يسعى قادة الكيان العبري إلى إقناع الولايات المتحدة بجعل ملفَّي الصواريخ والطائرات المسيّرة من ضمن التفاهمات في المفاوضات المتعلّقة بالبرنامج النووي الإيراني، وهو ما ترفضه طهران من أعلى مستوياتها. وقد جاء رفض المساس بهذه القدرات، على لسان المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، آية الله علي خامنئيّ، في كلمة أكّد فيها أنّ «قضيّة الطائرات من دون طيّار والصواريخ، وما إلى ذلك، التي تُثار هذه الأيام كمسألة أساسية ومهمّة في العالم، يريدكم العدو أن تغفلوا عن هذه القدرة ليتمكّن من مهاجمتكم بسهولة». وتمكّنت إسرائيل عبر مجموعات «اللوبي» التابعة لها في واشنطن، من إقناع نوّاب من الحزبين في «الكونغرس» بتقديم مشروع قانون يهدف إلى فرض عقوبات على برنامج أسلحة إيران التقليدية، وتوريد أو بيع أو نقل الطائرات المسيّرة، من إيران وإليها. وشدّد مشروع القانون على ضرورة «منع طهران والجماعات المتحالفة معها من الحصول على طائرات مسيّرة يمكن استخدامها في هجمات ضدّ الولايات المتحدة أو حلفائها». ووصف المشرّعون الطائرات الإيرانية المسيّرة بـ«المصدر الأكبر للإرهاب في العالم»، وأنّها تعرّض أمن الولايات المتحدة والسلام الإقليمي للخطر.
لا تبخل إيران في تقديم هذه التكنولوجيا والخبرة إلى حلفائها في المنطقة، وهو ما ظهر خلال الفترة الماضية (عن الويب)

ويُعتبر الكيان الإسرائيلي من الجهات الرائدة في صناعة الطائرات المسيّرة وتصديرها، فالطائرات الإسرائيلية المسيّرة تُعدّ من أحدث الطائرات وأكثرها تطوّراً في العالم، وخصوصاً طائرة «هيرون 1» و«هيرون 2». وقد فتح التفوّق الجوي الإسرائيلي في هذا المجال، الباب أمام الكيان لتصدير تقنية هذه الطائرات إلى دول عدّة، وذلك لما تتمتّع به من تقنيّات متطوّرة بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي. وقد تمكّن الكيان الإسرائيلي من الحفاظ على المرتبة الأولى بين عامَي 2005 و2013، حيث صدّر خلال تلك الفترة طائرات مسيّرة بقيمة 4.62 مليارات دولار، وذلك وفقاً لتقرير «معهد الأمن القومي الإسرائيلي». لكن في المقابل، يتمثّل التهديد الأبرز بالنسبة إلى الكيان الإسرائيليّ في هذا المجال، في التطوّر الذي شهدته إيران، التي أبدعت وتطوّرت في هذا المجال بسرعة، بشكل أثار قلقاً جدّياً لدى الولايات المتّحدة والكيان الإسرائيلي. وما يثير خوف الأخيرين، أنّ الطائرات المسيّرة الإيرانية هي طائرات محلّية الصنع، رغم الحصار والعقوبات المفروضة على الجمهورية الإسلامية. يُضاف إلى ذلك، أنّ إيران لا تبخل في تقديم هذه التكنولوجيا والخبرة إلى حلفائها في المنطقة، وهو ما ظهر خلال الفترة الماضية من خلال عدة شواهد، آخرها كان في الأسبوع الماضي، عندما أرسلت حركة «حماس» طائرة مسيّرة باتجاه بحر غزة، حيث تصدّى لها الدفاع الجوي الإسرائيلي.
إنسرت: طُرحت مسألة المسيّرات الإيرانية في كلّ اللقاءات الأمنية الأخيرة بين قادة الكيان والأميركيين


ودفع التطور الإيراني في هذا المجال قائد القيادة المركزية الأميركية، الجنرال كينيث ماكنزي، في نيسان الماضي، إلى التحذير من أنّ «المنطقة تتحوّل إلى ساحة اختبار للطائرات بدون طيار، ومعظمها إيراني الصنع». وهذا التهديد المتصاعد يُدركه وزير الأمن الإسرائيلي، بني غانتس، الذي قال إنّ «إيران تدرِّب ميليشيات من دول مختلفة لتشغيل طائرات بدون طيار متقدّمة في قاعدة كاشان (في إيران)». وخلال كلمة ألقاها أمام «معهد سياسات مكافحة الإرهاب» في جامعة رايخمان في هرتسيليا، منذ أيام، قال إنّ «الجمهورية الإسلامية تدرِّب ميليشيات من العراق واليمن ولبنان وسوريا في القاعدة الجوّيّة شمال مدينة أصفهان، وتحاول تعليمها كيفيّة تصنيع طائرات إيرانيّة مسيّرة». من جهته، أشار الصحافي الإسرائيلي، يوني بن مناحيم، في مقال له في «مركز القدس للشؤون العامّة والسياسة»، إلى أنّ المسيّرات الإيرانية «تحوّلت إلى سلاح خطِر جداً في الشرق الأوسط، طوّره الإيرانيّون، وهو يحقّق نتائج مذهلة في الحرب التي يخوضها الحوثيون الموالون لإيران في اليمن ضدّ السعودية، كما زوّد الإيرانيون الميليشيات الموالية لهم في العراق وسوريا، وكذلك حزب الله في لبنان، بهذا السلاح، وأيضاً حماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزّة». وأشار بن مناحيم إلى الهجوم على منشآت النفط التابعة لشركة «أرامكو» في السعودية في 14 أيلول 2019، مؤكّداً أنّ «مصادر استخبارية إسرائيلية تقدّر أنّ إيران هي التي أطلقت الصواريخ الباليستية والمسيّرات المفخّخة التي استُخدمت في الهجوم، واستطاعت إصابة الأهداف بدقّة كبيرة والتسبّب بضرر جسيم، وأن المسيّرات الإيرانية ستشغل الشرق الأوسط وإسرائيل والولايات المتّحدة وقتاً طويلاً».
وأمام هذا التحدّي، أشارت صحيفة «جيروزاليم بوست» العبرية إلى أنّ الكيان الإسرائيلي «يعزّز دفاعاته الجوية لمواجهة طائرات إيران المسيّرة»، ولمّح تقرير نشرته الصحيفة إلى امتلاك سلاح الجو الإسرائيلي عدداً من أنظمة الدفاع الجوي الثابتة في أجزاء مختلفة من البلاد، والتي يُعمل على استكمالها من خلال شراء أنظمة رادار إضافية لتحسين قدرة الجيش على اكتشاف الطائرات المسيّرة». وفي هذا السياق، نقل الكاتب في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، عن ضابط إسرائيلي قوله إنّ المشكلة ليست فقط في الرصد المنخفض لهذه المسيّرات في الرادارات، «إنما في أن عدداً كبيراً من التنظيمات التي تحرّكها إيران تملكها»، ويضيف الضابط: «إلى جانب تحسين الحماية، علينا تطوير إمكانيّة الرصد». وتابع المصدر العسكري الإسرائيلي للصحيفة، قائلاً: «المسيّرات أداة مريحة تتيح استخدامها أثناء المعركة بين الحروب، وأيضاً في الحرب». وأضاف هرئيل إنّ الحاجة إلى «ردّ دفاعي متطوّر وعاجل» على هذه المسيّرات، طُرح في كلّ اللقاءات الأمنية الأخيرة بين قادة الكيان والأميركيين، بما في ذلك زيارة كل من وزير الأمن ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي لواشنطن. كذلك، تطرّق رئيس الحكومة، نفتالي بينت، إلى قضيّة المسيّرات، في خطابه الأخير في الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة، حيث قال: «إيران تستخدم أسراباً من الطائرات الفتّاكة من دون طيّار، وهي تخطّط لتسليح أذرعها في اليمن والعراق وسوريا ولبنان بطائرات كهذه».