ينصبّ اهتمام حركة «طالبان» المسيطِرة حديثاً على السلطة في أفغانستان، على إقليم لطالما ظلّ عصيّاً على مقاتليها، والذي منه نبتت، أخيراً، بذور معارضةٍ مسلّحة تضمّ في صفوفها فلول سلطات كابول المنحلّة، والتي قرّرت الالتحاق بأحمد مسعود، نجل قائد «المجاهدين» أحمد شاه مسعود، لتشكيل «مقاومة» يبدو أنها باتت تؤرّق الحركة الساعية راهناً إلى كسب الشرعية المطلوبة لتشكيل حكومة تقول إنها ستشمل مُجمل الأطياف الأفغانية. ومنذ يومين، يحيط الغموض الواقع الميداني في إقليم بانشير، الذي تقول «طالبان» إنها باتت تحاصره من اتجاهات ثلاثة، فيما يؤكد المتحصّنون فيه أن الحركة تكبّدت خسائر فادحة، وذلك بعد فشل جهود الوساطة لحلّ الأزمة، على رغم إبداء الطرف الآخر استعداده للحلّ السلمي، مشترطاً في هذا الإطار تشكيل حكومة تشاركية.بيد أن «طالبان» لم تُمهل خصومها وقتاً للتحرُّك ضدّها، بل كانت سبّاقة في إيفاد مقاتليها الذين توجّهوا بالمئات إلى منطقة بانشير، شمال شرق أفغانستان، لوأد الحراك المسلّح الذي تخشى تمدُّده إلى الأقاليم والمناطق التي تُحكِم سيطرتها عليها. وما حديث الناطق باسم «طالبان»، ذبيح الله مجاهد، أمس، عن أن مسلّحي الحركة سيطروا على كل المديريات التي وقعت بيد المعارضة في إقليم بغلان، وباتوا يضيّقون الخناق على بانشير، المعروفة بدفاعاتها الطبيعية، إلّا مقدّمة لدعوة «المقاومة» إلى التراجع، إذ تفضّل الحركة، على ما يظهر، «حلّ المسألة سلميّاً». وأشار مجاهد إلى أن «طالبان» تمكّنت من السيطرة على مديرية بنو، ووصل مقاتلوها إلى أبواب بانشير عبر وادي أندراب في إقليم بغلان، وباتوا يطوّقون وادي بانشير من أطراف بدخشان وتخار وبغلان، مضيفاً أن طريق سالنغ الرئيس بين العاصمة وشمال البلاد مفتوح ولا يوجد أيّ عائق على امتداده. لكن نائب الرئيس الأفغاني السابق، أمر الله صالح، الذي أعلن نفسه رئيساً موقّتاً، سارع إلى الردّ على ادّعاءات مجاهد، لافتاً إلى أن «طالبان طوّقت بانشير واقتربت قواتها منها، إلّا أنهم أي مسلّحي الحركة وقعوا في كمائن في وادي أندراب المجاور»، وذلك بعدما أغلق «مسلّحو المقاومة طريق سالنغ الرئيس بين كابول والمناطق الشمالية».
طالب مشرّعون في الكونغرس إدارة بايدن، بمدّ يد العون لأحمد مسعود


اندفاعة «المقاومة» وتهديداتها، سرعان ما خبت خلف تصريحات من قبيل الاستعداد للتفاوض مع «طالبان»، وهو ما أكده صالح نفسه، أوّل من أمس، داعياً إلى تشكيل حكومة تشاركية، كون جماعته لن تقبل «طالبان بإيديولوجيتها الحالية، وعليها أن لا تختار الحلّ العسكري». وفي هذا الاتجاه، أعرب أحمد مسعود عن أمله في إجراء محادثات سلام مع الحركة، لكنّه أكد أن قواته مستعدّة للقتال «إذا حاولت طالبان غزو إقليمهم». وجاءت خطوة «طالبان» بالتحرّك صوب بانشير بعد فشل كل الجهود الرامية إلى حلحلة القضيّة، عبر الوسيط الروسي الذي طلبت منه الحركة التدخُّل لحلّ الأزمة. كذلك، دخل الرئيس الأفغاني السابق حميد كرزاي، ورئيس «المجلس الأعلى للمصالحة» عبد الله عبد الله، وعلماء الدين وزعماء قبائل، على خط الوساطة بين الطرفين لحلّ القضية، لكن كل تلك الجهود لم تتكلّل بالنجاح. لهذا، أعلن الناطق باسم «جبهة المقاومة الوطنية»، علي ميسم نظري، أمس، أن الجبهة مستعدّة «لصراع طويل الأمد»، لكنّها ما زالت تسعى إلى التفاوض مع «طالبان» حول حكومة شاملة، واضعاً شروطاً لاتفاق السلام، أبرزها أن يقوم النظام على «اللامركزية، وهو نظام يضمن العدالة الاجتماعية والمساواة والحقوق والحرية للجميع».
على أن المسألة الجوهرية التي قد تُحدّد مصير أيّ تحالف عسكري مناهض لـ«طالبان»، هي تشكيل الحكومة الجديدة، إذ تسعى الحركة إلى تقديم صورة «أكثر اعتدالاً» عن نفسها على الساحة الدولية، مع أن العديد من الخبراء والمسؤولين الغربيين يشكّكون في نجاحها. فإذا تمكّنت من إبرام صفقة قابلة للتطبيق لتقاسم السلطة مع أصحاب نفوذ من مثل كرزاي وعبد الله، يحتمل أن تحدّ من قدرة الجبهة المسلّحة في الحصول على دعم أوسع. أما إذا أحكمت قبضتها على السلطة، كما كانت الحال إبان الغزو الأميركي لأفغانستان، فإن بعض الخبراء يعتقدون أن أيّ جهة ستخلف «تحالف الشمال» ستحظى بالتأييد الخارجي. ومع ذلك، ليس واضحاً ما إذا كان قادة الجبهة الناشئة سيحصلون على قوّة بشرية ودعم كافيَين لتشكيل مقاومة قابلة للاستمرار وقادرة على التصدي لـ«طالبان»، إذا لم تقم الولايات المتحدة بدعمهم، استجابةً لدعوة أحمد مسعود، ومطالبة عدد من المشرعين في الكونغرس الأميركي إدارة الرئيس جو بايدن، بمدّ يد العون لقائد «المقاومة»، في حين لم يتّضح بعد ما الذي ستفعله وزارة الدفاع بمبلغ الـ3.3 مليارات دولار الذي سبق أن رصدته كدعم للجيش الأفغاني. ومع مضيّ الأسبوع الأوّل على دخول مقاتليها العاصمة كابول، لم توضح الحركة بعد خطّتها لتشكيل حكومة جديدة، أو ملامح النظام السياسي الذي تنوي ترسيخه. وفي هذا السياق، أفاد مصدران في «طالبان»، «فرانس برس»، بأن الحركة لن تعلن عن تشكيلتها الحكومية، إلّا بعد استكمال الولايات المتحدة عملية سحب جنودها.