موسكو | تتواصل العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا للأسبوع الثالث على التوالي، وسط ارتفاع الخسائر في أوساط القوات الروسية، التي يبدو الخبراء العسكريون مطمئنّين إلى أنها ستصل إلى أهدافها في نهاية المطاف على رغم الكلفة الكبيرة التي ستتكبّدها. وارتفع عدد القتلى في صفوف القوات الروسية والشعبية المشتركة إلى أكثر من ألف، فيما زاد عدد الجرحى على ثلاثة آلاف، في مقابل أعداد مضاعفة لدى القوات الأوكرانية، بلغت في خاركوف وحدها أكثر من 3500 جريح. وبحسب الخبراء، فإن خسائر القوات الأوكرانية والمجموعات المتطرّفة الموالية لها، سترتفع بشكل مطّرد ومستمرّ، نظراً إلى محاصرتها في منطقة دونيتسك، حيث ما يزيد عن 30 ألف مقاتل، لم يَعُد أمامهم سوى خيارَين: إمّا الاستسلام أو الموت، علماً أن هؤلاء متحصّنون خارج المناطق السكنية، ما يعني سهولة استهدافهم من قِبَل القوات الروسية التي تزيد من اعتمادها على سلاحَي المدفعية والجو في تلك المنطقة، لتقليل الخسائر في صفوفها. أمّا مدينة ماريوبول البحرية الاستراتيجية، فهي، وفق الخبراء، بحُكم الساقطة عسكرياً، والمَهمّة فيها اليوم منحصرة في تمشيط المدينة وضواحيها. وأعلن الرئيس الشيشاني، رمضان قديروف، الذي ظهر في مدينة غوستوميل (ضواحي كييف، التي هدأت العمليات على محاورها للقيام بعملية إعادة تموضع وانتشار) متفقّداً قواته في تحدٍّ للاستخبارات العسكرية الأوكرانية، أن لديه 5 آلاف مقاتل شيشاني داخل ماريوبول، مستعدّين للقيام بالمَهمّة الموكلة إليهم، ونصح القوات الأوكرانية بالاستسلام قبل فوات الأوان. ويوضح الخبير العسكري، فلاديمير يفسييف، أن مهمّة تأمين مدينة فولنوفاخا استمرّت أسبوعاً، لكنها خلّفت دماراً كبيراً، في حين ماريوبول مساحتها أكبر وكثافتها العمرانية أعلى، ما يعني أن تأمينها سيستغرق وقتاً أطول، وأن حجم الدمار فيها سيكون أكبر. ويلفت يفسييف إلى أنه لم تتمّ السيطرة على غوليبولي في مقاطعة زباروجيا حتى الآن، والحال نفسه ينسحب على باباسنايا.
ويَتوقّع أن تستمرّ المعارك الضارية في الدونباس لأسبوعَين إضافيين، حيث سيكون ممكناً بعدها للقوات الروسية تعزيز التقدّم باتّجاه الغرب، وإحكام الحصار حول خاركوف - على سبيل المثال -، التي لم يتمّ تأمين ضواحيها بالكامل حتى الآن، على رغم قطع طريق الإمداد بينها وبين الدونباس بعد السيطرة على مدينة إيزوم التي لحق بها دمار كبير أيضاً، حيث كانت تتمركز فيها فرقة مظلّية هجومية أوكرانية، وكان اقتحامها ضرورياً لإحداث خرق على هذا المحور. كذلك، يجري استهداف الطريق السريع بين خاركوف وكييف بهدف قطعه بالكامل، بينما يأمل يفسييف أن يتمكّن أكبر عدد ممكن من سكان خاركوف والمدن الكبرى من مغادرتها قبل اتّخاذ قرار اقتحامها. ويلفت الخبير الروسي إلى أن مدينة ميكولايف محاصَرة تماماً أيضاً، متوقّعاً أن تستمرّ المواجهات الضارية حتى الصيف، وربّما الخريف، منبّهاً إلى أن لا خيار آخر غير التكتيكات المتّبعة حالياً لتخفيض الخسائر البشرية، وتجنّب اقتحام المدن الكبرى قبل تهشيم القدرات العسكرية للقوات الأوكرانية. ويشير إلى «(أننا) دخلنا في مرحة كسر ذراع الناتو العسكرية في أوكرانيا»، بعد استهداف معسكرات تدريب يديرها ضبّاطه وخبراؤه، وتدمير مخازن سلاح غربي وصل حديثاً إلى أوكرانيا، بواسطة صليات صاروخية عالية الدقة انطلقت من السفن والقطع البحرية الروسية، بالقرب من لفوف غرب أوكرانيا.
يَتوقّع الخبراء أن تستمرّ المعارك الضارية في الدونباس لأسبوعَين إضافيين


من جهته، لم يستبعد المتحدّث باسم الكرملين، دميتري بيسكوف، اقتحام القوات الروسية مدناً أوكرانية كبرى، مع «ضمان أقصى حدّ من الأمن للسكّان»، الذين جدّد اتّهام القوات الأوكرانية والمجموعات الموالية لها باتّخاذهم دروعاً بشرية. وفي حالة اتّخاذ قرار باقتحام تلك المدن، فإن الممرّات الإنسانية هي التي ستكون في مأمن فقط من النيران الروسية، بحسب ما يؤكد الخبراء. وأشار بيسكوف إلى أن الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، أمر، منذ بداية العملية العسكرية، بعدم الاقتحام الفوري للمدن، بما فيها كييف، بسببب انتشار مجموعات اليمين المتطرّف في المناطق السكنية، الأمر الذي سيؤدي إلى خسائر بشرية فادحة، مؤكداً أنه «تمّ التخطيط للعملية بدقّة مع أخذ هذه الأمور في الاعتبار». ورفض بيسكوف «نصائح هؤلاء الاستراتيجيين»، في إشارة إلى مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان، ونائب رئيس المفوّضية الأوروبية جوزيب بوريل، مُعيداً إلى الأذهان قصف الولايات المتحدة الأميركية لمدن يوغوسلافيا ودول في الشرق الأوسط، من دون الاكتراث لحياة المدنيين.
في هذا الوقت، تقدّمت القوات الروسية على عدّة محاور خلال الساعات الـ24 الماضية، بعمق 11 كيلومتراً، فيما نجحت قوات لوغانسك الشعبية في إحكام حصارها على مدينة سيفيرودانيتسك (شمال دونيتسك) من اتّجاهَي الشرق والجنوب، حيث تستمرّ المجموعات اليمينية في القتال في الضواحي الشمالية الشرقية للمدينة. كذلك، فرضت القوات الروسية سيطرتها الكاملة على بلدات بافلوفكا ونيكولسكوي وبلاغوداتنوي وفوديانوفكا وفلاديميروفكا، ووصل عمق التقدّم خلال اليوم الماضي إلى 9 كيلومترات على هذه المحاور.