يبدو أن جلّ ما يهمّ الأميركيين في مرحلة ما بعد انتخاب إبراهيم رئيسي رئيساً لإيران، هو كيفية المحافظة على التقدُّم المُحرَز في مفاوضات فيينا، تمهيداً لإحياء الاتفاق النووي لعام 2015، من دون ظهور عقبات إضافية. ولذا، قد يكون بإمكان إدارة جو بايدن الإفادة من الأسابيع القليلة المتبقّية من عمر حكومة حسن روحاني لإتمام العودة إلى الاتفاق. لكن، مع ذلك، تُجمع وسائل الإعلام الأميركية، التي أولَت الحدث الإيراني أهمية خاصة، على أن اعتلاء رئيسي سُدّة الحكم لن يؤثّر على آفاق إحياء الاتفاق، لكون المرشد الأعلى، علي خامنئي، هو مَن يملك الكلمة الفصل في هذا الخصوص، أيّاً كان اسم الرئيس أو توجُّهه.في هذا الاتجاه، ترى صحيفة «نيويورك تايمز» أن الأسابيع التي تسبق تولّي حكومة جديدة زمام السلطة في إيران، يُحتمل أن تشكّل «فرصة فريدة» لعودة إدارة بايدن إلى الاتفاق، لكون إعلان فوز رئيس السلطة القضائية السابق في الانتخابات الرئاسية، «أثار فرصة دبلوماسية كان من الصعب التنبّؤ بها، وهي أن صعود حكومة متشدَّدة في إيران قد يمنح الإدارة الأميركية فرصة وجيزة لإحياء الاتفاق النووي». ويعتقد كبار مساعدي بايدن ممَّن شاركوا في محادثات فيينا أن «اللحظة المناسبة ربّما حانت». وفي الإطار ذاته، يصرّ مسؤولو الإدارة، كما تنقل عنهم وكالة «أسوشييتد برس»، على أن انتخاب «متشدِّد» رئيساً لإيران، «لن يؤثّر على آفاق إحياء الاتفاق النووي»، على رغم وجود دلائل تفيد بأن هدف واشنطن المتمثّل في عقد صفقة «أصبح أكثر صعوبة»، ولا سيما بعد تلاشي التفاؤل بصفقة وشيكة مع انتهاء جولة المحادثات السادسة من دون مؤشّرات ملموسة إلى إحراز تقدُّم كبير. وفي تعليقه الأوّل بعد إعلان النتائج الرسمية، رفض الرئيس الإيراني المنتخَب اقتراح بايدن المتمثّل في توسيع الاتفاق النووي. من جهتهم، يقول مسؤولون أميركيون، تحدّثوا إلى موقع «بوليتيكو»، إن المحادثات تحرِز تقدُّماً، لكن أحداً لا يستطيع التنبّؤ بشكل قاطع بأن هناك اتفاقاً وشيكاً، إذ يُحتمل أن يؤدّي انتخاب رئيسي إلى تعقيد المداولات الجارية. وبحسب مسؤول أميركي مطّلع: «يجري التفاوض على كلّ شيء تحت شعار: لا شيء مُتّفَق عليه، حتى يتمّ الاتفاق على كلّ شيء». لذا، فإنه «لا شيء متّفق عليه، لأنه لم يتمّ الاتفاق على كلّ شيء. هناك خلافات قليلة متبقية، لكن من حيث التعريف، ما تبقّى يعتبر الأكثر صعوبة». وكانت انتهت الجولة الأخيرة من المباحثات من دون تحديد موعد الجولة السابعة، فيما أعلن رئيسي رفضه المطلق لأكثر من الحدّ الأدنى من امتثال إيران لاتفاق 2015، في مقابل رفع جميع العقوبات الأميركية، متجاهلاً الدعوات إلى متابعة المناقشات من أجل توسيع الاتفاق النووي ليشمل برنامج الصواريخ الباليستية، وحضور طهران في المنطقة، باعتبارهما ملفّين «ليسا قابلين للتفاوض»، علماً بأن هذه الموضوعات يأمل المسؤولون الأميركيون معالجتها كجزء من صفقة متابعة أوسع مع الجمهورية الإسلامية.
جرى التركيز على دور المرشد الإيراني بصفته «الآمر الناهي» في أيّ اتفاق محتمل


وجرى التركيز على دور المرشد الإيراني، بصفته «الآمر الناهي» في أيّ اتفاق محتمل؛ إذ تنقل «نيويورك تايمز» عن مسؤولين في كلّ من واشنطن وطهران أن خامنئي يريد بالفعل إحياء الاتفاق النووي مع الغرب، وذلك من أجل رفع العقوبات الصارمة التي أبقت النفط الإيراني خارج السوق العالمية. ويعتقد هؤلاء أن المرشد - الذي كان يدير ليس فقط ملفّ الانتخابات بل أيضاً المفاوضات النووية -، على حدّ وصف الصحيفة، لا يريد التخلّى عن أفضل أمل له في تخليص بلاده من العقوبات. وتُظهر المؤشرات أن القرار النهائي للمضيّ قدماً في الصفقة مع الأميركيين قد يأتي في الأسابيع القليلة المقبلة، قبل تنصيب رئيسي، وفي حين لا تزال حكومة إيرانية «أطول عمراً وأكثر اعتدالاً في السلطة». وهذا يعني، وفق الصحيفة، أنه سيتمّ إعداد المعتدلين لتحمّل اللوم على «الاستسلام للغرب»، وتحمُّل وطأة الغضب الشعبي في حال لم ينقذ تخفيف العقوبات اقتصاد البلاد المتضرّر. ولكن احتمال تزامن الصفقة مع وصول الحكومة المحافظة إلى السلطة، سيعني أن لها الفضل في حدوث أيّ انتعاش اقتصادي، ما من شأنه أن «يعزِّز الطرح القائل إن الأمر كان يتطلّب حكومة قومية متشدّدة للوقوف في وجه واشنطن وإعادة البلاد إلى السكة الصحيحة». ويجادل المسؤولون الأميركيون، وفق «أسوشييتد برس»، بأن المرشد الأعلى سيتّخذ القرار النهائي بصرف النظر عن اسم الرئيس أو توجّهاته. وعلى هذه الخلفية، جاء تصريح الناطقة باسم البيت الأبيض، جين ساكي، حين قالت: «وجهة نظر الرئيس ووجهة نظرنا هي أن زعيم القرار هو المرشد الأعلى. كان هذا هو الحال قبل الانتخابات؛ وهذا هو الحال اليوم. وسيكون هذا هو الحال على الأرجح لاحقاً»، فيما اعتبر الناطق باسم الخارجية، نيد برايس، أنه «سيكون لإيران، كما نتوقّع، المرشد الأعلى نفسه في آب، كما كان الحال قبل الانتخابات، ولدى صياغة الاتفاق في عام 2015». ولكن مصادر داخل مفاوضات فيينا تؤكد أن هناك عقبتين رئيستين يمكن أن تُعرقلا جهود بايدن لاستعادة الصفقة مع الإيرانيين؛ فمن جهة، يطالب الإيرانيون بالتزام مكتوب يمنع أيّ حكومة أميركية مستقبلاً من إلغاء الاتفاق كما فعل دونالد ترامب، وهو «مطلب يبدو معقولاً.. لكن لا يمكن أي ديموقراطية حقيقية أن تصنعه»، بحسب تعبير أحد كبار المسؤولين الأميركيين لـ«نيويورك تايمز». ومن جهة ثانية، تطالب إدارة بايدن بأن توافق إيران كتابياً أيضاً على عودة فورية إلى طاولة المفاوضات، بمجرّد استعادة الاتفاق القديم، والبدء بصياغة شروط اتفاق «أوسع وأطول مدى».