توافقٌ ضمني وعلني بين الولايات المتحدة و»حلف شمال الأطلسي» والاتحاد الأوروبي، على مواصلة سياسة فرض العقوبات على روسيا، برفقة التهويل العسكري، عبر نشر المزيد من القوات في الدول التابعة لـ»الحلف»، على ما أعلنه أمينه العام، ينس ستولتنبرغ، مساء أمس. وفي الوقت الذي اتّفق فيه وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي على وضع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، ووزير خارجيّته، سيرغي لافروف، على لائحة العقوبات، أعلن ستولتنبرغ أن «حلف شمال الأطلسي» نشر عناصر من قوة الرد لديه تحسّباً لأيّ احتمال. وقال إن القوات التي جرى نشرها «تشمل 100 طائرة مقاتلة و120 سفينة، بينها مجموعات قتالية وحاملات طائرات». وإذ اعتبر أن «روسيا تقوم بغزوٍ شامل لأوكرانيا باستخدام كلّ القدرات العسكرية»، فقد أشار إلى أن «هدفها هو إزالة الحكومة المنتخبة».وتترافق تصريحات ستولتنبرغ مع التقييم الذي قدّمته وزارة الدفاع الأميركية، أول من أمس، للمراحل الأولى من الغزو الروسي. إذ أفادت صحيفة «نيويورك تايمز»، نقلاً عن «البنتاغون»، بأن «القوات العسكرية الروسية تتحرّك لقطع رأس الحكومة الأوكرانية في كييف». وقال مسؤول دفاعي كبير إن ثلاثة صفوف من القوات العسكرية الروسية تتحرّك بسرعة نحو المدن الأوكرانية، وقد توجّه اثنان منها نحو العاصمة كييف، حيث مقرّ حكومة الرئيس فولوديمير زيلينسكي. ولفت المسؤول إلى أن «هذه القوات تشقّ طريقها باتجاه كييف من بيلاروسيا في الشمال، وشبه جزيرة القرم في الجنوب»، مستخدمة الصواريخ والمدفعية البعيدة المدى. وأضاف للصحافيين: «تقييمنا هو أن لديهم كلّ النية لقطع رأس الحكومة، وإقامة أسلوبهم الخاص في الحكم». من جهته، رأى الأمين العام لـ»الأطلسي»، أن «التهديد قد يتجاوز أوكرانيا»، معتبراً أن «روسيا تتحدّى أعراف الأمن في أوروبا، وقد تهدّد نصف أعضاء الحلف». ومن هذا المنطلق، نبّه إلى أن «الأزمة في أوروبا قد تكون أخطر، إذا هدّدت روسيا أيّ بلد عضو في الناتو أو هاجمته».
وفي استرسال في سياسة التهويل بالدعم العسكري للجوار، أعلن رئيس الوزراء الإيطالي، ماريو دراغي، أن بلاده مستعدّة لنشر 3400 عسكري إضافي في الدول الأعضاء في «الأطلسي». وقال، في مداخلة أمام مجلس النواب، إن هذه القوات ستنتشر «في المنطقة الخاضعة لمسؤولية الحلف». كذلك، أعلن دراغي تخصيص 110 ملايين يورو كمساعدات لأوكرانيا، خدمة «لغايات إنسانية ولغرض استقرار الوضع المالي»، فضلاً عن مساعدات عبارة عن عتاد عسكري «يتعلّق خصوصاً بنزع الألغام ولوازم للوقاية».
وعلى المستوى السياسي، جاءت كلّ هذه التطوّرات غداة طرح القمّة الأوروبية الاستثنائية في بروكسل حزمة عقوبات على المسؤولين الروس، الأمر الذي أبدت كلّ من ألمانيا وإيطاليا تحفّظات عليه، بينما دعمه عدد كبير من القادة الأوروبيين، بحسب ما أفاد به مسؤولان. وفي إطار العقوبات التي جرت المصادقة عليها، تمّ الاتفاق على إلغاء الأوروبيين إمكانية السفر بدون تأشيرات دخول لحاملي جواز السفر الروسي. وغداة هذه القمّة، سعى أعضاء الاتحاد إلى إظهار نوعٍ من الوحدة، عبر إعلان وزيرة الخارجية الألمانية، أنالينا بربوك، أمس، في بروكسل، أن الكتلة الأوروبية «ستفرض عقوبات قاسية» على بوتين ولافروف، لمسؤوليّتهما في غزو أوكرانيا. ولدى وصولها لحضور اجتماع لوزراء خارجية الدول الـ 27 للموافقة على حزمة العقوبات، قالت: «المهم اليوم أنّ الاتحاد الأوروبي سيعاقب بشدّة بوتين ولافروف المسؤولَين عن هذا الوضع».
«فورين بوليسي»: تناقش واشنطن خططاً لدعم المقاومة الأوكرانية المسلّحة

وأضافت: «نضرب نظام بوتين حيث يجب ضربه، ليس فقط اقتصادياً ومالياً، ولكن أيضاً في صميم سلطته». وعلى المستوى ذاته، قال وزير خارجية الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، إنّ إعلان الوزيرة الألمانية «يعني أن برلين موافقة على معاقبة الرئيس الروسي ووزير خارجيته». وأضاف إن «هذا الاقتراح بُحث خلال القمة الأوروبية أول من أمس، لكن لم يكن هناك إجماع واضح». وبعد كلّ هذا الأخذ والرد، أعلن المفوّض الأوروبي للسياسة الخارجية، أنّ العقوبات ستشمل كلّ من يتعاون مع روسيا من بيلاروسيا. وسيجري تجميد أصول بوتين ولافروف، إضافة إلى مسؤولين عسكريين. وقال: «سنمنع وصول روسيا ورؤوس الأموال الروسية إلى أسواق المال الأوروبية».
على المستوى الأميركي، أفادت صحيفة «واشنطن بوست» بأن وزير الدفاع، لويد أوستن، أبلغ المشرّعين، أول من أمس، أن إدارة الرئيس جو بايدن تدرس سبُل تزويد أوكرانيا بمزيد من المعدّات الدفاعية، والطرق التي يمكنها من خلالها مواصلة تدريب الجنود الأوكرانيين خارج أوكرانيا، حتى لو سقطت الحكومة في كييف.
جاء ذلك في وقت ذكرت فيه مجلّة «فورين بوليسي» أن واشنطن تناقش خططاً لدعم المقاومة الأوكرانية المسلّحة، الأمر الذي يؤكّد المخاوف الأميركية من أن الجيش الأوكراني قد ينهار، في ظلّ هجوم من عشرات الآلاف من الجنود الروس. ولكن، بحسب مسؤولين ومساعدين في الكونغرس، فقد احتدم النقاش في داخل الإدارة بهذا الشأن، إذ أعرب بعض المسؤولين عن حذرهم من أن تسليح المقاومة الأوكرانية خلال حرب نشطة، يمكن أن يجعل الولايات المتحدة، من الناحية القانونية، متعاونة في حرب أوسع مع روسيا، ويصعّد التوتّرات بين القوّتين النوويتين. فضلاً عن ذلك، يعتقد بعض المساعدين في «الكابيتول»، بأنه يجب على بايدن أن يسعى للحصول على موافقة من الكونغرس، قبل إرسال أسلحة ومساعدات عسكرية أخرى إلى القوات الأوكرانية. وإذ أفاد بعض المسؤولين بأن مجلس الأمن القومي لا يستبعد خطط وزارة الدفاع الأميركية لتسليح الأوكرانيين، فقد أشاروا إلى أنه يطرح أسئلة بشأن كيف ومتى سيتمّ تسليم المساعدة، وما هي الصلاحيات القانونية التي يمكن لواشنطن استخدامها للقيام بهذه المهمّة، ولماذا قد يحتاج الأوكرانيون إلى الأسلحة. وإلى الآن، قدّمت إدارة بايدن أكثر من 600 مليون دولار كمساعدات عسكرية دفاعية لأوكرانيا، منذ أن بدأت روسيا بالتعزيزات العسكرية، في عام 2021. أميركيّاً أيضاً، اعتبر وزير الخارجية، أنطوني بلينكن، أن الرئيس الروسي وضع نصب عينيه دولاً أخرى، بالإضافة إلى أوكرانيا. وفي حديث إلى شبكة «سي بي إس»، قال: «لستَ بحاجة إلى معلومات استخبارية لتخبرك» بأن إنشاء اتحاد سوفياتي جديد، هو «بالضبط» ما يريده بوتين، مضيفاً: «لقد أوضح أنّه يودّ إعادة تشكيل الإمبراطورية السوفياتية». وأشار الوزير الأميركي إلى أن بوتين «بخلاف ذلك، يرغب في إعادة تأكيد مجال نفوذه حول البلدان المجاوِرة، التي كانت ذات يوم جزءاً من الكتلة السوفياتية».