في قلب العديد من الشكوك التي تتمحور حول الانخراط الأميركي في الأزمة الأوكرانية، يظهر سؤال: «من نحن؟». مَن نحن، بتاريخنا الطويل من الغزوات والتدخّلات، لنُلقي المحاضرات على فلاديمير بوتين بشأن احترام السيادة الوطنية والقانون الدولي؟ من نحن، مع سجلّنا المحلّي من العبودية والتمييز، وسجلّنا الخارجي في دعم الديكتاتوريين الودودين، والظلم المستمرّ للحياة الأميركية، لنقدِّم أنفسنا كنماذج للحرية وحقوق الإنسان؟ مَن نحن، بعد 198 عاماً على «عقيدة مونرو»، لنحاول منع روسيا من تحديد مجال نفوذها؟ مَن نحن، بجهلنا المعتاد، لنتدخّل في نزاعات بعيدة، لا نعرف عنها إلّا القليل؟ غالباً ما تُطرح مثل هذه الأسئلة من قِبَل الأشخاص الموجودين على اليسار، ولكنْ هناك نماذجُ قوية من التفكير ذاته على اليمين. عندما سأل بيل أورايلي، دونالد ترامب، في عام 2017، كيف يمكنه «احترام» بوتين، على اعتبار أن الرئيس الروسي «قاتلٌ»، أجاب ترامب: «لدينا الكثير من القتَلة. ماذا؟ هل تعتقد أن بلدنا بريء للغاية؟».(...) لماذا اختار بوتين هذه اللحظة ليقوم بخطوته تجاه أوكرانيا؟ كما أشار كثيرون، فإن روسيا دولة ضعيفة من الناحية الموضوعية - «فولتا العليا بأسلحة نووية»، كما قال أحدهم ساخراً، مع ناتج محلّي إجمالي أصغر من كوريا الجنوبية. وبعيداً عن الطاقة والمعادِن والمعدّات العسكرية من الدرجة الثانية، هي لا تُنتج أيّ شيء يريده الخارج تقريباً: لا توجد أجهزة iPhone أو Lexus روسية. تتمثّل مشكلة بوتين مع أوكرانيا، بدءاً من انتفاضة عام 2014، في أن الأوكرانيين لا يريدون أيّ علاقة به. إذا كان شخصية «ديزني»، فسيكون والدة رابونزيل. لكن لدى بوتين مزايا لا يتمتّع بها خصومه، وهي تتجاوز العلاقة المتبادَلة بين القوات العسكرية في دونباس.
إحدى المزايا هي ترابط الشهيّات: يريد بوتين أوكرانيا تحت إبهامه، أكثر بكثير ممّا يريد الغرب إبقاء أوكرانيا في فلكه، وهو على استعداد لدفع ثمن أعلى للحصول عليها. وهناك ميزة أخرى تتمثّل في ترابط مدى الاهتمام: فقد وضع بوتين نُصب عينيه، بشكل منهجي، إعادة أوكرانيا إلى حظيرته، منذ عام 2004 على الأقل. بالنسبة إلى الغرب، فإن أوكرانيا هي أزمة معقّدة أخرى سوف يتعب منها في النهاية. الميزة الثالثة هي ارتباط الإرادات: يريد بوتين تغيير النظام الجيوسياسي لأوروبا، وهو مستعدّ لتحمّل مخاطر كبيرة للقيام بذلك. أمّا إدارة جو بايدن، فتريد الحفاظ على الوضع الراهن المهتزّ، الذي يفقد الحياة على نحو متزايد. الحظّ يميل إلى تفضيل الشجعان. لكنّ الميزة الأعظم لبوتين هي الثقة بالنفس. قد يسخر المؤرّخون الجادّون من نظرياته التاريخية المعقّدة حول عدم وجود أوكرانيا كدولة حقيقية. لكنه يعتقد ذلك، أو على الأقلّ يقدّم عرضاً مقنعاً لذلك. ما الذي يعتقده الغرب حقاً بشأن أوكرانيا، بخلاف أنه سيكون من العار والمخيف أن يبتلع بوتين أجزاء كبيرة منها؟ بالتأكيد لا شيء يستحقّ القتال من أجله.
يفهم معظمنا أن للتاريخ طريقة للتحوُّل إلى أسطورة، لكنّ العكس يمكن أن يكون أيضاً صحيحاً: الأساطير لديها طريقة في صُنع التاريخ. يميل الحظ أيضاً إلى تفضيل المؤمنين المتحمّسين. اعتادت الولايات المتحدة على الإيمان بنفسها. اعتقدت أجيال متعدّدة من الأميركيين أن حضارتنا تمثّل التقدّم البشري. كانت مُثُلنا السياسية - بشأن سيادة القانون، وحقوق الإنسان، والحريات الفردية، والحكم الديموقراطي - مُثُلاً عليا لجميع الناس، بما في ذلك مَن هم خارج حدودنا. تحدّث أدبُنا عن التجربة الإنسانية العالمية، وتحدّثت موسيقانا للروح العالمية. (...) حتى أسوأ أخطائنا، كما في فيتنام، نابعة من مبادئ يمكن الدفاع عنها. كانت خطايانا حقيقية ومتعدّدة، لكنها كانت عيوباً قابلة للتصحيح، وليست سمات نظامية. ولكنْ غنيّ عن القول إنّ هذا الإيمان بالنفس - مثل كلّ المعتقدات - كان مزيجاً من الحقيقة والغرور والمثالية والغطرسة والرؤية والعمى. لقد قادنا إلى ارتكاب جميع أنواع الأخطاء، التي أصبح إدراكها الحادّ هو الضغط المهيمن في حياتنا الفكرية.
(...) لم تكن هذه الانتصارات نتيجة التساؤل «من نحن؟». جاءت عن طريق السؤال: «من غيرنا؟». في أزمة أوكرانيا، التي هي حقاً أزمة الغرب، قد نبدأ في طرح السؤال الثاني، أكثر قليلاً من السؤال الأوّل.
(بريت ستيفان - ذي نيويورك تايمز)