منذ أن أصيب الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، قبل عدّة سنوات، بسرطان القولون، والإشاعات تلاحق صحّته. ومع أنه تجاوز مبدئياً هذا القطوع، إلّا أن تعقّب وضعه الصحّي بات جزءاً من يوميّات المهتمّين والرأي العام نظراً إلى تأثير ذلك على الوضع العام لتركيا في الداخل وفي محيطها الخارجي. قبل ثلاثة أشهر تقريباً، نقلت مصادر تركية، لـ«الأخبار»، أن إردوغان مريض فعلاً، وأنه لم يُشفَ تماماً بعد من السرطان. لاحقاً، وعلى رغم أن الرئيس التركي يبدو كسندباد برحلاته الكثيرة من بلد إلى بلد ومن قارّة إلى قارة، وآخرها جولته الأفريقية ومن ثمّ سفره إلى روما وما بينهما أذربيجان، فضلاً عن قيادته حروباً ومعارك هنا وهناك، فإن الصحافة الأميركية أطلقت إشاعات قبل فترة وجيزة حول صحّته. لكن ما سرى مثلَ النار في الهشيم في اليومَين الأخيرَين على مواقع التواصل الاجتماعي حول وضع إردوغان بل حتى وفاته، كان القشّة التي قصمت ظهر البعير، لتتحرّك الرئاسة التركية سريعاً على إثره. وبعدما انطلق وسم «مات»، وكرّت سبحة التغريدات عبره لتصل بسرعة إلى ثلاثين ألفاً، بادرت المديرية العامة للأمن إلى ملاحقة مطلقي «الهاشتاغ»، حاصرةً عددهم بثلاثين شخصاً متّهَمين بـ«التحقير والتزوير والحطّ من كرامة» رئيس الجمهورية. وبالتوازي مع ذلك، أظهر شريط مصوَّر إردوغان يسير ببطء ويكاد يصطدم بحاجز حديدي مؤقّت، ليهرع أحد الحرّاس ويزيح الحاجز من أمامه. لكنّ مسؤول الاتصالات في رئاسة الجمهورية، فخر الدين ألتون، سارع إلى نفي صحّة التسجيل، ونشْر آخر يبدو فيه الرئيس وهو ينزل من سيارة ويسير بشكل طبيعي، معلّقاً بالقول: «ثقة للصديق ورعب للعدو».تعليقاً على ذلك، يلفت الكاتب المقرّب من إردوغان في صحيفة «حرييات»، عبد القادر سيلفي، إلى أنه منذ فترة هناك محاولات لتصوير صحّة الرئيس على غير ما هي عليه، معتبراً أن الهدف من ترويج هذه الصورة القول: «إردوغان مريض؛ إذن لا يستطيع إدارة البلاد». واتّهم سيلفي استخبارات أجنبية، وجماعة فتح الله غولن، بالوقوف وراء إطلاق الإشاعات، مضيفاً أن المعارضة تتماهى بدورها مع تلك المحاولات. وقال إن «من لم يستطع قهر إردوغان في صندوقة الانتخاب، يحاول اليوم أن يهزمه بهذه الطريقة. لقد حاولوا الإطاحة بإردوغان، مرّة عبر الإنذارات، ومرّة عبر محاولة إغلاق الحزب، ومرّة عبر الانقلاب، ولم ينجحوا في كلّ ذلك. واليوم، يحاولون عبر التشهير بوضعه الصحي»، مخاطباً إياهم بـ: «أنتم مقرفون مقرفون مقرفون». وأبرزت صحيفة «يني شفق»، بدورها، صورة لإردوغان وهو يلوّح بقبضته، مشيرة إلى استقباله أربعة سفراء أجانب وهم يقدّمون أوراق اعتمادهم، ومن بينهم السفير القطري الجديد مع صورة له معه (كان خبر نشرته صحيفة «abc» التركية عن إلغاء حفل استقبال السفراء لاقى تفاعلاً واسعاً، قبل أن تعود الصحيفة وتعتذر عن نشره من دون أن تسحبه من موقعها). ورأى رئيس التحرير السابق في «يني شفق»، إبراهيم قره غول، في مقالته أمس، أن المعارضة «وصلت إلى طريق مسدود، بحيث لم يَعُد أمامها سوى اللعب على صحّة رئيس الجمهورية، وهذا قمّة السوء والانحطاط الأخلاقي»، مضيفاً أنه «كما حاولوا اغتيال إردوغان في انقلاب 2016، يحاولون الآن اغتياله بطريقة أخرى».
لا تعطي الاستطلاعات إردوغان شخصياً، ولا أيّ مرشّح من «تحالف الجمهور»، أكثر من 27 في المئة من الأصوات

واعتبر قره غول أن «الأكاذيب مصدرها جماعة فتح الله غولن، فيما يصفّق له حزب الشعب الجمهوري وينتظر الآخرون لأخذ دورهم»، متّهماً أيضاً الولايات المتحدة وأوروبا بـ«العمل على وقف نهوض تركيا، ويعاونهم في ذلك جماعة فتح الله غولن وحزب العمال الكردستاني، والهدف الآن صدم تركيا بالحائط وتمزيقها من الداخل». من جهته، أعرب أستاذ علم النفس في جامعة إسطنبول، تورغاي يرلي قايا، عن اعتقاده بأن «الهدف من وراء هذه الإشاعات هو شنّ حرب نفسية على جمهور الرئيس، لكنّ الحرب هذه المرّة وصلت إلى ذروتها بإعلان موت إردوغان»، فيما تمنّى نائب إسطنبول عن «حزب الشعب الجمهوري»، آيقوت إردوغدو، أن «يذهب إردوغان إلى الانتخابات وهو في صحّة جيدة ومعافًى ويتحاسب من قِبَل الشعب»، مذكّراً بأنه «أمضى حياته في صراع مع الرئيس وخسر من غير حق كلّ الدعاوى التي رفعها ضدّه».
على خطّ موازٍ، بدأ الحديث عن الخليفة المحتمل لإردوغان، في حال تدهور صحّته أو حتى رفض المحكمة الدستورية أو اللجنة العليا للانتخابات ترشّحه للمرّة الثالثة لرئاسة الجمهورية، فمن الذي يمكن أن يكون، في هذه الحالة، مرشّح حزبَي «العدالة والتنمية» و«الحركة القومية»، أو ما يُعرف بـ«تحالف الجمهور»، لمنصب الرئاسة؟ تتناقل وسائل الإعلام أسماء محيطة بإردوغان لمواصلة مشواره، مِن مِثل رئيس الاستخبارات حاقان فيدان ووزير الدفاع خلوصي آقار، لكنّ هذين الاسمين ليسا من قواعد «العدالة والتنمية»، ولا من تيار الإسلام السياسي، ويفتقدان إلى الشعبية. وعلى رغم أن الكاتب في صحيفة «جمهورييات»، تونجاي مللا فيس أوغلو، يعتقد أن الوعكة الصحية لإردوغان قد تكون آنية، إلّا أنه يشير إلى أن أوساطاً مقرّبة من القصر الرئاسي تتحدّث عن الرئيس السابق، عبدالله غول، كمرشّح بديل، ناقلاً عن هذا الأخير اشتراطه لقبول الترشّح أمرَين: الأوّل أن تُرشّحه جميع الأحزاب في السلطة والمعارضة، والثاني ألّا يَتوقّع أحد منه أن يقوم بانقلاب على ما سبق، «فأبناء إردوغان هم أبنائي» كما يقول. ويتوقّع الكاتب أن ينال غول، في حال ترشّحه، أصوات حزبَي «الديمقراطية والتقدّم» لعلي باباجان، و«المستقبل» لأحمد داود أوغلو، بما يشكّل قرابة خمسة في المئة من الأصوات، وهو ما يضعه في حسبانه الرئيس السابق.
في المقابل، لا تعطي استطلاعات الرأي إردوغان شخصياً، ولا أيّ مرشّح محتمل من «تحالف الجمهور»، أكثر من 27 في المئة من الأصوات. وفي هذا الإطار، يلفت الكاتب إلى أن 30 في المئة من ناخبي «العدالة والتنمية» نادمون على إعطائهم أصواتهم لإردوغان، مضيفاً أن 40 في المئة من ناخبي حزب الرئيس و71 في المئة من ناخبي «الحركة القومية» يعربون عن افتقادهم ثقتهم بالعدالة في تركيا، فكيف لهم أن يثقوا بمرشّح «تحالف الجمهور»؟. في المقابل، ترتفع شعبية حزب «الشعب الجمهوري» لتصل اليوم إلى 27 في المئة، وهي أعلى نسبة لحزب يساري منذ عقود حتى الآن، فيما تنال أحزاب المعارضة في الاستطلاعات غالبية كبيرة، في ظلّ توقّعات بأن مرشّحاً مشتركاً منها سيحوز نحو ستين في المئة من الأصوات. وبينما يؤيّد 63 في المئة من الناخبين إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، يعبّر 67 في المئة عن عدم رضاهم على الوضع الحالي، ويعتقد 32 في المئة أن الحالة الاقتصادية ستزداد سوءاً خلال الأشهر الستّة المقبلة. كذلك، يرى 62 في المئة من الشبّان أن الذي أدى إلى ضرب الديمقراطية واهتراء المؤسّسات الدستورية والأزمة الاقتصادية، هو «نظام الشخص الواحد الذي ألحق ضرراً بالغاً بالبلاد».