ترتفع أسعار السلع عموماً خلال الحروب، ترتطم أسهم الشركات في الأرض، وتحلّق أسعار النفط والذهب. هذه طبيعة الأمور. لكن، لجغرافيا الحدث أيضاً تبعات إضافية في مضاعفة حجم الأزمة تجاه سلعٍ معينة. تشكّل روسيا وأوكرانيا معاً ما يقرب من 30 في المئة من صادرات القمح العالمية، وفقاً لوزارة الزراعة الأميركية. كما تعدّ أوكرانيا أيضاً من بين أكبر مصدّري الشعير والذرة وبذور اللفت. تخرج تلك المنتجات عبر البحر الأسود القريب، وهو بمثابة قناة رئيسية لشحنات الحبوب الدولية، التي تمرّ عبر مضيق البوسفور الذي يربط البحر الأسود ببحر مرمرة. ومن ثم إلى الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط ومنه إلى العالم. وبهذا، تترقّب الحكومات الآن أزمة حبوب وقمح بشكل أساسي قد تتشكّل في أي لحظة، في عالمٍ ما زال يعاني من تبعات جائحة «كورونا»، وتباطؤ سلاسل الإنتاج والتوريد حول الكوكب برمته.صباح أمس، سجّلت أسعار الحبوب مستويات قياسية في جلسات التداول في السوق الأوروبية، وبلغ سعر القمح مستوى غير مسبوق إطلاقاً مع 344 يورو للطن الواحد ($384) لدى مجموعة «يورونكست» التي تدير عدداً من البورصات الأوروبية، وهو أعلى بكثير من الرقم القياسي السابق البالغ 313.5 يورو المسجّل في أواخر العام الماضي. وارتفعت العقود الآجلة لشحنات القمح والذرة الأميركية إلى أعلى مستوى تداول يومي أمس أيضاً، في حين سجّلت أسعار فول الصويا أعلى مستوى منذ 2012، كما أسعار القمح لثالث يوم على التوالي لتبلغ أعلى مستوى منذ أكثر من تسعة أعوام، في حين قفزت أسعار الذرة إلى أعلى مستوى في ثمانية أشهر. وبالإضافة إلى ذلك، قفزت العقود الآجلة للقمح لشهر أيار في مجلس شيكاغو للتجارة 5.7 في المئة إلى نحو 9.34 دولارات للبوشل (وحدة قياس تساوي 27.216 كلغ من القمح) وهو أعلى سعر منذ تموز 2021.
وأمس، قال مستشار لكبير معاوني الرئيس الأوكراني إن الجيش علّق الشحن التجاري في الموانئ الأوكرانية بعد دخول القوات الروسية البلاد، وهو ما يذكي المخاوف. وفي وقت سابق، قال مسؤولون ومصادر في قطاع الحبوب إن روسيا علّقت حركة السفن التجارية في بحر آزوف حتى إشعار آخر، لكنها أبقت موانئها على البحر الأسود مفتوحة أمام الملاحة. من جهته، قال السفير الأوكراني لدى أنقرة، أمس، إن أوكرانيا طلبت من تركيا إغلاق مضيقي البوسفور والدردنيل أمام السفن الروسية. ولم يصدر أي جواب على هذا الطلب.
عندما ضمّت روسيا شبه جزيرة القرم في عام 2014، ارتفعت الأسعار بنسبة 15-20 في المئة، قبل أن تتراجع بعد أربعة إلى خمسة أشهر. لذا، من الصعب التكهّن بعواقب الرد الروسي على توسّع «الناتو» في أوكرانيا، على الأسواق الزراعية ومنتجات الحبوب حالياً. يضاف إلى ذلك أن العقوبات الأميركية على بيلاروسيا فاقمت الأزمة، حيث إن بيلاروسيا شكّلت حوالي 17.6 في المئة، أو 12.2 مليون طن من الإنتاج العالمي من البوتاس (شكل غير نقيّ لكربونات البوتاسيوم، مكوّن رئيسي في الأسمدة) في عام 2020. السوق العالمية في أزمة بالفعل، وأي خفض في صادرات أسمدة المحاصيل من روسيا سوف يؤدي إلى زيادة الضغط، ما يؤدي إلى انخفاض غلة المحاصيل وبالتالي يزيد من مخاوف نقص إمدادات الغذاء.
أيّ خفض في صادرات أسمدة المحاصيل من روسيا سوف يؤدي إلى زيادة الضغط


وعادة ما تكون أسعار السلع الزراعية أقل تقلّباً بكثير من الأسهم أو النفط، لكنه صراعٌ بين أكبر منتجي الحبوب، وهو يطال مجموعة واسعة من البلدان الممتدة من آسيا إلى الشرق الأوسط وأفريقيا. وبحسب موقع «بلومبرغ»، هناك دلائل على أن الصين، أكبر مستورد للمنتجات الزراعية في العالم، قلقة بشأن ارتفاع الأسعار. وأعلنت بكين هذا الأسبوع أنها ستبيع زيت الطعام وفول الصويا من احتياطيات الدولة لتعزيز المعروض في السوق المحلية. كما سترفع بورصة داليان متطلبات الهامش لبعض العقود الآجلة للذرة وفول الصويا في محاولة لتهدئة المضاربة.
بحسب موقع «ستاتيستا»، توزّعت حركة البضائع في موانئ البحر الأسود في وسط وشرق أوروبا في عام 2019 كالآتي: 55 في المئة لروسيا، و24 في المئة لأوكرانيا، 14 في المئة لرومانيا، و6 في المئة لبلغاريا. وتشحن روسيا، أكبر مصدر للقمح في العالم، حبوبها بشكل أساسي من موانئ البحر الأسود. في حين أن بحر آزوف موطن لموانئ ذات سعة أصغر. ويُصدّر ماريبول، أهم ميناء أوكراني في بحر آزوف، إلى جانب موانئ آزوف البحرية، بشكل أساسي القمح والشعير والذرة إلى مستوردين متوسطيين مثل تركيا وإيطاليا وقبرص ومصر ولبنان. أنتجت روسيا 76 مليون طن من القمح العام الماضي. وتزوّد روسيا بالقمح جميع المشترين العالميين الرئيسيين (تركيا ومصر هما أكبر المستوردين).