شهرٌ واحد يفصل إيران عن إجراء استحقاقها الانتخابي، بشقيه التشريعي والديني. السابع والعشرون من شباط، موعد لانتخابات الدورة العاشرة لمجلس الشورى الإسلامي، بالتوازي مع انتخابات الدورة الخامسة لمجلس خبراء القيادة.
ينص القانون في الجمهورية الإسلامية على إجراء الاستحقاقات الانتخابية بشكل متزامن، لاستغلال الوقت والمجهود والاستعدادات، لذا تُجمَع الاستحقاقات مع أقرب استحقاق انتخابي، كما حصل قبل عامين ونصف عام عندما أقيمت الانتخابات الرئاسية بالتزامن مع الانتخابات الفرعية لمجلس خبراء القيادة وانتخابات البلدية مع الانتخابات الفرعية لمجلس الشورى.
ولكن تزامُن انتخابات مجلسي الشورى وخبراء القيادة يتمايز من ناحية الاستعدادات والمعركة الانتخابية، فالأولى تشريعية خدماتية سياسية بامتياز تسعى الأحزاب، خلالها، إلى تأمين حصصها من المقاعد في البرلمان لتكوين أكبر كتلة نيابية قادرة على التحكم في مفاتيح السلطة التشريعية، بينما تعد انتخابات الخبراء أكثر تخصصاً، ويؤدي فيها التاريخ الديني والشخصي للمرشح دوراً بارزاً، وتكون بعيدة إلى حد ما عن التجاذبات السياسية وحساسياتها، وذلك وفق عمل مجلس خبراء القيادة المعني بالمراقبة والإشراف على عمل المرشد الأعلى. لذا، تكون شروط الترشح أدق وأصعب، وتؤدي الثقافة الدينية والموقعية العقائدية لصاحبها دوراً أساسياً في تحديد مواصفات المرشح لهذا المنصب.
استبعد العديد من الشخصيات الدينية المعروفة التي تغيبت عن الامتحان الخطي

وكانت طلبات الترشح لعضوية مجلس خبراء القيادة قد فتحت قبل أكثر من شهر، وجرى تقديم الطلبات وتسجيل الأسماء لدى اللجنة الانتخابية التابعة لوزارة الداخلية، على أن تُرفع الأسماء إلى مجلس صيانة الدستور الذي يعكف على دراسة أهلية المرشحين، من النواحي الاجتماعية والدينية والأخلاقية والقانونية، ومن ثم يحدّد، وفق المعايير والضوابط، أهلية المرشحين.
القانون الإيراني وضع شرط "الاجتهاد الديني" للمرشحين، أي أن يكون قادراً على استنباط الأحكام الشرعية والفقهية، وأيضاً أن يكون قادراً على تشخيص المصلحة العامة وتطابقها مع الشريعة الإسلامية. وللتأكد من الأهلية العلمية للمرشح، يخضع المرشحون لامتحان فقهي خطي وشفهي تُجريه لجنة مختصة، ويُستثنى منه المرشحون الحاليون والسابقون في مجلس خبراء القيادة.
بعد انتهاء مهلة التثبت من استيفاء الشروط، يبلّغ مجلس صيانة الدستور وزارة الداخلية نتائج عمله، على أن تتولى الأخيرة إبلاغ المرشحين وتفتح باب الاعتراض لمدة ثلاثة أيام لمن رُفضت طلباتهم لإعادة النظر فيها، وإعلان النتيجة النهائية في مهلة تصل إلى عشرة أيام.
عندما فُتح باب الترشح لمجلس خبراء القيادة، جرى تسجيل 818 طلباً في وزارة الداخلية، انسحب منهم 158 مرشحاً ولم يستكمل 111 شخصاً الحد الأدنى من الشروط للترشح، فيما لم يشارك 152 مرشحاً في الامتحان الخطي الواجب عليهم، وبالتالي يصل العدد الإجمالي إلى 421 ممن لم يستوفوا الشروط للانتخابات. كذلك، رُفضت طلبات 207 من أصل 373 مرشحاً وصلوا إلى المراحل النهائية، ليعلَن أن 166 مرشحاً قُبلت طلباتهم، يتنافسون على 88 مقعداً في مجلس خبراء القيادة.
ويعود التطبيق الصارم للقوانين والتشدد في التثبّت من أهلية المرشحين إلى حساسية الموقع ورمزيته بالنسبة إلى الجمهورية الإسلامية، فأعضاء المجلس معنيون بشكل أساسي بانتخاب الولي الفقية ومراقبة أدائه، وبالتالي فإن التصفية التي يشهدها المرشحون نابعة من حساسية المنصب، ولا يمكن لأي استثناءات أن تكسر قواعد الترشح. من هذا المنطلق، كان لافتاً أن العديد من الشخصيات الدينية المعروفة، التي تغيبت عن الامتحان الخطي، حُرمت استكمال الترشح، كحفيد الإمام الخميني السيد حسن الخميني والمسؤول في الحرس الثوري الشيخ مهدي طائب وأستاذ الأخلاق الشيخ اقا تهراني، وشخصيات أخرى رفض ترشيحها بسبب نقضها لأحد بنود الترشح، وهو الخضوع لامتحان خطي.
القانون يُطبق على الجميع من دون الأخذ بعين الاعتبار مكانة الرجل وتاريخه ومدى قربه من مؤسس الثورة الإسلامية، أو مدى ارتباطه بدوائر القرار في الداخل الإيران. ومع أن بعض من رفض ترشيحهم وصلوا إلى مراحل الاجتهاد ويعدون من كبار الأساتذة في الحوزة الدينية، إلا أن تخلفهم عن إجراء الامتحان تحت أي ذريعة كانت، منعهم من استكمال ترشيحهم وهو ما تريد من خلاله الجمهورية الإسلامية الإعلان، للداخل قبل الخارج، أن القانون فوق الجميع.