لم يُسعف الرئيس الأميركي، جو بايدن، ونظيره الروسي، فلاديمير بوتين، استحضار «تحالف» بلديهما خلال الحرب العالمية الثانية في بداية انعقاد قمّتهما من تخفيف وطأة القضايا الشائكة على جدول أعمال القمة بينهما. وهو ما جاء متوقّعاً بالنسبة إلى الجانب الروسي الذي وصف الاجتماع، قبل يوم من انعقاده بـ«غير الواعد» مقارنةً بالاجتماع الأول الذي عقد، منذ خمسة أشهر في جنيف، على الرغم من مطالبة الكرملين منذ عدة أسابيع باللقاء.
وحلّت أوكرانيا على جدول أعمال الطرفين، بما تتضمّنه من اتهام واشنطن وكييف لروسيا بحشد عسكري على الحدود مع أوكرانيا، والمخاوف المزعومة من «غزو أوكرانيا»، ونفي موسكو الأمر مجدداً، عطفاً على مآخذها على واشنطن بـ«تجاهل المخاوف الروسية حيال النشاط المتزايد لدول الحلف الأطلسي في البحر الأسود (الناتو) ورغبة أوكرانيا في الانضمام إلى الحلف ومساعي كييف لتسليح نفسها مستعينة بالغرب»، والضمانات التي تطالب بها الجانب الأميركي.

وخلال القمة التي عقدت عبر الفيديو، لوّح بايدن لنظيره الروسي بـ«عقوبات اقتصادية»، مشيراً إلى «شدتها» هذه المرة، في حال حصول تصعيد عسكري في أوكرانيا. كما أعرب بايدن عن «مخاوف» الولايات المتحدة وحلفائها حيال حشد التعزيزات الروسية على الحدود مع أوكرانيا، مشيراً إلى «دعمه لسيادة (أوكرانيا) ووحدة وسلامة أراضيها»، وفق بيان للبيت الأبيض.

في المقابل، أكد «الكرملين» أن «الأزمة الأوكرانية وعدم إحراز تقدم في تنفيذ اتفاقيات مينسك لعام 2015، قد هيمنت على المناقشة». فبحسب بيان صادر عن «الكرملين»، استخدم الرئيس الروسي «أمثلة محددة لتوضيح سياسة كييف المدمرة التي تهدف إلى التفكيك الكامل لاتفاقيات مينسك والاتفاقيات التي تم التوصل إليها في شكل اتفاق النورماندي، وأعرب عن قلقه الشديد بشأن الإجراءات الاستفزازية التي تتخذها كييف ضد دونباس».

وردّ بوتين بأنه «لا ينبغي نقل المسؤولية على عاتق روسيا، لأن الناتو هو الذي يقوم بمحاولات خطيرة لتطوير الأراضي الأوكرانية، ويقوم ببناء قدرات عسكرية بالقرب من الحدود»، كما طلب من الرئيس الأميركي «الحصول على ضمانات موثوقة وثابتة قانونياً تستبعد توسع الناتو باتجاه الشرق، ونشر أنظمة أسلحة هجومية في الدول المجاورة لروسيا».

وبحسب بيان الكرملين، أثبت الاجتماع أن «التعاون لا يزال غير مرضٍ. ويتجلّى ذلك، على وجه الخصوص، من خلال الصعوبات التي تواجهها البعثات الدبلوماسية (المبتورة) لكلا البلدين في عملها». وفي هذا السياق، شدّد بوتين على أن ذلك «نتيجة سياسة السلطات الأميركية، التي بدأت قبل خمس سنوات بفرض قيود وحظر وطرد جماعي للدبلوماسيين الروس».

وعن الحلول الممكنة للأزمة الدبلوماسية، قدّم بوتين لنظيره الأميركي اقتراحاً لـ«إعادة النظر في جميع القيود المتراكمة على البعثات الدبلوماسية، والتي يمكن أن تعمل أيضاً على تطبيع الجوانب الأخرى للعلاقات الثنائية»، وذلك في إطار مساعي الرئيسين اللذين «كلّفا فريقيهما متابعة (المحادثات) وستقوم الولايات المتحدة بذلك بالتنسيق الوثيق مع حلفائها وشركائها».

إلا أن بيان الجانب الأميركي لم يتطرق إلى تلك المسألة واكتفى بالقول إن «روسيا والولايات المتحدة ستواصلان الحوار والاتصالات الضرورية، آخذين في الاعتبار المسؤولية الخاصة عن الحفاظ على الأمن والاستقرار الدوليين».

وأضاف إن المحادثات تناولت «الأمن السيبراني» و«العمل المشترك حول مواضيع إقليمية مثل إيران»، وفق الولايات المتحدة.

وعقب الاجتماع، حذّر مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، جايك سوليفان، بأن أي هجوم روسي على أوكرانيا قد يعرّض للخطر خط «نورد ستريم 2» الذي تعوّل عليه روسيا لإمداد أوروبا بالغاز الطبيعي، محذّراً روسيا بالقول: «إذا كان فلاديمير بوتين يريد نقل الغاز عبر نورد ستريم 2، فقد لا يجازف بغزو أوكرانيا».

أمّا المتحدث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، فقد سخر، اليوم، من احتمال فرض واشنطن عقوبات جديدة على موسكو والتي ستكون أشد من التدابير المتخذة منذ 2014، بحق روسيا والتي لم تحقق نتيجة تذكر، بالقول: «ندرك جيداً أن الجانب الأميركي يدمن العقوبات».

وأضاف: «من الواضح أنه عندما يعمد رئيسان إلى الحوار، فذلك لأنهما يريدان مناقشة المشكلات ولا يهدفان إلى الوصول إلى طريق مسدود»، محذّراً في الوقت نفسه بأنه «لا ينبغي أن نتوقع اختراقات» على الفور. وذلك بعد تأكيده، أمس، أن «روسيا لم تعتزم مهاجمة أحد، لكنْ لدينا خطوط حمر».

وفي السياق، يعتزم بايدن الاتصال، اليوم، بالرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، ورئيسَي الوزراء الإيطالي، ماريو دراغي، والبريطاني، بوريس جونسون، بعد محادثاته مع بوتين. كما سيعرض خلال الأيام المقبلة فحوى محادثاته مع بوتين، على الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، وفق ما أفادت الإدارة الأميركية، أمس.