موسكو | انقضى يوم إضافي من العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا، على وقع التقدُّم الميداني والرسائل السياسية الخارجة من موسكو. الرئيس فلاديمير بوتين، أبدى خلال اتصال هاتفي مع نظيره الصيني، شي جين بينغ، بناءً على الإشارات الواردة من كييف، استعداده لإرسال وفد إلى مينسك لإجراء مفاوضات مع ممثّلي أوكرانيا. ولفت الكرملين إلى أن بوتين أوضح أن «الغرض من العملية هو مساعدة الجيش في جمهوريتَي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتَين، بما في ذلك من خلال نزع السلاح من أوكرانيا. وهذا، في الواقع، جزء لا يتجزّأ من الوضع المحايد». وبيّن أن الوفد الروسي سيضمّ ممثّلين عن وزارة الدفاع ووزارة الخارجية وإدارة الكرملين. كذلك، برزت دعوة الرئيس الروسي الجيش الأوكراني إلى أخذ زمام الأمور والسيطرة على السلطة، على اعتبار أن لدى روسيا فرصة أفضل للتفاهم مع الجيش.في هذا الوقت، واصلت موسكو توضيح الأسباب التي دفعتها إلى بدء عمليتها؛ فالهدف «ليس احتلال الأراضي الأوكرانية»، إنّما «نزع السلاح من أوكرانيا» وفقاً لوزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف. وأكد لافروف أن «روسيا ستضمن نزع سلاح أوكرانيا»، مشيراً في ذلك إلى تهديد كييف بالحصول على أسلحة نووية والانضمام إلى حلف «الناتو». أمّا عن الخيارات المقبلة، فقال لافروف إن موسكو مستعدّة «لإجراء مباحثات فور تخلّي قوات كييف عن سلاحها». كما دافع بأن بلاده تعمل على «اجتثاث الطابع النازي من دوائرها الرئاسية»، داعياً «شعب أوكرانيا إلى أن يختار رئاسته بشكل ديموقراطي بعد تحرّر بلاده من النازية». بدوره، أوضح رئيس الاستخبارات الخارجية الروسي، سيرغي ناريشكين، أهداف العملية، مؤكداً أن روسيا أُجبرت على أن تدافع عن نفسها وعن حلفائها، مشدّداً على أنها «لم تكن لتسمح بأن تتحوّل أوكرانيا إلى خنجر في يد واشنطن». وجزم ناريشكين أن الهجوم «سيؤدي إلى استعادة السلام في أوكرانيا في وقت قصير، ومنع نشوب صراع عسكري محتمل على نطاق واسع في أوروبا».
أمّا على الصعيد العسكري، فواصل الجيش الروسي تحييد الأهداف العسكرية الأوكرانية. وعلى وقع استمرار القصف الروسي، رفض الكرملين الحديث عن السقف الزمني المتوقّع للعملية. ووصل الجيش الروسي، أمس، إلى حدود العاصمة الأوكرانية كييف، في حين يحاصر مدناً أخرى. ويَظهر من طبيعة مجريات الميدان، وتحديداً بعد عملية الإنزال الناجحة في منطقة مطار غوستوميل في ضواحي كييف، أن الجيش الروسي يريد قطع أيّ اتصال للعاصمة مع الغرب الأوكراني، وهو ما أكدته وزارة الدفاع الروسية. ووفقاً للخبراء العسكريين الروس، فقد عمدت موسكو إلى تحييد سلاح الجوّ الأوكراني كلّياً، وهو ما أدى إلى إضعاف قدرات الجيش. كذلك، يعمل الجيش الروسي والقوات الشعبية لـ«جمهوريتَي» دونيتسك ولوغانسك على تحييد قدرات القوات البرّية الأوكرانية، التي لم تُستهدف مباشرة في اليومين الماضيين.
قال لافروف إن موسكو مستعدّة «لإجراء مباحثات فور تخلّي قوات كييف عن سلاحها»


وبحسب المحلّل العسكري في صحيفة «إزفيستيا»، أنطون لافروف، فإن نحو 60 ألف جندي من القوات المسلحة الأوكرانية يتواجدون على طول خطّ المواجهة الحالي في دونباس، وهو ما يعادل نحو نصف إجمالي الإمكانات العسكرية الأوكرانية. ورأى لافروف أن سلاح الطيران سيبقى عنصراً مهمّاً للغاية، لأنه «حتى الآن، لا تزال إمكانات المقاومة لدى الجيش الأوكراني بعيدة عن أن تُستنفد»، إذ «لم تُضعف الضربات على مرافق البنية التحتية من الإمكانات القتالية للقوات البرّية التي لم تتكبّد خسائر كبيرة على عكس القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي». ولفت إلى أن «الجيش الروسي يعمل على حسم المعركة سريعاً»، معتبراً أن «أهمّ مهمّة الآن هي أن يتجنّب الجيش الانجرار إلى معارك المدن لكلفتها الباهظة على القوات المهاجمة والمدافعة والمدنيين». وشدد على أنه «من أجل إنهاء الصراع بسرعة، من المهمّ كسر معنويات العدو»، إضافة إلى ضرورة أن تقتنع السلطات في كييف في أسرع وقت ممكن، بعدم «جدوى المقاومة والجلوس إلى طاولة المفاوضات». وفي السياق نفسه أيضاً، يبدو أن الجيش الروسي يضع في حساباته ضرب قدرات القوات الخاصة الأوكرانية التي أثبتت في أكثر من محطّة أنها تشكّل تهديداً خطيراً، خصوصاً في ظلّ احتمال تحوّل بعضها إلى مجموعات سرّية تعمل ضدّ الروس.
أمّا عن المرحلة المقبلة من المعارك، فوفق المراقبين الروس، يمكن أن تعمل موسكو على إحياء مشروع «نوفوروسيا»، وهو مشروع اتحاد كونفيدرالي بين «جمهوريتَي» دونباس و5 مناطق أوكرانية بينها أوديسا. ويوضح الخبراء أن ذلك يعني أن يعمل الجيش الروسي على السيطرة على المنطقة الممتدّة من ماريوبول حتى أوديسا، وهذا ما يؤدّي مباشرة إلى عزل أوكرانيا عن بحرَي أزوف والأسود، بحيث تتحوّل إلى جيب برّي فقط. ويشير الخبراء إلى أن السيناريو المشار إليه سيُمكّن روسيا من الوصول إلى جمهورية مولدوفا بريدنيستروفيا، وهو ما يُعدّ بالتأكيد مفيداً لموسكو، كونه سيسمح بإغلاق الملفّ الأوكراني بشكل نهائي.



أيّ ردّ على العقوبات؟
أعلن المتحدث باسم الرئاسة الروسية، دميتري بيسكوف، أن موسكو ستردّ على العقوبات الغربية الجديدة وفق مبدأ «المعاملة بالمثل». وقال بيسكوف إن موسكو تدرس العقوبات الجديدة للردّ عليها بالمثل، والهدف من ذلك تحقيق المصالح الروسية الخاصة. بدورها، أكدت رئيسة مجلس الاتحاد الروسي، فالنتينا ماتفيينكو، أن بلادها استعدّت جيّداً للعقوبات المعلَنة، وجّهزت جميع الإجراءات الوقائية.