طهران | توازياً مع تواصل محادثات فيينا الهادفة إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي، تتّجه الأنظار الأميركية، بقلق، إلى سفينتَين إيرانيّتَين دخلتا المحيط الأطلسي، في أطول عملية إبحار للقوّة البحرية الإيرانية، مند انتصار الثورة. وكانت المدمّرة الجديدة "سهند"، المحلّية الصنع، وسفينة "مكران" لجمع المعلومات الاستخبارية - ناقلة نفط سابقة تمّ تحويلها إلى قاعدة عائمة بتزويدها بمنصّة إطلاق متنقّلة للمروحيّات - غادرتا ميناء بندر عبّاس جنوب إيران، في العاشر من أيار الماضي، وفقاً لمساعد القائد العام للجيش الإيراني، الأميرال حبيب الله سياري. وهو ما اعتبرته الولايات المتحدة "استفزازاً"، وسط تقارير أميركية تدّعي أن "السفن تحمل أسلحة حربية إلى فنزويلا وكوبا، وفقاً لمعاهدة أُبرمت معهما في عهد الرئيس السابق، دونالد ترامب". وذهبت واشنطن إلى حدّ إنذار لكراكاس بفرض المزيد من العقوبات عليها، في حال استقبلت هاتين السفينتَين.وفي أوّل تعليق علني من إدارة جو بايدن على القضية، قال وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، ردّاً على أسئلة المشرّعين بشأن السفن: "أنا قلق للغاية بشأن انتشار الأسلحة، أيّ نوع من الأسلحة، في منطقتنا". ووفقاً لصحيفة "بوليتيكو" الأميركية، فإن "ما هو واضح، وفقاً لبعض المحلّلين والمسؤولين الأميركيين السابقين، هو أن طهران وكراكاس تواصلان توسيع علاقاتهما الثنائية والتعاون العسكري في مواجهة العداء الأميركي". أمّا ما يتحسّب له المسؤولون الأميركيون، على المدى الطويل، فهو أن "مثل هذا التعاون من قِبَل أعداء أميركا - وهي مجموعة تضم أيضاً روسيا والصين - يمكن أن يؤدّي إلى إضعاف قدرة واشنطن على تأطير سلوكها، من خلال العقوبات والوسائل الأخرى".
وفيما يذهب البعض إلى اعتبار تحرّك هذه السفن مرتبطاً بالضغط المتبادل في إطار المحادثات النووية، ينفي خبير العلاقات الدولية، والمستشار الثقافي السابق في لبنان، محمد مهدي شريعتمدار، وجود علاقة بين الأمرين، قائلاً إن "المسارات مفصولة". ويوضح، في حديث إلى "الأخبار"، أن "هذا المشروع عمره سنوات، وهو يضاف إلى القطع الإيرانية المحلّية الصنع، والتطوّر الإيراني الذاتي"، مضيفاً أنه "الآن، جاء موعد قطف ثماره، بغضّ النظر عن عملية التفاوض وتوقيتها". على الجانب الإيراني أيضاً، يرى كثيرون أن الولايات المتحدة تعتمد أسلوب التهويل ذاته، مؤكّدين أنّ ذلك لن يؤثّر على الخطط الإيرانية. وفي هذا الإطار، يعتبر شريعتمدار أن "أميركا تستفزّ نفسها"، مشيراً إلى أن "إيران ليست مهتمّة، ومستمرّة في بناء قوة الردع، وهذه المشاريع لم ولن تتوقّف بسبب المفاوضات النووية". ويشدّد الخبير في العلاقات الدولية على أن ما تقوم به طهران "حقّ دولي، إلى جانب الحق في الوجود في جميع المحيطات لحماية المصالح الإيرانية، مخافة تعرّضها لأيّ استفزاز من الأساطيل والسفن المعادية لها، كما شهدنا في السابق".
حذّرت واشنطن كراكاس من عقوبات جديدة في حال استقبلت السفينتَي


من جهته، يشير المحلّل السياسي الإيراني، حسين روي وران، إلى أن طهران لم تكشف عمّا يوجد داخل السفن، بينما تعتبر واشنطن أنها تحمل صواريخ وأسلحة. وبعد تأكيده أن وجهة السفينتين هي فنزويلا، يقول في حديث إلى "الأخبار"، إن "إيران لم ترسل السفينة الحربية وحدها، بل أرسلتها مع حاملة، وهذا لا يعني التحدّي العسكري، بل حمايةً للتبادل التجاري ضمن القوانين الدولية، التي التزمت بها أميركا ضمن الاتفاق الذي تناقشه وتريد العودة إليه". ويضيف: "لو افترضنا أن السفينة تحمل سلاحاً، فهذا لا يتعارض مع القانون الدولي، خصوصاً بعد خروج إيران من حظر بيع الأسلحة قبل عام"، معتبراً أن "الطرف الأميركي يصرّ على التعامل بمنطق القوة، وفرض المحاذير غير القانونية". وفي هذا السياق، يرى المحلّل السياسي أن "حكومة بايدن لا تريد الخروج من الهندسة التي وضعها ترامب للعقوبات"، لافتاً إلى أن "التراتبية التي يتحدّثون بها، تعني رفع العقوبات من جانب وإبقاءها في جانب آخر، كما هي الحال مع المصرف المركزي الإيراني، المفروضة عليه عقوبات بسبب الإرهاب والملفّ النووي وحقوق الإنسان". ومن هنا، يؤكّد أنه "لا يمكن لإيران أن تنتظر إيجابية أميركية لمتابعة برامجها وبناء قوة ردعها".
من جهته، يرى أحد المسؤولين في الهيئة المنظِّمة للانتخابات الإيرانية، في حديث إلى "الأخبار"، أن "هذا الإبحار جاء في التوقيت المناسب لكشف نيّة الطرف الأميركي في المراوغة للتأثير على مجريات ونتائج الانتخابات وعدم الرغبة في الوصول إلى اتفاق". ويضيف أن "الدليل على ذلك هو أن التحرّك الإيراني ضمن الأصول القانونية أثار حفيظة واشنطن، ودفعها إلى الاستنكار والتلويح بفرض عقوبات دولية جديدة"، معتبراً أن "هذه خطوة ذكية، إلّا أنها تكشف النيّات الأميركية أمام الرأي العام الإيراني قبيل الانتخابات".