موسكو | رسالة بالغة الأهمية خرجت من روسيا، أمس، مع توجيه الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بجعل قوات الردع الاستراتيجية (تضمّ قوات نووية) في حالة التأهّب القصوى. وأمر بوتين، وزير الدفاع، سيرغي شويغو، ورئيس الأركان العامة للجيش، فاليري غيراسيموف، بوضع تلك القوات في «نظام خاص للخدمة القتالية»، معلِناً أن هذه الخطوة تأتي ردّاً على مسؤولي الغرب الذين «لم يكتفوا باتّخاذ خطوات عدائية اقتصادية وحسب... بل أدلى مسؤولوهم في حلف الناتو بتصريحات عدوانية ضدّ روسيا». وتزامن هذا الإعلان مع وضع المسار التفاوضي بين روسيا وأوكرانيا على سكّة الانطلاق، بعد تعذّر ذلك يوم السبت الماضي. وعلى رغم رفض كييف إجراء المفاوضات في العاصمة البيلاروسية مينسك، إلّا أنها عادت وأعلنت أنها أرسلت وفداً إلى مقاطعة غوميل البيلاروسية الحدودية، «لنستمع لما تريد موسكو قوله» وفقاً لوزير الخارجية الأوكراني، دميتري كوليبا.بالنسبة إلى موسكو، المفاوضات هدفها واضح، ويتمثّل في مناقشة نزع سلاح أوكرانيا، و»اجتثاث» النازية من النظام القائم في كييف، وتحقيق حيادية البلد عبر منع انضمامه إلى «الناتو». لكن يتّضح بناءً على تأكيد كييف أنها لن ترضخ للضغوط الروسية في المفاوضات، أن هذا المسار سيكون صعباً، بخاصة أن أوكرانيا تبدو «منتشية» بالدعم العسكري المتزايد لها، وهو ما تعتبره عنصر قوّة لها. ويتوازى بدء المفاوضات مع استمرار العملية العسكرية الروسية، التي عادت وانطلقت أول من أمس، على جميع الجبهات في أوكرانيا. وسُجّل تقدّم للقوات الروسية في أكثر من جبهة في غرب البلاد وجنوبها، فيما احتدمت المواجهات في العاصمة كييف. والظاهر أن موسكو تحرص، في عمليتها، على عدم إيقاع ضحايا ودمار كبير، وهو ما يؤخّر تنفيذ بعض الخطط. وبحسب وزارة الدفاع الروسية، فإن السلطات الأوكرانية تنشر الأسلحة بين الأماكن السكنية، بهدف التسويق لكون روسيا تستهدف المدنيين.
تركّز روسيا في عمليتها العسكرية على الجبهة الشرقية الأوكرانية دوناً عن الجبهة الغربية


ويوضح النائب الأول لرئيس لجنة مجلس الدوما، فيكتور فودولاتسكي، أن «رئيس الاتحاد الروسي لا يريد ضحايا ودماراً في أوكرانيا، ويهتمّ بإحلال السلام هناك». واعتبر فودولاتسكي أن روسيا «اليوم تحرّر أوروبا من النازيين»، داعياً الرئيس الأوكراني، فلودومير زيلينسكي، إلى «إنقاذ أوكرانيا من الدمار، عبر وقف الاشتباكات والجلوس إلى طاولة المفاوضات». بدوره، شدّد «مجتمع الخبراء الروسي» على أن «النتيجة الأكثر ملاءمة في الوضع الحالي هي أن تجري العملية العسكرية في أسرع وقت ممكن». ولفت الباحث في «معهد الدراسات الدولية»، أليكسي توكاريف، إلى ضرورة أن ينتهي الوضع القائم بسرعة «مع تحقيق الهدف المعلَن: قمع البنية التحتية العسكرية من دون وقوع إصابات بين المدنيين». ورأى توكاريف أنه «كلّما انتهت الحرب مبكراً، قلّ عدد الضحايا، وكان ذلك أفضل لنا جميعاً». بدوره، أكد قائد الجيش الروسي 58 خلال حرب جورجيا في 2008، الجنرال المتقاعد أناتولي خروليف، أن الجيش الروسي قادر على احتلال كييف، لكن ما يعيق حصول ذلك هو رغبته في عدم وقوع ضحايا بأعداد كبيرة من المدنيين. وأوضح خروليف أن الجيش الروسي استفاد من عنصرَين مهمَّين في هذه الحرب لم يكونا متوافرَين أيام حرب جورجيا، يتمثّلان في تلقّيه أنواعاً جديدة من الأسلحة، إضافة إلى خبرة قتالية مهمة بسبب الحرب السورية. وقال إن الجيش الروسي «سيستخدم التكتيكات المجرَّبة والمختبَرة في سوريا على أراضي أوكرانيا، ليس فقط لتدمير قدرات العدو بل لإجباره على السلام».
أمر آخر تأخذه موسكو في الحسبان، وهو تجنُّب حرب استنزاف في المدن، ولذا فهي تركّز في عمليتها العسكرية على الجبهة الشرقية الأوكرانية دوناً عن الجبهة الغربية «المعادية» لروسيا. وهذا الأمر، بحسب الخبراء الروس، تعرفه القيادة العسكرية وقد وضعت الخطط لمواجهته. كذلك، من المهمّ متابعة الوضع على حدود مقاطعة كالينينغراد الروسية، الكائنة وسط «جغرافيا معادية» لروسيا، خصوصاً بعد غلق الدول الأوروبية مجالها الجوي أمام الطائرات الروسية، ما قد يعني «خطوات أولى نحو حصار» المقاطعة، وفقاً لمدير «برنامج مجلس الشؤون الدولية الروسي ونادي فالداي»، إيفان تيموفيف. وأشار تيموفيف إلى أن «حلف الناتو سيزيد من حضوره في المستقبل القريب، في كلّ من بولندا ودول البلطيق، وهذا يعني أن الوضع الآن وصل إلى مستوى غير مسبوق من التوتر». وأضاف أنه بناءً على تقلّص قنوات الاتصال بسرعة، بما فيها العلاقات الديبلوماسية، «سينشأ وضع خطير بالفعل في الاتجاه الغربي»، أي في كالينينغراد.



دعم الشركات الوطنية بمواجهة العقوبات

(أ ف ب )

واصلت الحكومة الروسية التأكيد أنها استعدّت جيّداً لمواجهة العقوبات الغربية المتواصلة عليها. وأعلن وزير التنمية الاقتصادية الروسي، مكسيم ريشيتنيكوف، أن ردّ موسكو على العقوبات سيكون عبر زيادة الاستثمار في البنية التحتية، وتعزيز مناخ الاستثمار ودعم الشركات الوطنية. وطمأن ريشيتنيكوف إلى أن القيود المفروضة على دخول البنوك الروسية الكبرى إلى الأسواق المالية العالمية، لن تصبح عقبة خطيرة أمام تطوير النظام المصرفي الوطني، مؤكداً أن روسيا تملك «موارد داخلية كبيرة متراكمة». بدوره، أعلن البنك المركزي الروسي، في بيان، أنه يملك الموارد اللازمة للحفاظ على استقرار القطاع المالي في البلاد. وأضاف البنك أن «النظام المصرفي الروسي مستقرّ، ولديه القدر الكافي من رأس المال والسيولة ليعمل بسلاسة ومن دون توقّف في أيّ حالة».