حلّت نهاية شهر تموز كالصاعقة على المستأجرين الأميركيين، لتزامنها مع انتهاء مفعول القرار الصادر عن «مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها» (CDC)، والذي حال، لسنة كاملة، دون طرد الذين أجبرتهم تداعيات وباء «كورونا» على التخلّف عن دفع الإيجار. لكن خطوة اتُّخذت في اللحظات الأخيرة، تمّ بموجبها تمديد القرار لشهرين، كانت كفيلة بتأجيل الكارثة، من دون أن تنفي احتمالاتها الكثيرة، ليبقى الثابت في ذلك كلّه أن الولايات المتحدة ظهرت غير مهيّأة لفترات استثنائية كهذه ولحماية مواطنيها خلالها.
أين ذهبت المساعدات؟
نظرياً، تبدو المعادلة بسيطة جداً. بين كانون الأول وآذار، صرف الكونغرس مبلغ 47 بليون دولار كمساعدة غير مسبوقة للولايات، لتقوم هذه الأخيرة بتوزيعها على المستأجرين كي يسدّدوا إيجاراتهم. بيد أنه، حتى اليوم، تمّ توزيع 3 بلايين دولار فقط، أي ما يعادل 7%، فيما بدأت الملاجئ فعلياً بالاستعداد لاستقبال مَن قد يغادرون منازلهم، في الفترات المقبلة، علماً بأن البعض منهم حزم أغراضه وخرج يبحث عن مكان جديد للعيش، بحسب صحيفة «نيويورك تايمز». وحتى بداية هذا الأسبوع، كان مسؤولو إدارة الرئيس جو بايدن يكثّفون الاتصالات لحثّ الولايات على إيقاف أصحاب المُلك عن طرد المستأجرين، أو الحدّ من وتيرة عمليات الطرد على الأقلّ، إلى حين إعادة تفعيل التمويل. لكن ما الذي منع الولايات من صرف المساعدات بسرعة، في ظلّ ظروف استثنائية كهذه لتجنيب المستأجرين تلك المعاناة؟
يوضح موقع «فوكس» أن الأمر أعقد من ذلك بكثير. فبحسب «التحالف الوطني للإسكان منخفض الدخل» (NLIHC)، تشترط برامج توزيع المساعدات، والتي يفوق عددها 340 برنامجاً، على المستأجرين، تقديم الكثير من الوثائق والأدلّة التي تُثبت حاجتهم الفعلية إلى المساعدة. كما أن بعضها يشترط على من يريد تلقّي الإعانة أن يكون قد تخلّف عن دفع الإيجار لشهرين أو أكثر، في حين أن عدداً كبيراً من المستأجرين تمكّنوا من دفع الإيجارات من خلال الاستدانة، أو استنزاف مدّخراتهم، أو حتى بيع أغراضهم، ثمّ رُفضت طلباتهم على رغم أنهم أصبحوا عاجزين عن الدفع تماماً، ومعرّضين لخطر الإخلاء القريب. أمّا المشكلة الأكبر، وفق الموقع، فهي أن عدداً كبيراً مِمّن هم الأكثر احتياجاً إلى المساعدة لا يدرون أن بإمكانهم التقديم للحصول عليها، أو متى عليهم فعل ذلك.
وبحسب الموقع نفسه، تتلخّص المشكلة في عدم امتلاك الولايات والسلطات المحلية برامج للإغاثة في ما يتعلّق بالإيجار، تُمكّنها من توزيع المساعدات الفدرالية، خصوصاً إذا كانت بهذا الحجم الاستثنائي. وبالتالي، فهي وجدت نفسها غير قادرة على التوظيف، وإنشاء المواقع الإلكترونية، ونشر التوعية بالسرعة المناسبة. كذلك، يؤكد خبراء أن الوباء كشف محدودية إحاطة السلطات بسوق الإسكان في البلاد، علماً أن شبح الطرد من المنازل يلاحق المواطنين، منذ وقت طويل. علاوة على ما تقدّم، فإن 41% من وحدات الإيجار يملكها مستثمرون صغار، ممّا يعني أنهم غير قادرين على تحمّل أشهر من التخلّف عن الدفع.

استعدادات للكارثة
منذ أن حذّرت المحكمة العليا، في وقت سابق، من أن «مركز السيطرة على الأمراض والوقاية منها» لن يجد «الشرعية القانونية» لتمديد قرار تجميد الطرد - الذي انتهى في 31 حزيران - في حال لم يحصل على الموافقة الواضحة والمحدّدة من الكونغرس، تتالى تقاذف المسؤوليات بين الحكومة الفدرالية والولايات من جهة، وبين البيت الأبيض والكونغرس من جهة أخرى. وكاد ذلك يقضي على آمال المستأجرين بتمديد قرار تجميد طردهم، قبل أن تعلن السلطات الصحّية، الأربعاء، بضغطٍ من الجناح اليساري في «الحزب الديموقراطي»، تمديد المهلة حتى تشرين الأول، مستندة في قرارها إلى وجود مخاطر على الصحّة العامة في ظلّ جائحة «كورونا»، مع تفشّي المتحوّر «دلتا». في هذه الأثناء، تتجهّز الملاجئ والمنظّمات في عدد من الولايات لاستقبال الأشخاص الذين قد يُطردون في الفترات المقبلة. ففي ولاية لاس فيغاس، تُوسّع الملاجئ أَسرّتها لاستقبال «تسونامي» من اللاجئين، ما سيزيد «الضغط على الملاجئ المحلية التي تحاول أصلاً مساعدة آلاف الأفراد المشرّدين»، وفق ما نقل الإعلام المحلّي عن المسؤولين في الولاية. وفي فلوريدا، تسود مخاوف من خطر كبير محدق بالصحّة العامة، بالنظر إلى أن إخلاء المنازل يتزامن مع تسجيل أعلى عدد من الإصابات بـ«كورونا» منذ مدّة.
مع تفشّي الوباء وبروز الأزمة الاقتصادية الخانقة عادت حملة إلغاء الإيجارات إلى الواجهة


إزاء ذلك، يحاول المسؤولون، اليوم، تضييق مساحة الكارثة المتوقّعة، عبر إجراءات من بينها استكمال الولايات توزيع مساعدات الإيجار، والذي «سيكون له أثر كبير في التخفيف من حدّة عمليات الإخلاء هذه»، وفق الخبير الاقتصادي جين سبيرلنغ الذي أشار أيضاً إلى أن «إدارة بايدن ستبحث في كلّ الطرق الممكنة لتأمين المساعدة للمستأجرين»، بحسب شبكة «سي أن بي سي». غير أن سبيرلنغ نفسه حذر من أن عدد المواطنين الذين قد يخلون منازلهم قريباً - في حال لم يتم توزيع المساعدات خلال الشهرين المقبلين - يصل إلى مليوني شخصٍ تقريياً. وعلى رغم فظاعته، يبقى هذا الرقم أقلّ من الذي أظهره استطلاع أجراه «مكتب تعداد الولايات المتحدة» في أوائل تموز، بيّن أن 3.6 مليون أميركي قالوا إنهم يواجهون خطر الإخلاء خلال شهرين.

«ألغوا الإيجارات»
حتى قبل الوباء، لم يكن المستأجرون الأميركيون في أفضل حالاتهم، في ظلّ عجز الملايين منهم عن تحمّل تكاليف الإسكان. إذ إن 75% من الأُسر ذات الدخل المنخفض كانت تدفع أكثر من نصف دخلها على الإيجار، فيما واحد فقط من كلّ أربعة أشخاص من الذين يحتاجون إلى إعفاء من الإيجار العام، تلقّوه فعلياً. وبحلول خريف عام 2020، أصبح 43% من المستأجرين معرّضين لخطر الإخلاء، وفق مجلّة «جاكوبين» الأميركية. وفي آذار 2021، كشف تقرير صادر عن «التحالف الوطني للإسكان منخفض الدخل»، عن وجود نقص بنحو سبعة ملايين منزل للإيجار بأسعار منخفضة التكلفة، ومتاحة للمستأجرين ذوي الدخل المنخفض جدّاً، أو الذين عند مستوى الفقر أو تحت مستوى الفقر.
وفي مواجهة تلك الدوّامة التي تضع المستأجرين، بين الفينة والأخرى، أمام مصير مجهول، برزت، مجدّداً، حملة «إلغاء الإيجارات» في جميع أنحاء البلاد، حيث حقّقت إنجازات غير مسبوقة في ولاية نيويورك، و«سجّلت انتصاراً على أحد أقوى اللوبيات في عام 2019، بانتزاعها ضمانات للمستأجرين هي الأقوى في البلاد. كما نجحت في إحداث تعديلات على قوانين الإيجار لأوّل مرة منذ عقود». ومع تفشّي الوباء وبروز الأزمة الاقتصادية الخانقة، في عام 2020، عادت حملة إلغاء الإيجارات إلى الواجهة، فأحيَت مئات التظاهرات والتجمّعات، و«أضخم إضراب منسّق ضدّ دفع الإيجارات» منذ عشرات السنين، بحسب المجلّة نفسها.