يبدو أن الانفراجة السياسية التي بدأت بشقّ طريقها في فنزويلا، عُلقت إلى أجلٍ مسمّى، بعدما أُعلن عن تسليم الدبلوماسي الفنزويلي أليكس صعب، المحتجز لدى سلطات الرأس الأخصر، إلى الولايات المتحدة لمحاكمته هناك. الخطوة التي من شأنها أن تُعيد توتير الأجواء بين واشنطن وكاراكاس، تأتي بعد فترة هدوء أفضت إلى استئناف المفاوضات بين حكومة الرئيس نيكولاس مادورو والمعارضة المدعومة أميركياً، واتفاق الجانبين على إجراء انتخابات تشريعية وبلدية بمشاركة المعارضة ومُراقبة دولية، الشهر المقبل.وعلى رغم إعلان وزارة العدل الأميركية، أوّل من أمس، مثول صعب أمام محكمة في ولاية فلوريدا، إلّا أن مصدراً مقرّباً من الحكومة الفنزويلية أبدى تحفّظه حيال تأكيد عملية التسليم، مرجّحاً، في حديث إلى «الأخبار»، أن الدبلوماسي لم يغادر الأرخبيل (على الأقلّ حتّى مساء أمس)، خصوصاً في ظلّ عدم وجود أيّ معاهدة لتبادل المطلوبين بين برايا وواشنطن. مع هذا، لم يستغرب المصدر الخطوة الأميركية (في حال ثبوتها)، بالنظر إلى أن حكومة مادورو كانت عيّنت صعب، في وقتٍ سابقٍ من الشهر الجاري، ممثّلاً لفنزويلا لدى لجنة حقوق الإنسان أثناء انعقاد المفاوضات مع المعارضة في المكسيك. ويرى المصدر في توقيت الحديث عن قرار تسليم رجل الأعمال الكولومبي - الفنزويلي، نيّة لـ«عرقلة مسارَي المفاوضات والانتخابات»، لافتاً إلى أن الموافقة على حضور مراقبين دوليين من الاتحاد الأوروبي والصين وغيرهما لمراقبة حُسن سير العملية الانتخابية، من شأنه أن يمنح غطاءً شرعياً لحكومة مادورو، وهو ما «تخشاه واشنطن... لذا، أطلقت شرارة التوتّر يوم السبت الماضي، من خلال التذكير بصعب والتُّهم الموجّهة إليه في الولايات المتحدة (تبييض أموال، بيع الذهب الفنزويلي، الفساد...) عبر الإعلام، في محاولة لتشويه صورة النظام الفنزويلي».
بهذه الخطوة، يقول المصدر، أربكت واشنطن الأجواء، ما دفع مادورو إلى تأجيل اجتماع كان مقرَّراً، بعد غدٍ الجمعة، بين وفدَي المعارضة والحكومة في مدينة مكسيكو سيتي. واعتبر الرئيس الفنزويلي أن تسليم صعب إلى الولايات المتحدة يمثّل «إحدى أشنع المظالم في العقود الأخيرة»، واصفاً ما جرى مع الدبلوماسي لدى توقُّف طائرته في الرأس الأخضر للتزوّد بالوقود، أثناء عودته من إيران إلى فنزويلا، في حزيران 2020، بـ«عملية الخطف»، قائلاً: «وصلت طائرة. نزل بلطجية وبحثوا عنه وضربوه وأخرجوه، لأخذه بعيداً من دون إخطار محاميه أو عائلته أو أيّ شخص آخر». وكما أكد أن بلاده «تعمل مع الأمم المتحدة في نيويورك، ومع منظمات حقوق الإنسان في جنيف.... نحن نعمل على كلّ المستويات».
تعلم واشنطن أن صعب يشكّل ثقلاً بالنسبة إلى الحكومة الفنزويلية باعتباره المهندس المالي لها


وفي خطوة قرأها مراقبون غربيون على أنها ردٌّ من حكومة كاراكاس على تسليم صعب، أعادت فنزويلا ستة مسؤولين سابقين في شركة «سيتغو» (Citgo)، الفرع الأميركي لشركة النفط الوطنية الفنزويلية، إلى السجن. وكانت المحكمة الفنزويلية حكمت على هؤلاء، في تشرين الثاني من العام الماضي، بالسجن من 8 إلى 13 عاماً بتهم فساد، لكنها وضعتهم قيد الإقامة الجبرية في نيسان الماضي، في إجراء وُصف بأنه «بادرة حُسن نية» من جانب حكومة مادورو تجاه الولايات المتحدة. ولا يمكن فصل الخطوة الأميركية التي تساوقت مع ترحيب زعيم المعارضة الفنزويلية خوان غوايدو والرئيس الكولومبي إيفان دوكي، عن مسار التطورات في فنزويلا خلال الأشهر الأخيرة، حيث انقلب الميزان لمصلحة حكومة مادورو، وهو ما بيّنته نتائج المفاوضات، بعدما استطاعت الحكومة الفنزويلية جني ثمار سياسية مهمّة على حساب واشنطن.
وبحسب متابعين للملفّ الفنزويلي، فإن واشنطن تعلم أن صعب، المساعد الأبرز لمادورو، «يشكّل ثقلاً بالنسبة إلى الحكومة الفنزويلية على اعتبار أنه المهندس المالي لها». لذا، تتوقّع الحكومة الأميركية أن يكشف صعب عن الترتيبات وتداول الأموال الحكومية مع الدول الحليفة مثل إيران وروسيا وتركيا. غير أن المخطّط الأميركي لا يعدو كونه «مراهنة»، خصوصاً بالنظر إلى أن أليكس صعب الذي اعتُقل في ظروفٍ قاسية، أدّت إلى تدهور حالته الصحية، وتعرّض للتعذيب على يد محقّقين يُعتقد أنهم أميركيون في الأرخبيل، أكد أنه «لن يتعاون مع السلطات الأميركية». وفي رسالة قرأتها زوجته، أوّل من أمس، خلال تجمّع تضامني مع صعب في كاراكاس، كتب هذا الأخير: «سأواجه محاكمتي بكرامة تامة... أريد أن أكون واضحاً: لست مضطراً للتعاون مع الولايات المتحدة. لم أرتكب أيّ جريمة». وحمّل الدبلوماسي الفنزويلي الحكومة الأميركية مسؤولية سلامته، قائلاً: «أُعلن أنني في كامل قواي العقلية، ولن أُقدِمَ على الانتحار، في حال قاموا باغتيالي من أجل أن يقولوا لاحقاً إنني انتحرت». من جانبها، أكدت زوجة صعب أن عملية التسليم تمّت «من وراء ظهور المحامين وظهرنا»، مضيفة أن سلطات كابو فيردي وواشنطن تعاملت بـ«جُبن... أكثر ما يزعج الولايات المتحدة أن زوجي لن ينحني أبداً! لديه قوّة الحقيقة والبراءة».