منع عدد من أعضاء مجلس النواب الأميركي، من «الحزب الديمقراطي»، إقرار مساعدات مالية لإسرائيل كانت مخصّصة لترميم مخزون صواريخ «القبّة الحديدية». وعلى رغم أن هذه الخطوة، التي تُعدّ استثنائية وغير مسبوقة، قد لا تلغي المساعدة نفسها التي من المرجّح أن تُقرّ لاحقاً، إلا أنها تمثّل إشارة إلى «شيء ما» بدأ يتبلور في الولايات المتحدة بخصوص العلاقة مع إسرائيل، مع التنبّه إلى ضرورة عدم المبالغة في توقُّع ما بعده. واضطرّت قيادة «الحزب الديمقراطي» في مجلس النواب إلى إلغاء بند المساعدة المالية الاستثنائية لمنظومة «القبّة الحديدية» في إسرائيل، من مشروع قانون الموازنة العامّة الأميركية، بعد أن اعترض على هذا البند خمسة أعضاء من الحزب، رافضين التصويت لمصلحة الموازنة إن لم يُشطب. وكان من شأن تصويت هؤلاء ضدّ الموازنة، مع قرار الجمهوريين رفضها (لأسباب أخرى)، إدخال الولايات المتحدة في أزمة قد تكون تداعياتها على المنظومة الأميركية وعلى إدارة «الديمقراطيين» سيّئة جدّاً، وتحديداً لناحية الشلل العام في مالية الدولة ابتداءً من 30 أيلول الحالي، وهو الأمر الذي دفع قيادة «الحزب الديمقراطي» إلى الإذعان، وشطب البند المذكور من القانون. واستطاع الأعضاء الخمسة إنفاذ إرادتهم نتيجة وجود ميزان قوى شبه متعادل داخل مجلس النواب، حيث يمتلك «الديمقراطيون» أغلبية محدودة جدّاً، تسمح لهم بفرض إرادتهم في سياقات تصويت خاصة، كما هو حال إقرار الموازنة العامة. لكنّ زعيم الأغلبية «الديمقراطية» في مجلس النواب، ستانلي هوير، عاد وأعلن (هآرتس) أنه يعتزم طرح اقتراح قانون لتمويل نظام «القبّة الحديدية» في وقت لاحق من هذا الأسبوع، مرجّحاً أن يتمّ إقرار الاقتراح بالنظر إلى أن ثلث الأعضاء معنيّون بتمريره كما هو. ونقلت وزارة الخارجية الإسرائيلية، في بيان أمس، عن هوير طمأنته وزير الخارجية، يائير لابيد، إلى أن «هذا تأجيل تقني ناتج من خلافات في المجلس حول سقف عجز الموازنة الأميركية»، مكرّراً على مسامع لابيد التزامه إقرار موازنة المساعدة لـ«القبّة الحديدية» قريباً، علماً أن الولايات المتحدة موّلت إلى الآن (معاريف) المنظومة المشار إليها بأكثر من 1.6 مليار دولار، وفقاً لتقرير صدر العام الماضي عن «مركز أبحاث الكونغرس».
بدأت سريعاً المزايدات والمناكفات بين الأحزاب والتيّارات الإسرائيلية

إزاء ذلك، بدأت سريعاً المزايدات والمناكفات بين الأحزاب والتيّارات الإسرائيلية على خلفية ما شهده مجلس النواب الأميركي، إذ سارعت الحكومة برئيسها ووزرائها ونوابها في «الكنيست»، كما الإعلام الموالي والمؤيد لها، إلى الإلقاء باللوم على بنيامين نتنياهو وحكوماته السابقة، التي خرقت ميثاقاً إسرائيلياً ذاتياً بعدم التدخّل في الخلافات بين الحزبين الأميركيين، مع أن تدخّل نتنياهو من خلال تأييده «الجمهوريين» على حساب «الديمقراطيين» ليس إلّا عاملاً جزئياً ومحدوداً في تنامي ظاهرة مناهضة إسرائيل داخل الولايات المتحدة، التي بدأ الإعلام العبري يدقّ ناقوس الخطر في شأنها، وإن مع مبالغة أضحت ملازمة لأدائه. وعلى رغم أن التمويل الأميركي سيعود ليُقرّ سريعاً في الكونغرس الأميركي بمجلسَيه، وربّما أسرع مما يتوقّعه المراقبون، إلا أن شطب بند المساعدة بضغط من «التقدّميين» في «الحزب الديمقراطي»، على محدودية عدد هؤلاء، يُعدّ لافتاً جدّاً، ويستأهل التأمّل والمتابعة، خصوصاً أن هذا الجناح بدأ تأثيره يتعاظم في السنوات الأخيرة، وإن كان لا يزال إلى الآن غير قادر على تحديد اتجاهات السياسات الأميركية والتأثير الفعلي فيها، أو حتى على الإمساك بقرارات الحزب، مع أن أصوات البارزين فيه عالية ومسموعة في الولايات المتحدة. ويتبنّى هؤلاء، إلى جانب «تقدّميين» آخرين من خارج «الحزب الديمقراطي»، منحى مناهضة إسرائيل نتيجة تعاملها العدائي مع الفلسطينيين، وبفعل مواقفهم تلك باتت المسارات التقليدية لمحض إسرائيل دعماً مطلقاً في المجلسَين من دون اعتراضات تُذكر، غير تلقائية عموماً، وغير مضمونة بالمطلق، كما كان عليه الوضع في السابق. واكتسبت هذه الظاهرة زخماً إضافياً العام الماضي، مع تصعيد إسرائيل تهديداتها بإخلاء الفلسطينيين من منازلهم في حيّ الشيخ جراح في القدس المحتلة، وفي أعقاب المواجهة الأخيرة مع قطاع غزة. وهذان السببان، من بين أسباب أخرى، أثارا نقاشات وخلافات حادّة داخل «الحزب الديمقراطي»، وضغوطاً عامة على إدارة الرئيس جو بايدن لمحاسبة إسرائيل على أفعالها.
وفي مقال للسيناتور بيرني ساندرز في صحيفة «نيويورك تايمز» (16/05/2021)، وهو من أبرز قادة «الجناح التقدّمي» في «الحزب الديمقراطي»، ورد أنه «إذا كانت الولايات المتحدة تريد أن يكون لها صوت موثوق بشأن حقوق الإنسان على الساحة العالمية، فيجب علينا أن نتمسّك باستمرار بالمعايير الدولية بشأن هذه القضية (الفلسطينية)، حتى عندما تكون صعبة في ما يتعلّق بالسياسة الداخلية والخارجية على السواء»، وأنه «يجب أن نعترف بأهمية حقوق الفلسطينيين. إن حياة الفلسطينيين مهمّة». والمبنى الأساسي الذي ينطلق منه «التقدّميون»، والذي بدأ ينتشر ويجري التعبير عنه وسط الجمهور الأميركي أيضاً، هو تقييم العلاقات والصراعات وفقاً لنتائجها، من دون الخوض كثيراً في أحقية هذه الجهة أو تلك، الأمر الذي يغيّب، في المسألة الفلسطينية، اعتبارات كانت سائدة سابقاً في النظرة إلى إسرائيل بوصفها حليفاً أو «ديمقراطية في وسط ديكتاتوريات» أو غيرها، لتتحوّل الأخيرة إلى جهة حاكمة ومسيطرة على شعب (فلسطيني)، حقوقه الإنسانية مسلوبة نتيجة الاحتلال. ومع أن ظاهرة «التقدّميين» في «الحزب الديمقراطي»، وعموم النخب في الولايات المتحدة، باتت بارزة، إلا أن بروزها مرتبط بفرادتها وشذوذها عن الخطاب والاتجاه العامَّين في الولايات المتحدة في قضايا عدّة، ومن بينها العلاقات مع إسرائيل، أي أنها ليست تعبيراً عن اتجاه سائد أو على وشك أن يسود في الولايات المتحدة، التي كانت وما زالت، ولا يبدو أنها ستتحوّل، عن المساندة شبه المطلقة، عملياً، لإسرائيل.