بعثت موسكو، يوم أمس، بإشارات تهدئة إلى كييف، ومن ورائها حلفاؤها الغربيون، بقرارها أوّلاً سحب قواتها المحتشدة قرب الحدود مع أوكرانيا وفي شبه جزيرة القرم، وبإبداء رئيسها، فلاديمير بوتين، ثانياً، استعداده لاستقبال نظيره الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، في موسكو «في أيّ وقت» للتباحث في علاقاتهما الثنائية التي شهدت تراجعاً ملحوظاً في ظلّ الإدارة الأميركية الجديدة، ولا سيما أن هذه الأخيرة اشتغلت على تأجيج التوتُّر بين موسكو والغرب، وهو ما أفضى إلى استعار المواجهات الكلامية، وتبادل طرد الدبلوماسيين.وفي حين لاقى الرئيس الأوكراني إعلان موسكو بالترحيب، معتبراً أن «خفض القوات على حدودنا يؤدِّي إلى انخفاض نسبي للتوتّر»، قلّلت وزارة الخارجية الأميركية على لسان الناطق باسمها، نيد برايس، من شأن الخطوة الروسية، بإعلانها أن الولايات المتحدة تنتظر «أفعالاً» وليس «أقوالاً»، وأنها «ستواصل مراقبة الوضع عن كثب». وفي الإطار نفسه، جاء ردّ فعل «حلف شمالي الأطلسي»، الذي اكتفى بالإشارة إلى أنه أخذ علماً بإعلان سحب الجنود الروس، لكنّه يبقى «متيقظاً» ويدعو موسكو إلى سحب جميع قواتها من الأراضي الأوكرانية. وأكد، في بيان، أن «كلّ تدبير لخفض التصعيد من جانب روسيا سيكون مهمّاً، لكن كان ينبغي اتّخاذه منذ وقت طويل. سنواصل، وعن كثب، متابعة تعزيزات روسيا العسكرية غير المبرّرة في أوكرانيا ومحيطها».
أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أن واشنطن تنتظر «أفعالاً» وليس «أقوالاً»


ويبدو أن أوكرانيا تراجعت عن اتهاماتها لروسيا بالسعي إلى «تدمير» البلاد والتحضير لـ»غزو»، والتي ترافقت مع الحشد العسكري الروسي الذي زاد من حدّة التوتّر في منطقة دونباس. لكن موسكو ردّت بأن جنودها يقومون بـ»تدريبات» تهدف إلى التعامل مع «أعمال تهديدية» لـ»الناتو»، ومع «الاستفزازات» الآتية من كييف، مؤكدةً مراراً «عدم تهديد أيّ أحد». وفي إطار الإعلان المفاجئ الأخير، قال وزير الدفاع الروسي، سيرغي شويغو، في بيان، إن «القوات أظهرت قدرتها على ضمان الدفاع الموثوق عن البلاد. لذلك قرّرتُ إنهاء أنشطة التدقيق في المقاطعات العسكرية الجنوبية والغربية» المتاخمة لأوكرانيا، وأمر بـ»عودة القوات إلى نقاط انتشارها الدائمة» اعتباراً من اليوم الجمعة. وكان شويغو قد وصل، قبل ذلك بساعات قليلة، إلى شبه جزيرة القرم، لحضور مناورات عسكرية يشارك فيها 10 آلاف جندي وسلاح الجوّ ونحو 40 سفينة حربية وقوات الدفاع الجوّي وقوات محمولة جوّاً. وقبل إطلاق المناورات، أُجري العديد من التدريبات الأخرى في الأيام السابقة في البحر الأسود، حيث فرضت موسكو قيوداً لمدّة ستة أشهر على ملاحة السفن العسكرية والرسمية الأجنبية في ثلاث مناطق قبالة شبه الجزيرة الملحَقَة بها، ولا سيما حول شبه جزيرة كيرتش، والمنطقة الأخيرة تعدّ الأكثر حساسية لكونها قريبة من مضيق كيرتش الذي يربط البحر الأسود ببحر آزوف.
في هذا الوقت، أبدى الرئيس الروسي استعداده لاستقبال نظيره الأوكراني في موسكو للتباحث في علاقاتهما الثنائية. ولدى سؤاله عن اقتراح عقد لقاء مع زيلينسكي، على هامش لقاء مع نظيره البيلاروسي، أليكسندر لوكاشينكو، قال بوتين: «إذا كان الأمر متعلّقاً بالتحدُّث عن العلاقات الثنائية، إذاً بالطبع، نحن مستعدّون لاستقبال الرئيس الأوكراني في موسكو في أيّ وقت مناسب له». لكنه رأى أنه إذا أراد التحدُّث عن النزاع بين قوات كييف والانفصاليين الموالين لروسيا في شرق أوكرانيا، فينبغي عليه «قبل كلّ شيء لقاء قادة» الجمهوريّتَين المعلنتَين من جانب واحد، وليس هو.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا