طهران | اتّخذ اجتماع مجلس حكّام «الوكالة الدولية للطاقة الذرّية»، الذي بدأ أعماله أوّل من أمس، ويستمرّ أسبوعاً في فيينا، من البرنامج النووي الإيراني، موضوعاً رئيساً لمناقشاته. وفيما كان المرجّح أن تتمّ المصادقة، في الاجتماع، على قرار ضدّ طهران، فقد حال اتفاقٌ بين المؤسّسة الدولية وإيران دون ذلك. كما ضُبطت التوتّرات مع الدول الغربية، لتَظهر بارقة أمل بإمكانية استئناف المحادثات الرامية إلى إعادة إحياء «خطّة العمل المشترك الشاملة» (الاتفاق النووي). ويمكن اعتبار الاتفاق المذكور، والذي تمّ إرساؤه خلال زيارة المدير العام للوكالة، رافايل غروسي، لطهران، تكتيكاً إيرانياً منَع صدور القرار في مجلس الحكّام، بعدما كان غروسي قد أعلن، في تقريره الأخير، أن «نشاطات الوكالة الدولية للتحقّق والمراقبة، تأثّرت بشدة»، بفعل قرار إيران تقليص تعاونها معها. وكانت طهران عمدت، عملاً بقرار صادر عن مجلس الشورى (البرلمان)، إلى تقييد وصول مفتّشي الوكالة إلى منشآتها النووية اعتباراً من 24 شباط، موقفة بذلك التنفيذ الطوعي لـ«البروتوكول الإضافي». وبعده، توصّل الطرفان إلى اتفاق تعمل بموجبه كاميرات المراقبة التابعة للوكالة في المنشآت الإيرانية لمدّة ثلاثة أشهر، على أن يكون الوصول إلى البيانات المخزّنة فيها ممكناً، في حال رُفعت العقوبات الأميركية. ومُدّد هذا الاتفاق شهراً آخر، بترخيص من المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، بيد أن هذه المهلة انتهت يوم 24 حزيران، وامتنعت إيران عن تمديدها مرّة أخرى. وفي زيارته الأخيرة لطهران، أعلن غروسي أن إيران سمحت باستبدال بطاقات الذاكرة لتخزين البيانات في كاميرات المراقبة التابعة للوكالة الدولية، لكي تتمكّن الأخيرة من تسجيل صور عن نشاطات المواقع النووية الإيرانية. ولكن، رغم ذلك، لن يتمّ السماح لمفتّشي الوكالة بالوصول إلى بيانات كاميرات المراقبة، الأمر الذي لفت غروسي إلى أنه «بحاجة إلى اتفاق على مستوى خطّة العمل المشترك الشاملة».
على أن مسألة تطبيق «البروتوكول الإضافي» ليست الخلاف الوحيد بين إيران والوكالة الدولية. فوضع المواقع الأربعة التي تزعم الأخيرة - على أساس الوثائق التي قدّمتها لها إسرائيل - وجود يورانيوم فيها، يُعدّ أيضاً من القضايا الخلافية المهمّة، التي لم يتمّ التوصّل إلى الآن إلى آلية لتسويَتها. وفي كلمته الافتتاحية في اجتماع مجلس الحكّام، جدّد غروسي الإعراب عن قلقه من وجود موادّ نووية في أربعة مواقع إيرانية، وقال إن طهران لم تردّ، إلى الآن، على تساؤلات الوكالة بشأن هذه المواد. لكن بما أن سياسة إيران مبنيّة على ديمومة التعاون مع الوكالة، والحيلولة دون إعادة ملفّها النووي إلى مجلس الأمن الدولي، فقد يكون ذلك دافعاً للتوصّل إلى إطار في المحادثات اللاحقة، لتسوية هذا الخلاف.
ومن شأن الاتفاق الأخير بين إيران والوكالة، والذي ساهم في الحدّ من التوتر، أن يهيّئ لبدء جولة جديدة من المحادثات النووية، كان مسؤولو الإدارة الجديدة في إيران أكدوا، مراراً وتكراراً، أنهم لا يعارضون الانخراط فيها، بيد أنهم لا يقبلون بها تحت الضغط، مشددين على ضرورة أن تكفل مصالح الجمهورية الإسلامية. ويبدو أن الإدارة الجديدة تجهّز نفسها للجولة السابعة من المحادثات، وهو ما أوحى به إعلان وزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، في مكالمة هاتفية مع نظيره البريطاني دومينيك راب، «أنّنا نُجري مشاورات داخلية بشأن كيفية مواصلة المحادثات النووية»، مضيفاً «(أننا) نرحّب بأيّ مفاوضات تثمر عن نتائج وتُحقّق مصالح الشعب الإيراني». وتعقيباً على ذلك، رأت صحيفة «جوان»، المقرّبة من الحرس الثوري، أن الاتفاق الأخير «يُظهر حسن نيّات طهران في المحادثات النووية»، معتبرة أن «الإدارة الجديدة، والتي تُصرّ على تحقيق نتائج ملموسة في المحادثات، ستتريّث، على الأرجح، لتعرف صدى الخطوة الأولى النابعة من حسن نيّتها، ومن ثمّ ستنخرط في مفاوضات فيينا».
وفي انتظار ما ستحمله الأيام المقبلة، يبدو أن طهران تنوي، في ظلّ التطوير المتسارع لنشاطاتها النووية خلال الأشهر الأخيرة، بما في ذلك زيادة مستوى تخصيب اليورانيوم وحجمه، خوض المحادثات وبيدها المزيد من أدوات الضغط.
وفي هذه الأثناء، تشير بعض المعطيات إلى أنه من المقرّر أن يحلّ علي باقري كني، بوصفه نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية، محلّ عباس عراقجي، في تولّي إدارة المفاوضات النووية. وكان باقري كني قد تولّى، قبلها، منصب مساعد السلطة القضائية للشؤون الدولية، وأمين لجنة حقوق الإنسان فيها. كما تولّى في إدارة أحمدي نجاد، عضوية الفريق الإيراني المفاوض الذي كان يرأسه، آنذاك، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي، سعيد جليلي. وبوصف باقري كني شقيق صهر المرشد الأعلى، آية الله علي خامنئي، فهو من الشخصيات التي قد تكون تحظى بثقته.