يسود تقليد قديم في السياسة الأميركية، يقضي بتوحّد الديموقراطيين والجمهوريين عندما تلوح أزمة من الخارج، وذلك مهما كانت الخلافات التي تهيمن على الأجندة المحلّية. لكن تهديد الحرب في أوكرانيا يختبر بجدّية الدور التقليدي للكونغرس، كشريك للبيت الأبيض في السياسة الخارجية، على خلفية الانقسامات العميقة في صفوف المشرّعين، والتي تحول دون تشكيلهم جبهة موحّدة. إذ حاول الجمهوريون في مجلس النواب، الأسبوع الماضي، إذلال الرئيس الديموقراطي، جو بايدن، عبر نشر صورة له على «تويتر»، وهو يبتعد عن المنصّة بعد إعلانه فرض عقوبات على روسيا. وجاء في تعليق على الصورة: «هذا ما يبدو عليه موقف ضعيف على الساحة الدولية».وتأكيداً لغياب التوافق، كان أعضاء مجلس الشيوخ قد أمضوا شهراً في محاولة غير مثمرة للاتفاق على تشريع، من شأنه أن يضرّ بالاقتصاد الروسي، ويحرّر الأموال لدعم قدرات أوكرانيا الدفاعية. وفي مجلسَي النواب والشيوخ، حثّ السياسيون من كلا الفريقين، بايدن، على اتّخاذ موقف حازم من تحرّك الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، تجاه أوكرانيا، حليف الولايات المتحدة. لكن العديد من الجمهوريين حاولوا استغلال الفرصة، وهاجموا بايدن لكونه «ضعيفاً» في مواجهة الأزمة، بينما رأوا في الوقت نفسه أنه لا ينبغي على الولايات المتحدة أن تتدخّل.
ولكن في حين كان بايدن واضحاً بتأكيده أنه لن يكون هناك جنود أميركيون على الأرض في أوكرانيا، استغلّ بعض الجمهوريين المخاوف بشأن اتّساع النزاع الأوروبي، لطرح شعار الرئيس السابق دونالد ترامب، «أميركا أولاً»، مجدّداً. حتى إن ترامب نفسه ــــ الذي لا يزال الزعيم الجمهوري الفعلي ــــ أشاد بـ»عبقرية» بوتين في الاعتراف باستقلال منطقتَين من أوكرانيا. وعاد، قبل يومين، ليتطرّق إلى الموضوع، في خطاب ألقاه أمام القاعدة الشعبية للجمهوريين في اللقاء السنوي، «مؤتمر العمل السياسي للمحافظين»، في مدينة أورلاندو في ولاية فلوريدا. ورأى أن سبب الغزو الروسي لأوكرانيا هو «ضعف» بايدن، مشيداً بفكر بوتين. ووسط تصفيق حارّ، قال: «كما يعرف الجميع، هذه الكارثة المروّعة ما كانت لتحدث لو لم تزوّر انتخاباتنا». وقال إن «حلف شمال الأطلسي» يتّسم «بعكس الذكاء» لفرضه عقوبات على روسيا، بدلاً من العمل على «تدميرها، على الأقلّ نفسياً». وتابع أن «المشكلة لا تكمن في أن بوتين رجل ذكي، وهو بالطبع ذكي (....) المشكلة الحقيقية هي أن قادتنا أغبياء جداً». في المقابل، برزت في أوساط الجمهوريين مواقف أخرى ناقدة، إنّما بشكل أكثر حذراً. وفي هذا الإطار، رأى زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ، ميتش ماكونيل، أن الانسحاب الفوضوي من أفغانستان شجّع بوتين على ما قام به، بينما اتهم ليندسي غراهام، حليف ترامب، بايدن، بـ»مغازلة» الرئيس الروسي.
في الجانب الديموقراطي، كانت الانتقادات للبيت الأبيض معتدلة، والتساؤلات بشأن تعامل الإدارة مع الأزمة في أوكرانيا أقلّ حدّة. وأثارت زعيمة مجلس النواب، نانسي بيلوسي، أسئلة قالت إن الأعضاء الديموقراطيين يطرحونها، بما في ذلك حول دور القوات الأميركية في أوروبا الشرقية. وقالت: «أحد التحدّيات التي نواجهها هو التوصّل إلى اتفاق حول ما يمكن للرئيس أن يفعله. ما هو الإطار؟ ما هي الجغرافيا؟ ما هو الجدول الزمني لكلّ هذا». وأضافت: «غالباً ما كان ذلك مثيراً للجدل». على أنه يبدو أن واشنطن تُظهر تعويلاً متزايداً على ما تُسمّيها «المقاومة» الأوكرانية؛ إذ ادّعى مسؤول كبير في وزارة الدفاع الأميركية، أول من أمس، أن روسيا تستخدم في أوكرانيا «أكثر من 50%» من القوات التي حشدتها على الحدود، وتبدو محبطة بشكل متزايد من المقاومة الصلبة التي يبديها الجيش الأوكراني»، في ما قد لا يكون خارجاً ــــ إلى الآن ــــ من إطار الدعاية الغربية المُكثّفة المُوجّهة ضدّ روسيا.
جاء هذا في وقت أعلن فيه وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، أن الولايات المتحدة ستقدّم لأوكرانيا مساعدات عسكرية إضافية بقيمة 350 مليون دولار لصدّ «الغزو» الروسي. وقال، في بيان، إن «هذه الحزمة ستشمل وسائل عسكرية دفاعية جديدة لمساعدة أوكرانيا على مواجهة تهديدات المدرّعات والمقاتلات والمروحيات والتهديدات الأخرى». وأمس، أعلن بلينكن، أيضاً، أن واشنطن سترسل مساعدات «إنسانية» جديدة إلى أوكرانيا بقيمة 54 مليون دولار، موضحاً، في بيان، أن تلك المساعدات تشمل «توفير الغذاء ومياه الشرب والمأوى والرعاية الصحية الطارئة والاستعداد لمواجهة الشتاء والحماية».