يوم الثلاثاء الماضي، كانت منطقة ألتين داغ، في محافظة أنقرة، على موعد مع طعن شاب تركي يُدعى أميرخان يالتشين (18 عاماً)، على أيدي مجموعات تَبيّن أنها من اللاجئين السوريين. حادثةٌ انفجر الوضع على إثرها، ما دفع مئات الشبان الأتراك للتوجّه إلى المنطقة حيث قُتل الشاب، ورمي بيوت السوريين بالحجارة، قبل أن تُسارع الشرطة إلى التدخُّل لاحتواء الوضع واعتقال المتهمين. إلّا أن استمرار تخريب بيوت السوريين ومحالّهم، استدعى، بدوره، حشد المزيد من قوات التدخّل السريع، فيما سُجّل نزوح عدد كبير من هذه العائلات إلى مناطق أخرى. وفي تفاصيل ما جرى، يروي الكاتب سركان آلان، في صحيفة «غازيتيه دوار»، أن «الأتراك هاجموا بيوت السوريين وخرّبوها وسرقوا محتوياتها وأشعلوا النار في بعضها»، حتى إن المشهد نفسه بات يتكرّر في كلّ أنحاء البلدة: «سوريون يتأبّطون حقائبهم ويغادرون إلى أمكنة أخرى». وينقل الكاتب عن بعض اللاجئين، قولهم: «لقد جاؤوا وقالوا لنا هيّا اذهبوا. ولكن إلى أين نذهب؟»، فيما يلفت آخرون إلى أن المهاجمين كانوا غرباء عن المنطقة وجاؤوا من الخارج. وبينما يستنكر أحد السكّان الاعتداء على السوريين على اعتبار أنهم «ليسوا أجانب بل هم مسلمون»، فإن قريبة الضحية تقول: «(إننا) لا نريد لاجئين سوريين هنا. لقد قُتل أحد شباننا. منذ وقت طويل نقول لرجب طيب إردوغان أَعِدْهم إلى بلادهم، ولكنه لا يفعل. كنّا نُعطي أصواتنا لحزب العدالة والتنمية، لكننا لن نفعل بعد الآن».إزاء ذلك، برزت مخاوف من أن تكون الحادثة مدبّرة في سياق التحريض على اللاجئين السوريين، وهو ما عبّر عنه بعض المعنيين، داعين إلى اليقظة والتروّي. ورأى محافظ أنقرة المعارض، منصور صافاش، أن تكرار الحوادث المشابهة يستدعي خطّة عمل عاجلة في شأن اللاجئين، مُتمنّياً أن تضمن هذه الخطة عودة قريبة لهم إلى ديارهم. وفيما اعتبر الناطق الرسمي باسم حزب «العدالة والتنمية»، عمر تشيليك، أن ما جرى عمل تحريضي، صبّت المعارضة انتقادها على الحكومة، إذ قال زعيم «حزب الشعب الجمهوري»، كمال كيليتشدار أوغلو: «(إننا) ندرك حساسيّة الوضع، لكن يجب ألّا نسقط في فخّ السلطة. إن الانتقام لا يكون من المدنيين العزّل الأبرياء، بل بتصفية الحساب مع السلطة». من جهتها، وصفت الناطقة باسم «حزب الشعوب الديمقراطي» الكردي، إيبرو غوناي، ما جرى بأنه جزء من مخطّطات الفوضى التي يُراد تعميمها في البلاد، داعيةً إلى «التصرّف بهدوء» إزاءها. وفي الإطار نفسه، قال رئيس حزب «الحرية والتقدُّم» المعارض، علي باباجان، إن كسب الانتخابات لا يتمّ عبر إحراق البلد، داعياً الحكومة إلى توفير الشروط اللازمة لإعادة السوريين إلى بلادهم.
برزت مخاوف في تركيا من أن تكون الحادثة مدبّرة في سياق التحريض على اللاجئين السوريين


تعليقاً على الحادثة، يقول أحمد حاقان، في مقالته في صحيفة «حرييت»، إن احتمالات تعميم الفوضى في البلاد «كبيرة جداً». فالتعليقات، بحسبه، «تشي بذلك، وهذا الخطاب يفضي إلى النزعة العرقية والفاشية». وفي صحيفة «قرار»، يلفت عاكف باقي إلى أن تركيا تعاني من مشكلة اللاجئين، بسبب غياب سياسة حكومية خاصة بالهجرة، وهي مشكلة ستتفاقم وسط ترقُّب تدفّق مزيد من المهاجرين الأفغان إلى تركيا التي تستضيف أصلاً ثلاثة ملايين و690 ألفاً من السوريين. ووفق صحيفة «آيدينلق»، أظهر مقتل أميرخان أن «مشكلة اللاجئين مسألة أمن قومي»، وأن «الوضع يبدو مفتوحاً على صعوبات لا يمكن مواجهتها. لذا، فإن مسؤولية الحكومة كبيرة في وضع خطة للعلاج». واتّهمت الصحيفة الولايات المتحدة باستغلال مشكلات اللاجئين للتحريض على تركيا وإدخالها في مرحلة من الفوضى. وتَنقل الصحيفة عن مسؤول «حزب الوطن» في أنقرة، دينيز طوق غوز، قوله إن «مشكلة اللاجئين هي نتيجة، فيما المشكلة هي مخططات أميركا لتقسيم سوريا وتركيا وجعلهما مجرّد ممرّ للإرهاب". ويعتبر طوق غوز أن «تركيا لن تستفيد مطلقاً من صفتها الأطلسية. لذا، فإن حزب الوطن يدعو إلى تعزيز العلاقات مع الشرق مثل الصين وروسيا وإيران والدفاع عن وحدة سوريا وسيادتها. كما ندعو إلى عودة كلّ اللاجئين السوريين إلى بلادهم». وبحسب المسؤول في حزب «الوطن» في ألتين داغ، دينيز باشبينار، فإن «عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم مطلب مشترك للجميع ويريح الوضع. لذا، فإن اتفاقاً سريعاً مع سوريا هو الحلّ». من جهته، يقول نقيب المحامين، متين فيزي أوغلو، إنه «كان على اللاجئين السوريين أن يُجمعوا في معسكرات ومناطق محدّدة بعيداً عن التحريضات مع الناس. لكن نجد أنهم منتشرون في كل مكان»، مشدّداً أن على السوريين العودة إلى بلادهم، ولا سيما أن في سوريا مناطق آمنة كثيرة، كما أن السوريين في تركيا يذهبون إلى بلادهم ويعودون من دون أيّ عقبات. ويرى فيزي أوغلو أن الحلّ يكون باتفاق مع الدولة السورية لا مع أوروبا أو أميركا: «نحن وليس أميركا، باقون هنا في هذه الجغرافيا، وليس مَن هو بعيد عنّا عشرة آلاف كيلومتر».