طهران | بعد أشهر من الغموض الذي أحاط موعد استئناف المفاوضات حول البرنامج النووي الإيراني في فيينا، جاءت جولتَا المحادثات اللتان عقدهما نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون السياسية علي باقري كني، ومنسّق الاتحاد الأوروبي للمحادثات النووية إنريكي مورا، سواءً في طهران أو في بروكسل، لتبدّدا ذلك الغموض. إذ أعلن باقري كني، أخيراً، أن من المقرّر إجراء المحادثات «قبل نهاية تشرين الثاني المقبل»، أي بعد نحو شهر، على أن يتمّ، لاحقاً، الإعلان عن موعدها الدقيق. تصريحٌ سرعان ما ردّت عليه المتحدّثة باسم البيت الأبيض جين ساكي، مشيرة إلى أن «الولايات المتحدة ستنتظر التأکید علی ذلك من جانب الاتحاد الأوروبي». ومنذ نيسان الماضي، جرت ستّ جولات من المحادثات الرامية إلى إحياء الاتفاق النووي، في العاصمة النمساوية فيينا، بمشاركة إيران وروسيا وبريطانيا وفرنسا وألمانيا والصين، إضافة إلى مشاركة غير مباشرة من قِبَل الولايات المتحدة. ولكن، في أعقاب فوز إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية الإيرانية، في حزيران الماضي، توقّفت المحادثات بطلب من إيران. وبينما كرّرت واشنطن والأطراف الأخرى المنخرطة في «خطّة العمل المشترك الشاملة» (الاتفاق النووي) مطالبتها طهران، خلال الأشهر الأخيرة، بالعودة إلى طاولة المفاوضات، دأب المسؤولون الإيرانيون على الردّ بالحديث عن انهماكهم في تقييم الوضع، والوعد بالعودة إلى المحادثات قريباً. وفيما يبدو أن تحديد موعد المفاوضات قد عولج في ضوء اتفاق يوم الثلاثاء بين باقري ومورا في بروكسل، إلّا أن تحدّياً جديداً ربّما يكون أكثر أهمية، برز إلى العلن، متمثّلاً في أجندة المحادثات المرتقبة. إذ أفاد مصدر دبلوماسي إيراني مطّلع على مجريات اتّخاذ القرار، بأن «طهران تفضّل أن تبدأ المحادثات ببطء، بحيث تكون البداية جيّدة وتعطي نتائج ملموسة على الأرض». وأضاف المصدر، في حديث إلى «الأخبار»، أن «استنتاج ووجهة نظر الحكومة الإيرانية الجديدة، يتمثّلان في أن محادثات الجولات الست السابقة قد باءت بالفشل، وعليه لا ترغب في التحرّك على المسار ذاته». وشدّد على أنه «إذا كان الطرفان يبحثان عن التوصّل إلى اتفاق، فيجب بدء المحادثات من نقطة الصفر، لا من النقطة التي انتهت عندها الجولة السادسة». بناءً عليه، أكّد المصدر أن «موقف الفريق الإيراني المفاوِض يتمثّل في صياغة أجندة جديدة للمحادثات»، معتبراً أنه «لو كان جدول أعمال الجولات الستّ السابقة جيّداً ومفيداً، لكان يجب أن يحقّق النتيجة المرجوّة». وأشار إلى أن «انطباع الساسة الجدد في إيران يقوم على أن موقفها قد تعزّز مع تطوير البرنامج النووي، وعلى الطرف الآخر تقديم الحدّ الأقصى من التنازلات، وأهمّها رفع العقوبات»، مضيفاً أن «هذه الفكرة تسود الطبقات المختلفة لصنع القرار في طهران، وهي أن الرئيس الأميركي جو بايدن والديمقراطيين لا يملكون موقفاً قوياً، بينما ثمّة احتمال كبير لأن يعود (الرئيس السابق دونالد ترامب)، أو شخصية مقرّبة منه إلى السلطة في الانتخابات الرئاسية المقبلة».
تعتقد طهران أن الجولات الستّ السابقة قد باءت بالفشل، وعليه لا ترغب في التحرّك على المسار ذاته

لذلك، فإن «إيران لا يجب أن تُوقّع ثانية اتفاقاً هشّاً ومهترئاً، يمكن أن يُلغى مع تغيّر محتمل في البيت الأبيض»، على حدّ تعبير المسؤول الإيراني. ولفت المصدر ذاته إلى أن «صنّاع القرار في إيران وصلوا إلى قناعة مفادها أن طهران تجاوزت المرحلة الحرجة التي شهدتها بعد عودة العقوبات في عهد ترامب، واستطاعت أن تسيطر على الموقف نسبياً»، متابعاً أنها «لذلك لا تريد تعريض اقتصادها مرّة أخرى لهزّة عنيفة ناتجة من رفع العقوبات ومن ثمّ عودتها». وبناءً عليه، أوضح أنه «على العكس من وجهة نظر وزير الخارجية الإيراني السابق محمد جواد ظريف، الذي كان قد قال إبان محادثات الاتفاق النووي، إن أيّ اتفاق أفضل من عدم الاتفاق، فإن مسؤولي الإدارة الجديدة يرون أن عدم الاتفاق أفضل من الاتفاق الذي لا يأخذ بعين الاعتبار مصالح إيران، بما فيها رفع جميع العقوبات». وختم بالتأكيد أن «إيران تهيّئ نفسها للظروف التي تنتهي فيها المفاوضات إلى الفشل التامّ».
ويأتي كلام المسؤول الإيراني هذا، بعدما أعلن وزير الخارجية حسين أمير عبداللهيان، أن بلاده «توافق على الصيغة التي تبلورت في محادثات فيينا»، مستدركاً بـ«(أننا) لا نريد الدخول في المفاوضات من الطريق المسدود نفسه الذي وصلت إليه محادثات فيينا». كذلك، أوضح عبداللهيان، قبل نحو أسبوعين، في اجتماع مغلق مع أعضاء البرلمان، أن «طهران تنوي متابعة المحادثات من حيث انسحب ترامب من الاتفاق النووي»، ملمّحاً بهذا إلى أن الفريق الإيراني المفاوِض الجديد لا يُريد مواصلة مسار المحادثات التي أجراها دبلوماسيّو إدارة الرئيس السابق حسن روحاني، خلال الجولات الستّ السابقة. ويبدو أن الموقف المتقدّم، والذي جاء بعد أشهر من انتظار بدء المحادثات، سيكون مخيّباً لآمال الطرف الغربي، إذ ثمّة احتمال لأن يُطيل أمد المفاوضات العتيدة، ويجعلها أقرب إلى الاستنزاف واجترار الخلافات.