لم يكن الهدوء الذي ساد المشهد الفنزويلي، بعد الانتخابات البرلمانية في السادس من كانون الأول الماضي، إلا فرصة لالتقاط الأنفاس والإعداد للمواجهة الحاسمة بين الحزب الاشتراكي وحلفائه الذين يحتفظون برأس السلطة، والمعارضة التي حصدت غالبية برلمانية تتيح لها التحكم في الإدارة التشريعية.المواجهة التي استعدّ لها الطرفان حملت عناوين صدامية تنذر بضراوة الاشتباك المقبل، الذي بدأ فعلياً بعد عدول الوزراء الاشتراكيين عن المثول أمام البرلمان لمناقشة الخطة الإنقاذية للاقتصاد الفنزويلي التي طرحها الرئيس نيكولاس مادورو وتبنّتها الحكومة، فردّ البرلمان برفض الخطة حتى قبل دراستها أو مناقشتها في الأروقة الداخلية.
جاء الرد على الرد بتسيير تظاهرات حاشدة في معظم المدن الفنزويلية دعماً لمبادرة مادورو، وعليه فإن صفارة المواجهة قد أُطلقت وشرعت البلاد أمام الاحتمالات الصعبة.
وضعت القيادة العسكرية على الطاولة خياراً لتدارك الأسوأ بانتظار ما ستؤول إليه الأمور

يبرّر الاشتراكيون تغيّبهم عن الاستجواب البرلماني بحجة رفض الطريقة الاستعراضية التي كانت تهيّئ لها المعارضة من خلال النقل المباشر للجلسة، فيما تعيش البلاد ظروفاً دقيقة وحساسة تستدعي نقاشاً مستفيضاً خارج المناكفة وتسجيل النقاط. المعارضة سخِرت من المشروع الإنقادي المبني على خطة طوارئ اقتصادية تمتد لستة أشهر، معتبرةً أن مادورو وحكومته استنفذوا وقتاً طويلاً وزادوا الأمور سوءاً وتعقيداً، وأن مرحلة الأشهر الستة لا تعدو كونها تمريراً للوقت من دون أيّ مفاعيل عملية.
على الرغم من محاولة تأطير الصراع في الجوانب الإجرائية حتى الساعة، إلا أن الحقيقة تبدو أكبر وأعمق من مجرد خلاف على تشريع ما، بل يصل الأمر إلى مستوى استحالة التعايش بين الطرفين، وهي حقيقة أقرّها رئيس البرلمان هنري راموس ألوب الذي دعا إلى العمل على إقالة الرئيس نيكولاس مادورو في فترة لا تتجاوز ستة أشهر. دعوة ردّ عليها مادورو بحزم، محذراً من أن السلام في فنزويلا مشروط ببقائه في القصر الرئاسي. وعليه، فإن فنزويلا باتت فوق صفيح ساخن، يهدد أمنها واستقرارها ما لم تتخلّ المعارضة عن حربها الإلغائية وتعترف السلطة بالواقع السياسي الجديد، واللجوء إلى تعايش بحده الأدنى لإدارة أمور الدولة المنهكة اقتصادياً وسياسياً.
أمام هذا التوتر، برزت أصوات سياسية وإعلامية تدعو إلى التعقل والحكمة بعد انسداد الأفق السياسي. وهي ربما تحاكي حالة الهلع التي أصابت الداخل الفنزويلي بعد انزلاق الأمور إلى ما يشبه التحشيد لبدء معركة كسر العظم، مشهد يحذر منه الكاتب السياسي الفنزويلي القريب من المعارضة ألفريدو لوبيز الذي وصف التصادم بين مؤسسات الدولة وحدة الخطاب بأنهما باتا ينذران بحرب أهلية وشيكة، ما لم يطلق الحوار السياسي في البلاد المبني على الاعتراف المتبادل والعمل معاً لإنهاء الأزمة الكارثية التي تحل بفنزويلا وشعبها.
ولكن دعوات التعقل بدت خافتة أمام حدة التطورات المتسارعة، التي بدأت بحرب إعلامية وخطابية لم تشهدها البلاد حتى في ذروة أزماتها. فقد شقّ الاشتباك السياسي مؤسسات الدولة وحوّلها إلى متاريس حزبية؛ النائب الاشتراكي ديوسدادو كابيللو وصف البرلمان بالسيف المصلت على رقبة الشعب، وحذر المعارضة من التمادي في عرقلة المشاريع التنموية بهدف الانتقام السياسي. أما الكاتب السياسي غريغوري ويلبرت، فقد رأى أن نشوة المعارضة وسياستها الاستعلائية ستأخذان البلاد إلى المجهول. وعن طموح المعارضة في إقالة مادورو، قال ويلبرت لـ"الأخبار" إن "اليمين الفنزويلي يتعاطى بسطحية مع هذا الملف، حيث إن الاستفتاء الشعبي على عزل الرئيس يتطلّب، مسبقاً، توقيع ثلث الناخبين الفنزويليين، أي ما يقارب أربعة ملايين فنزويلي، وهو أمر شبه مستحيل".
من جهتها، وصفت المعارضة، على لسان زعيمها أينريكي كابريلس، قرارت الرئيس نيكولاس مادورو بالسم القاتل، وهاجم كابريلس الحكومة داعياً وزراءها إلى فتح ملفاتهم المالية أمام البرلمان، فيما تداعى عشرات الكتاب الصحافيين المعارضين إلى اعتبار مادورو وحكومته جزءاً من الماضي، وأن حاضر فنزويلا ومستقبلها سيكونان خاليين من "التشافيزية". وعلى صعيد استفتاء العزل الرئاسي، تتحدث المعارضة عن فرصها المؤكدة في تحقيق هذا الإجراء، مذكّرة بأنها جمعت ما يقارب ثلاثة ملايين توقيع إبان حكم الرئيس الراحل هوغو تشافيز، في وقت كان فيه الاشتراكيون أكثر قوة ونفوذاً.
وفيما تتحدث المعارضة عن خياراتها المقبلة، كان الاشتراكيون يسترجعون خطاب الثورة، ويلوّحون بخياراتهم المفتوحة لمواجهة حرب الإلغاء التي تسعّرها المعارضة مدعومة من الخارج، وليس آخرها تحريض رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي على الحكومة الاشتراكية، في وقت كان فيه الرئيس نيكولاس مادورو يمدّ يده إلى المعارضة للعمل المشترك من أجل النهوض بالبلاد.
وأمام استعراض الخيارات، أشار مصدر سياسي لـ"الأخبار" إلى أن ثمة خياراً قد يكون الأقل سوءاً لتدارك الأسوأ، وهو خيار وضعته القيادة العسكرية على الطاولة، في انتظار ما ستؤول إليه الأمور.