تعتقد أنقرة أن نقل الغاز إلى أوروبا عبر تركيا أجدى اقتصادياً
وربّما تنسجم مع هذا الغزل الأميركي رسالة إردوغان الخميس الماضي إلى أوروبا، أثناء استقباله سفراء دول الاتحاد الأوروبي بمناسبة حلول السنة الجديدة، حيث أراد تذكير الأوروبيين بأهمية تركيا بالنسبة إلى معظم القضايا الأوروبية، مشيراً أولاً إلى قضية اللاجئين السوريين، قائلاً إنه «لولا جهود تركيا في احتواء قضية اللاجئين، لكُنّا أمام منظر مختلف بالكامل، سواء بالنسبة إلى سوريا أو بالنسبة إلى أوروبا. ولولا جهودنا الكبيرة لتعمَّقت مشكلة اللاجئين ولازداد عدد الضحايا، ولتعاظَم أيضاً الإرهاب، ولانتشر الاضطراب في جغرافيا واسعة جدّاً». وانتقد إردوغان مواقف بعض الدول الأوروبية، ولا سيما اليونان وقبرص، التي تعمل على تخريب التعاون بين تركيا وأوروبا لحلّ المشكلات القائمة. لكنّه أوصل رسالة قوية إلى التكتل بأنه «على رغم كلّ الظلم الذي تعرّضنا له، فإن أولويتنا الاستراتيجية تبقى الاتحاد الأوروبي». وقال: «من زاوية الجغرافيا والتاريخ والبشر، فإن تركيا جزء من القارة الأوروبية، وهدفها بالتأكيد العضوية الكاملة في الاتحاد الأوروبي». وفي الأرقام، فإن الاتحاد الأوروبي يبقى الشريك التجاري الأكبر لتركيا، حيث نصف صادراتها تقريباً تذهب إلى دوله. ففي 2021، بلغت هذه الصادرات 93.1 مليار دولار، من أصل 225.3 مليار دولار هي مجمل الصادرات التركية، أي ما نسبته 41.3 في المئة منها. وإذا أضفنا إلى تلك الأرقام، صادرات تركيا إلى بريطانيا وهي 13.7 مليار دولار، تصبح نسبة الاتحاد الأوروبي وبريطانيا معاً 47.4 في المئة. كذلك، يَبرز مدى ارتباط تركيا بأوروبا في الاستثمارات الخارجية المباشرة للأخيرة، والتي بلغت 21.3 مليار دولار بين عامَي 2016-2020، من أصل 33.3 مليار دولار، أي ما نسبته 64.5 في المئة من مجمل الاستثمارات.
ولا تنفصل علاقات تركيا مع الغرب عن علاقاتها مع إسرائيل، التي يُنظر إليها في أنقرة على أنها جزء من المشهد الغربي. وفي هذا الإطار، وبعد سلسلة رسائل تقارب بين تل أبيب وأنقرة في الأشهر الأخيرة، وأبرزها لقاء إردوغان مع «تحالف حاخامات الدول الإسلامية»، وقوله كلاماً طيباً عن إسرائيل وأهميتها، تابع الرئيس التركي هذه الرسائل، عبر توجيه برقية تعزية الخميس الماضي إلى الرئيس الإسرائيلي، إسحاق هرتزوغ، بمناسبة وفاة والدته أورا هرتزوغ. وقال إردوغان، في رسالته، وفقاً لصحيفة «شالوم» التركية اليهودية، «إن أورا قامت بأشياء رائعة في مجال المبادرات الاجتماعية المهمة. إنني أعتقد أن أورا هرتزوغ تشعر بالفخر بما قدّمته من خدمات إلى مواطني إسرائيل».
إزاء ذلك، يرى الكاتب ندرت إرسانيل، في صحيفة «يني شفق»، المؤيدة لإردوغان، أن حديث الرئيس إلى السفراء الأوروبيين له أهميته في لحظة الصراع بين الولايات المتحدة/ الأطلسي وروسيا، وخصوصاً أن الجميع يرى في تركيا شريكاً له. وعلى رغم عدم توقُّع الرأي العام التركي الكثير من هذه التحولات، فإنه يعوّل على المحادثات التي أجراها، أخيراً، الناطق باسم الرئاسة التركية إبراهيم قالين، مع مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سوليفان. ويقول إرسانيل إن إدراك الغرب لأهمية تركيا سيكون فرصة لها لفتح ممرّات لتطبيع العلاقات معه. ويلفت إلى الزيارة التي قام بها وزير الخارجية التركي إلى بكين قبل أيام، والتي لم تحظَ بالاهتمام الإعلامي الكافي، مشيراً إلى أنها تزامنت مع زيارات لمسؤولين من إيران والسعودية والكويت وعمان والبحرين إلى بكين، وهذا يعكس التعاظم المتزايد للنفوذ الصيني في الشرق الأوسط، مقابل تراجع اهتمام واشنطن التي تنقل حضورها إلى شرق آسيا. ويذكّر إرسانيل بأن تركيا من الدول المهمّة للصين في إطار مشروع «الحزام والطريق»، وأن الأخيرة تَعتبر أن بإمكان الأولى، على رغم الخلاف حول مشكلة الأويغور، التوجّه إليها لمجابهة مشكلاتها الاقتصادية. كما تعرّف الصين، تركيا، على أنها بلد مهمّ ومؤثّر في القوقاز وآسيا الوسطى والشرق الأوسط وأفريقيا، وتؤكد أنها مستعدة للتعاون معها. ويختم إرسانيل مقالته بالقول إن تلك التطورات تستحثّ تركيا للنظر إلى التطورات بعين متأنّية، في فترة تقليص الولايات المتحدة نفوذها في الشرق الأوسط، وفي مرحلة نسج أنقرة علاقات خاصة ومتشعبة مع روسيا والولايات المتحدة معاً، وفي حقبة إعادة تشكيل العالم.