع روسيا واضحاً؛ إذ إنه، وفي موازاة «الليونة» المفترض قراءتها في هذه الزيارة، فإن عدّة دول في التكتُّل عادت إلى التصعيد ضدّ موسكو على خلفية اعتقال نافالني لدى عودته إلى بلاده الشهر الماضي، ومنها ألمانيا التي لوّحت، أول من أمس، بفرض عقوبات إضافية ضدّ الروس، إضافة إلى إدانة بروكسل تعامل الشرطة الروسية مع التظاهرات التي خرجت ضدّ الكرملين. وبالنسبة إلى الرؤية الفرنسية لزيارة بوريل، فقد عبّر عنها وزير الخارجية، جان إيف لودريان، الذي قال إن رئيس الدبلوماسية الأوروبيّة سيذهب «حاملاً مطالب موجّهة إلى السلطات الروسية»، و»عند عودته سيدرس الأوروبيون نتائج هذه الزيارة». وسيعقد وزراء الخارجية الأوروبيون اجتماعاً في 22 شباط/ فبراير الجاري، حول نتائج مهمّة بوريل، لاستخلاص النتائج وعرضها أمام القادة الأوروبيين الذين سيجتمعون في نهاية الشهر الجاري، قبل قمّتهم المخصّصة لبحث مستقبل العلاقة مع روسيا، والتي ستعقد الشهر المقبل.
وبدا تضارب الرأي الأوروبي حيال الزيارة ظاهراً في حديث رئيس قسم السياسة الخارجيّة في المركز الأوروبي للإصلاح، إيان بوند، الذي كان قد عبّر عن أسفه لأن «الاتحاد يملك الأدوات اللازمة، لكنه يقلّل من أهمية قدرته في التأثير على سلوك الروس». وأشار إلى أن «الاقتصاد الروسي يعتمد على الأوروبيين لشراء المحروقات وبيع السلع والخدمات»، معتبراً أن مشروع خط أنابيب الغاز «السيل الشمالي 2» بين روسيا وألمانيا «إحدى هذه الوسائل». والجدير ذكره أن مشروع خط الأنابيب يُعدّ إحدى النقاط الخلافيّة بين دول الاتحاد. ففي حين تطالب باريس بالتخلّي عنه، وهو أمر أشار إليه لودريان مجدّداً، أمس، فإن برلين تتمسّك به، وهي أكّدت مراراً ضرورة مواصلة العمل فيه.