يواجه «حلف شمال الأطلسي»، ومِن خَلفه الولايات المتحدة، إصرار الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، على إنشاء منطقة حظر جوّي فوق بلاده، بالرفض، بينما يسعى الطرف الأميركي إلى الظهور بمظهر الباحث عن حلول من أجل تسليح أوكرانيا بالطائرات العسكرية التي تطالب بها، من دون أن يؤثّر ذلك في أيّ بلد آخر ضمن «الناتو». وأمس، أعلن وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أن بلاده «تعمل جاهدة» للتوصّل إلى اتفاق مع بولندا لتزويد كييف بطائرات حربية. وأفادت تقارير بأن الاتفاق قد ينصّ على تسليم أوكرانيا مقاتلات من طراز «ميغ - 29» تعود إلى الحقبة السوفياتية، بما أن الطيارين الأوكرانيين مدرّبون عليها. وكان مسؤولون أميركيون، بينهم بلينكن، قد استبعدوا إلى حدّ كبير قيام أيّ دولة عضو في «حلف شمال الأطلسي» بتزويد أوكرانيا بأسلحة «كاسرة للتوازن». لكن الوزير الأميركي قال للصحافيين، خلال زيارة إلى مولدافيا: «لا يمكنني التحدّث عن جدول زمني، لكن يمكنني القول إننا نتعامل مع الأمر بشكل نشط جدّاً». وأشار إلى أن الولايات المتحدة تُجري «محادثات مع مسؤولين أوكرانيين، للحصول على تقييم محدّث لاحتياجاتهم». وأضاف: «ننظر حالياً في مسألة الطائرات التي يمكن لبولندا أن تقدّمها لأوكرانيا، والكيفية التي سيكون بإمكاننا التعويض من خلالها، في حال قرّرت بولندا تقديم هذه الطائرات».وتحثّ كييف الغرب على تزويدها بمساعدة عسكرية، بما فيها طائرات حربية، للدفاع عن نفسها ضدّ «الغزو» الروسي، وهو ما تطرّق إليه لقاءٌ عُقد بين بلينكن ووزير الخارجية الأوكراني، دميترو كوليبا، عند الحدود الأوكرانية - البولندية، حضّ خلاله الأخير الولايات المتحدة على توفير المقاتلات. وبعد مرور عشرة أيام على اندلاع الحرب، قال كوليبا إن «الطلب الأكبر لدينا هو على الطائرات المقاتلة، والطائرات الهجومية وأنظمة الدفاع الجوي». وأضاف، عقب لقائه نظيره الأميركي: «إذا خسرنا الأجواء، ستُسفك دماء أكثر بكثير على الأرض». وبالتزامن مع هذه الزيارة، دعا زيلينسكي، دول أوروبا الشرقية تحديداً، إلى تزويده بطائرات روسية الصنع. وطالب، خلال اتصال عبر الفيديو مع أعضاء في الكونغرس الأميركي، أول من أمس، بزيادة التمويل وتشديد العقوبات الاقتصادية ضدّ روسيا، لا سيما حظر واردات النفط والغاز الروسي. ووفق «وول ستريت جورنال»، تعهّد أعضاء في الكونغرس بإرسال عشرة مليارات دولار من المساعدات لأوكرانيا. غير أن البيت الأبيض استبعد، في هذه المرحلة، فرضية منع واردات النفط الروسية، خوفاً من ارتفاع الأسعار للمستهلكين الأميركيين المتأثّرين بالأساس بتضخُّم قياسي. وأفادت الصحيفة بأن المسؤولين الأميركيين ذكروا عدداً من القضايا العملية الصعبة، بما في ذلك تسليم الطائرات إلى أوكرانيا، وبأن الاتفاق سيتطلب موافقة البيت الأبيض وتحرّكاً في الكونغرس. كما أن الولايات المتحدة ليست لديها أيّ مقاتلات «أف - 16» منتَجة حديثاً يمكن أن تسلّمها لبولندا مقابل مقاتلات «ميغ - 29»، لا سيما أن بولندا تواجه تهديداً روسيّاً محتملاً، وتحتاج إلى مقاتلاتها للدفاع عن نفسها.
استبعد ميلي فكرة إقامة منطقة حظر طيران لأنها ستقتضي «محاربة نشطة» للقوات الروسية


وجاءت الخطوة الأميركية الأخيرة عبر بولندا، غداة تعبير زيلينسكي عن أسفه للقرار «المتعمّد» الذي اتّخذه «حلف شمال الأطلسي»، بعدم فرض منطقة حظر جوي في أوكرانيا. وقال زيلينسكي، في فيديو نشرته الرئاسة الأوكرانية: «مع عِلمه بأنّ لا مفرّ من ضربات جديدة وسقوط ضحايا، تعمّد حلف شمال الأطلسي اتّخاذ قرار عدم حظر المجال الجوي لأوكرانيا». وأضاف: «اليوم، أعطت إدارة الحلف (الأطلسي) الضوء الأخضر لمواصلة الضربات على مدن وقرى أوكرانية». وتابع: «نعتقد أن دول الأطلسي نفسها أوجدت رواية مفادها أن منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا ستثير عدواناً روسياً مباشراً ضدّ الناتو». وكان «الحلفاء» قد رفضوا، في وقت سابق من يوم الجمعة، طلب كييف إنشاء منطقة حظر طيران في أوكرانيا، لكنهم حذّروا الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، من عقوبات جديدة إذا لم يوقف الحرب. وقال الأمين العام لـ»الناتو»، ينس ستولتنبرغ، إن «الطريقة الوحيدة لفرض منطقة حظر جوي هي إرسال مقاتلات تابعة للناتو إلى المجال الجوي الأوكراني، ومن ثمّ فرض منطقة حظر الطيران هذه عبر إسقاط الطائرات الروسية». وأضاف: «إذا قمنا بذلك، سينتهي الأمر بنا في وضع قد يفضي إلى حرب شاملة في أوروبا، تتورّط فيها العديد من الدول الأخرى وتتسبب بمعاناة إنسانية أكبر بكثير. لهذا السبب، نتّخذ هذا القرار المؤلم».
وفي الاتجاه نفسه، استبعد رئيس الأركان الأميركي، الجنرال مارك ميلي، أمس، فكرة إقامة منطقة حظر طيران في أوكرانيا، لأنها ستقتضي «محاربة نشطة» للقوات الروسية. وقال، خلال زيارة استمرّت بضع ساعات في لاتفيا المتاخمة لروسيا: «إذا تمّ الإعلان عن منطقة حظر جوي، سيتعيّن على شخص ما فرضها». وتابع، في حديث مع وسائل إعلام محلية: «سيتوجّب علينا إذاً أن نذهب ونحارب القوات الجوية الروسية بفاعلية»، مضيفاً: «لم يقل الأمين العام لحلف شمال الأطلسي (ينس) ستولتنبرغ، أو أي مسؤول سياسي كبير من الدول الأعضاء، إنهم يريدون القيام» بخطوة كهذه. وزاد ميلي، وهو أول مسؤول أميركي كبير يتحدّث علناً عن المسألة: «إذاً اليوم، أنا لست على دراية بأيّ مشروع لإقامة منطقة حظر طيران».
في هذه الأثناء، من المتوقّع أن تزور نائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، من 9 إلى 11 آذار، بولندا ورومانيا لإظهار دعم بلادها لهاتين الدولتين في خضمّ الحرب في أوكرانيا، على ما أعلن البيت الأبيض الجمعة. وجاء في بيانٍ للبيت الأبيض أن هذه الزيارة التي تقود هاريس إلى وارسو، ثمّ إلى بوخارست، «ستثبت قوة حلف شمال الأطلسي ووحدته، وكذلك الدعم الأميركي للحلفاء في الخاصرة الشرقية» للتحالف العسكري.