طهران | تحوّلت القضايا المتّصلة بالمحادثات النووية الإيرانية، خلال الأسبوع الأخير، وبالتوازي مع اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلى أحد المحاور الرئيسة للقاءات الدبلوماسية وتصريحات المسؤولين الإيرانيين والأميركيين والأوروبيين. وعلى رغم أن الأطراف المختلفين أخذوا يكرّرون مواقفهم السابقة، ويتحدّثون عن جهوزيّتهم لاستئناف المحادثات الرامية إلى إعادة إحياء الاتفاق النووي، والمتوقّفة منذ الانتخابات الرئاسية الإيرانية في حزيران الماضي، إلّا أن الموعد الدقيق للعودة إلى طاولة المفاوضات لم يُحسم بعد، وهو ما أدخل الجولة السابعة في بازار الجدل الزمني، في ضوء استعجال أحد الأطراف استئناف التفاوض، وغياب الرغبة في ذلك لدى الطرف الآخر، الذي يبدو حالياً في صدد شراء الوقت. ومن هنا، دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف من نيويورك الولايات المتحدة إلى اعتماد «توجّه أكثر فعالية» من أجل استئناف المحادثات النووية، مطالباً برفع العقوبات التي فرضت على إيران بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق، ومعرباً عن أمله في أن تُستأنف عملية التفاوض «بأسرع ما يمكن». وعلى مدى الأشهر الثلاثة التي مضت منذ توقّف محادثات فيينا، ساهم ارتفاع وتيرة النشاطات النووية الحسّاسة للجمهورية الإسلامية، والتراجع الملحوظ لنقطة الطرد النووي وخصوصاً في ما يتّصل بإنتاج اليورانيوم المعدني، وزيادة حجم كتلة الوقود النووي باليورانيوم المخصّب بنسبة 60% إلى 10 كيلوغرامات، فضلاً عن تضاؤل القيود المفروضة على عمليات المراقبة التي تجريها «الوكالة الدولية للطاقة الذرية»، في رفع منسوب القلق الأميركي والأوروبي من احتمال توسّع البرنامج النووي الإيراني. ولذا، يشدّد الجانبان على ضرورة عودة طهران إلى طاولة المفاوضات، لكن الأخيرة تشترط لذلك «محادثات مثمرة تكفل رفع العقوبات». وفي أعقاب لقاءاته على هامش اجتماعات الجمعية العامة لتوضيح موقف الإدارة الإيرانية الجديدة، والتي أعلن فيها أن الجمهورية الإسلامية ستعود إلى المحادثات «قريباً»، عقّب وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، على تصريحه هذا بالإشارة إلى أن كلمة «قريباً» تعني «(أننا) سنقدِم على هذه الخطوة بمجرّد استكمال دراساتنا»، موضحاً أن طهران ستّتخذ قرار عودتها إلى الاتفاق النووي استناداً إلى السلوك العملي للأميركيين، وليس على أساس رسائلهم المتناقضة التي يبعثونها إلى بلاده.
وبينما يتّهم الغرب إيران بالمماطلة، يبدو من تصريحات المسؤولين الإيرانيين أن طهران موافقة على المحادثات من حيث المبدأ، لكنها لا تستعجل استئنافها، وذلك لجملة أسباب لعلّ أبرزها انشغال الإدارة الجديدة بإدخال تغييرات على آلية إدارة المفاوضات النووية، وتشكيل الفريق المفاوِض الجديد. وفي هذا السياق، تفيد بعض المعطيات بأن هذه المهمّة ستنتقل من وزارة الخارجية إلى المجلس الأعلى للأمن القومي في إيران، فيما سيتولّى علي باقري، نائب وزير الخارجية للشؤون السياسية المعروف بمواقفه المتشدّدة إزاء الاتفاق النووي والمحادثات مع الأميركيين، على الأرجح، رئاسة الفريق المفاوِض. وعلى خطّ موازٍ، يبدو أن إيران تستهدف، من خلال الزيادة المتحكَّم بها لكمّيات اليورانيوم المخصّب بكثافة عالية والقريبة من النسبة المئوية اللازمة لإنتاج سلاح نووي، وكذلك وضْع أجهزة الطرد المركزي المتطوّرة في الخدمة واتّخاذ الإجراءات الهجومية الأخرى، تسليط ضغوط إضافية على الولايات المتحدة، بما يمكّن الإيرانيين من تعظيم قدرتهم على المساومة في المحادثات. ومن وجهة نظر السلطات الإيرانية، فإن «شراء الوقت» يمثّل حربة لفرض المطالب على الطرف الآخر. لذا، فإن هدف إيران من زيادة النشاطات النووية الحسّاسة ليس «استراتيجياً» بقدر ما هو «تكتيكي» للحصول على تنازلات من الطرف المقابل.
فضلاً عن مسألة موعد استئناف المحادثات، فإن جدول أعمالها تَحوّل هو الآخر إلى قضيّة مثيرة للجدل


على الجهة المقابلة، أعلنت الترويكا الأوروبية وأميركا أنهما لن تنتظرا إلى ما لا نهاية، ودعتا إلى ضرورة حسم وضع المحادثات بسرعة. وتتمثّل أداة الضغط الغربية في استصدار قرار من مجلس محافظي «الوكالة الدولية للطاقة الذرّية» تتحوّل إيران بموجبه - مجدّداً - إلى وضع غير طبيعي، للذهاب نحو تفعيل آلية فضّ النزاع وفرض عقوبات جديدة. وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن قد قال، الشهر الماضي إنه نظراً إلى التقدُّم الجديد الذي تحرزه إيران في برنامجها النووي فـ«(إننا) نقترب من نقطة لا تلبّي معها العودة إلى الاتفاق النووي تلك المنافع المتوقّعة منه». وفي هذا المجال، حذّر مسؤول كبير في إدارة جو بايدن، في وقت سابق، من أن «صبر أميركا ليس بلا حدود»، مشيراً إلى «خطّة بديلة» باتت في متناول اليد. ولم يعطِ هذا المسؤول إيضاحات عن «الخطة باء»، لكن يبدو من خلال سلسلة التقارير التي تبثّها إسرائيل أن تلك الخطّة تتمثّل في زيادة العقوبات الأميركية على إيران. ونقل موقع «أكسيوس» الأميركي الخميس، عن مسؤولَين إسرائيليَّين كبيرَين قولهما، إن أميركا وإسرائيل أجرتا الأسبوع الماضي مشاورات في شأن الآلية البديلة لمواجهة البرنامج النووي الإيراني، في حال تعذّر استئناف التفاوض.
وفضلاً عن مسألة موعد استئناف المحادثات، فإن جدول أعمالها تَحوّل هو الآخر إلى قضيّة مثيرة للجدل. إذ يَعتبر الطرف الغربي أن المحادثات يجب أن تُستأنف من النقطة التي توقّفت عندها في شهر حزيران، بينما إيران، وعلى رغم أنها لم تطالب بعد بصورة رسمية بتغيير جدول الأعمال، إلّا أن مسؤوليها شدّدوا مراراً على ضرورة تغيير الطرف الآخر سلوكه في المحادثات، والخروج من قاعدة «المحادثات من أجل المحادثات». وفي هذا السياق، اعتبرت صحيفة «كيهان» الإيرانية التي يُعيَّن مديرها من قِبَل المرشد الأعلى، علي خامنئي، في مقال نُشر السبت الماضي، أن مطلب أميركا والغرب باستئناف المحادثات من حيث توقّفت «حماقة مبالغ فيها». وكتبت: «إن الإدارة الأميركية التي ضربت حالياً الاتفاق عرض الحائط بصورة رسمية وبات تخبّطها وخيانتها باديَين للعيان، لا يمكن لها مع ثلاث دول أوروبية خاضعة، أن تفرض على الإدارة الإيرانية الجديدة ما يجب أن تفعله».