يجتمع وزراء خارجية حلف «شمال الأطلسي» (الناتو)، غداً الثلاثاء، في عاصمة لاتفيا ريغا، لمناقشة القضايا المدرجة على جدول أعمال التكتل، وعلى رأسها الأنشطة العسكرية الروسية في شبه جزيرة القرم، وعلى الحدود مع أوكرانيا، وأزمة المهاجرين في بيلاروس، فيما من الممكن أن يلجأ الحلف لإجراء مشاورات لاحقة بموجب المادة الرابعة من ميثاقه، التي تنصّ على أنه يمكن لأي عضو من الحلف أن يطلب التشاور مع كافة الحلفاء، عند شعوره بتهديد حيال وحدة ترابه أو استقلاله السياسي أو أمنه، وما يتبعه من إقرار تدابير لتعزيز أمن الدول التي تطلب ذلك.
وسيشارك وزراء الحلف في الاجتماع، وعلى رأسهم وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن. ويُشارك في الاجتماع وزير الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا، والجورجي، ديفيد زلكالياني، بشكل استثنائي، لمناقشة الأنشطة الروسية.

وفي هذا السياق، اعتبر كوليبا، خلال مؤتمر صحافي اليوم، أنه «من الأفضل التحرك الآن وليس لاحقاً» من أجل «كبح جماح روسيا»، بعد أن نشرت روسيا «قوة عسكرية كبيرة قرب الحدود الأوكرانية، تشمل دبابات وأنظمة مدفعية وأنظمة حرب إلكترونية وقوات جوية وبحرية»، معتبراً أنه يمكن لروسيا شنّ هجوم «في غمضة عين». بينما نفت روسيا مراراً وجود أي خطة في هذا الاتجاه واتهمت أوكرانيا وحلفاءها الغربيين بزيادة «الاستفزازات».

وعلى صعيد أزمة الهجرة بعد عبور آلاف الأشخاص، معظمهم من الشرق الأوسط، أو حاولوا عبور الحدود البيلاروسية في الأشهر الأخيرة للوصول إلى دول شرق الاتحاد الأوروبي ودول الحلف الأطلسي، وهو ما اعتبرته لاتفيا وليتوانيا وبولندا، بشكل خاص، تهديداً كبيراً.

وقد تطرّق الرئيس الليتواني، غيتاناس نوسيدا، أمس، إلى تفعيل المادة الرابعة بالقول: «إذا ازداد الوضع الأمني سوءاً فإننا لا نستبعد إجراء مشاورات بموجب المادة الرابعة».

كما أشارت بولندا إلى أنها قد تلجأ إلى هذه المادة، وفق ما نقل الرئيس البولندي، أندريه دودا، الخميس الماضي، خلال لقائه الأمين العام لحلف «الناتو»، يانس ستولتنبرغ في بروكسل، إذ قال دودا: «الوضع الحالي لا يفي بشروط المادة الرابعة، لكننا نريد استخدامها فقط عندما يتطلب الأمر ذلك»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «رفع جاهزية قوات الناتو على الجانب الشرقي».

من جهته، قال ستولتنبرغ إن بولندا تتعامل مع أزمة الهجرة على حدودها بنفسها من دون مشاركة مباشرة من الناتو، مضيفاً أن الحلفاء متضامنون مع بولندا ومستعدون للنظر في تقديم الدعم إذا طلبت بولندا ذلك.

تاريخ تفعيل المادة الرابعة
ومنذ إنشاء الحلف في العام 1949، تم الاحتجاج بالمادة الرابعة ست مرات، آخرها كان العام الماضي عندما طلبت تركيا في 28 شباط 2020 إجراء مشاورات بموجب المادة حول الأوضاع في سوريا، والتي أسفرت عن فقدان عدد من الجنود الأتراك. وبناءً على ذلك، شملت حزمة التدابير إجراءات مثل تسيير دوريات لطائرات «أواكس» للإنذار المبكر في المنطقة، وزيادة العناصر العسكرية شرق المتوسط، وتعزيز التعاون في مجال الاستخبارات والاستطلاع والمراقبة.

وفي 26 تموز 2015، قدمت تركيا أيضاً الطلب نفسه في ضوء خطورة الوضع في أعقاب «الهجمات الإرهابية»، وإبلاغ الحلفاء بالإجراءات التي تتخذها.

كما احتجت بولندا بالمادة 4 في 3 آذار 2014 بعد زيادة التوترات في أوكرانيا المجاورة، على خلفية «الأعمال العدوانية لروسيا».

وفي مناسبتين في عام 2012، طلبت تركيا عقد اجتماع بموجب المادة؛ أول مرة في 22 حزيران بعد إسقاط طائرة استطلاع تركية من طراز «F-4»، والمرة الثانية في 3 تشرين الأول عندما قُتل خمسة مدنيين أتراك «بقذائف سورية».

وفي أعقاب هذه الحوادث، طلبت تركيا في 21 تشرين الثاني نشر صواريخ «باتريوت». وافق «الناتو» على هذا الإجراء الدفاعي لمساعدة تركيا في الدفاع عن سكانها وأراضيها، والمساعدة في تخفيف حدة الأزمة على طول الحدود.

في السابق، في 10 شباط 2003، استندت تركيا رسمياً إلى المادة 4، وطلبت إجراء مشاورات بشأن المساعدة الدفاعية من «الناتو» في حالة وجود تهديد لسكانها أو أراضيها نتيجة الصراع المسلح في العراق المجاور. ووافق الحلف حينها على حزمة من الإجراءات الدفاعية وأجرى عملية «عرض الردع» من نهاية شباط إلى أوائل أيار 2003.

تعاون «الأطلسي» و«الأوروبي»
تعهد الأمين العام للحلف، يانس ستولتنبرغ، ورئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لايين، أمس، بتعزيز التعاون في مواجهة التهديدات «الهجينة»، وذلك خلال زيارة لليتوانيا ركزت على أزمة المهاجرين في بيلاروس والحشد العسكري الروسي على حدود أوكرانيا.

وأعلن ستولتنبرغ «تكثيف العمل المشترك لحلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي، بما في ذلك من خلال إعلان مشترك جديد، لأننا أقوى وأكثر أمناً عندما نعمل معاً».

واتهم الطرفان بيلاروس بتدبير أزمة المهاجرين وبالتالي تشكيل ما يسمى «التهديد الهجين» على الاتحاد الأوروبي، وهو ما تنفيه مينسك. وفي هذا الإطار، قرر الاتحاد الأوروبي أن يضاعف ثلاث مرات الميزانية المخصصة لإدارة الحدود في لاتفيا وليتوانيا وبولندا لعامي 2021 و2022، لترتفع إلى 200 مليون يورو (226 مليون دولار). وستنفق الأموال، وفق الاتحاد، على آليات الدوريات والمراقبة الإلكترونية، بما في ذلك الطائرات المسيّرة.

كما جدد ستولتنبرغ دعوة موسكو إلى «خفض التصعيد» قرب الحدود الأوكرانية، محذراً من «تكاليف وعواقب» شن عدوان على جارتها.